"أوروبا ستموّل التمديد للسوريين في لبنان بمليار يورو".. هل كان كلام المسؤولة الأوروبية التباسًا؟

تكتسب زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين إلى بيروت، ولو لبضع ساعات، اهمية استثنائية في ظل الظروف الامنية الراهنة تحت وطأة التهديدات الاسرائيلية بالحرب على لبنان، ليس من منظار أمني وإنما من منظار الاولوية التي توليها دول الاتحاد الاوروبي لملف اللجوء والرغبة في احتواء مفاعيل الهجرة غير الشرعية للاجئين السوريين إلى دول أوروبية، بعدما تبين ان السدّ الذي كان يشكله لبنان أمام هذه الهجرة مهدد بالسقوط نظراً إلى ضعف مناعة البلد على احتواء الأعداد المتزايدة في شكل كبير، إما بفعل استمرار النزوح، وهو لم يعد نزوحاً لأسباب أمنية بل بات نزوحاً اقتصادياً، وإما بفعل النسبة العالية والمقلقة للولادات التي تزيد ستة أضعاف عن نسبة الولادات اللبنانية.

وتكتسب الزيارة قيمة إضافية بما ان المسؤولة الأوروبية الأعلى قامت بها برفقة الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس، وهي زيارته الثانية إلى بيروت في اقل من شهر. والتركيز كما بات معلوماً على ملف اللجوء والهجرة غير الشرعية التي تعاني منها الجزيرة الصغيرة في شكل كبير.

كانت لافتة المواقف الحازمة التي اطلقها لبنان والتي يمكن اختصارها بثلاثة: التحذير من أن كرة النار التي يشكلها اللاجئون لن تنحصر تداعياتها على لبنان بل ستمتد إلى أوروبا لتتحول إلى ازمة إقليمية ودولية، وأن أمن لبنان من أمن أوروبا والعكس، اي أن أي تهديد أمني يشكله السوريون على لبنان ستمتد مفاعيله إلى أوروبا ايضاً ولن تكون اي دولة أوروبية بمنأى عنه بعدما وصل لبنان إلى مرحلة عدم القدرة على تحمّل أعباء السوريين، وبدأت المشاكل الامنية تتهدد استقراره. النقطة الثانية تمثلت في رفض تحوّل لبنان إلى وطن بديل للسوريين وذلك في رسالة إلى الاسرة الأوروبية مفادها ان مبدأ التوطين مرفوض أياً تكن الحوافز مقابله، لأنه يعني عملياً تهجير اللبنانيين من ارضهم، وحلول السوريين مكانهم، فالبلد لا يتسع لشعبين، وكذلك رفض ان يكون بلد عبور، في رسالة ايضاً الى الأوروبيين ان السلطات اللبنانية لا توافق على استعمال لبنان ممراً غير شرعي للهجرة إلى دول أوروبا، وإنْ كان هذا الامر خارج امكاناتها وقدراتها. ولعل هذا ما يفسر مشاركة قادة القوى العسكرية والأمنية في الاجتماع الموسع في السرايا الحكومية. النقطة الثالثة تمثلت في طلب دعم النازحين لتشجيعهم على العودة الطوعية إلى بلادهم وسط الإقرار والتأكيد على وجود مناطق آمنة منذ العام 2016 عندما تحوّل النزوح إلى اسباب اقتصادية.

إلى هذه المواقف التي ابلغها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى الزائرين، يضاف اقتراح رئيس مجلس النواب نبيه بري بتشكيل لجنة مشتركة لمتابعة الموضوع.

في المقابل، بدت المسؤولة الأوروبية على ضفة اخرى من الهواجس اللبنانية. فهي إذ ثمّنت مواقف لبنان واكدت حرصها على استقراره وازدهاره، إلا انها رأت ان الدعم الأوروبي المطلوب لن يكون في المساعدة على تأمين العودة الآمنة للسوريين، بل عبر توفير الدعم المالي المقطوع عن لبنان منذ أعوام إلا بقطرات صغيرة، لتأمين هذا الاستقرار. فهي أعلنت في المؤتمر الصحافي المشترك مع ميقاتي والرئيس القبرصي عن حزمة مالية بقيمة مليار يورو تمتد حتى سنة 2027 للمساهمة في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وتعزيز الخدمات الأساسية والحماية الاجتماعية وتحقيق الاصلاحات الاقتصادية والمالية والمصرفية ودعم الجيش والقوى الامنية.

أمام هذا الدعم، يُطرح السؤال عما إذا كان الحل لمسألة النازحين قد بدأ أم ان ما شهدته بيروت امس لا يعدو كونه واحدة من خطوات التخدير عبر اجراءات موقتة يسعى الاتحاد الاوروبي إلى إرسائها بهدف شراء الوقت في انتظار التسوية السياسية في سوريا، حيث يشكل الدعم المالي الجزرة الممدودة للبنانيين لإطالة أمد تحمّلهم أعباء النازحين.

تصف مصادر حكومية اجتماع السرايا بالإيجابي كونه تطرق إلى ملف اللجوء بكل تفاصيله، كاشفة ان لبنان بدأ يتلمس بداية تفهّم أوروبي لمخاطر هذا الملف. لكن ما ورد في محادثات الأمس لا يشكل سوى خطوة أولى لما يطمح لبنان إلى تحقيقه في اجتماع بروكسيل نهاية الشهر الجاري.

وعن الدعم المالي الأوروبي وما إذا كان مقدمة للتوطين، نفت المصادر هذا التوجه، مشيرة إلى ان كلام المسؤولة الأوروبية ربما أحدث التباساً، لكنه لم يرمِ إلى تكريس التوطين. وأشارت إلى أن رئيس الحكومة سيرفع سقف خطابه في بروكسيل لتبديد أي انطباع في هذا الشأن، حيث سيطالب بقرارات شاملة أوروبياً، فإما التأكيد على رفض التوطين وإما ستكون للبنان خطوات اخرى.