الأزمة تهدد ديمومة دار الرحمة للراهبات الأنطونيات

نعرّفكم الى صونيا غازي، النزيلة في مستشفى دار الرحمة للراهبات الأنطونيات في عين سعاده، في العقد الستيني من عمرها. أكملت المقلب الآخر من عمرها بحقيقة تقرّ بها بسهولة وهي أنها لم تتعرف يوماً الى والديها، رغم أن البعض ذكر أمامها أن والدتها تدعى جميلة، ووالدها طانيوس.

كيف تمضي صونيا وقتها في المستشفى؟ ببسمة ملائكية، تشكر الرب مراراً على نعمه، فصحتها جيدة ومعاملة الجميع ومنهم رئيسة المستشفى الأخت جنان فرح، ومجمل العاملين والعاملات ممتازة أيضاً. انتقلت الى هنا بعد قضائها بعض الوقت في ميتم. يومياتها تكمن في المساعدة بشؤون المطبخ والترتيب المنزلي...

هنا مستشفى الرحمة. ندخل الى مكتب الإستقبال ليُطلب منا بأسلوب سلس ولطيف الإنتظار بضع دقائق قبل لقائنا الأخت فرح.

 

المبنى الرئيسي واسع المدى، تتفرع منه مجموعة أبنية لنزلاء المستشفى (فئة ثانية)، يؤمن الإيواء لـ 28 راهبة مسنّة و215 نزيلاً من مسنين يعانون من أمراض مزمنة بعضها مستعصية، ونزلاء آخرين من مرضى نفسانيين ومتأخرين عقلياً.

يهتم 26 موظفاً وممرضاً بنزلاء المستشفى، وهم يتقاضون رواتب متواضعة، ما يهدد استمرارهم في الوظيفة ويفرض استقطاب موظفين جدد لتوفير الخدمات المطلوبة للنزلاء.

لدى توجهنا الى قسم العجزة، عبّرت الأخت فرح عن مخاطر عدة تهدد إستمرار المستشفى، وترتبط مباشرة بالأزمة الإقتصادية الخانقة والطارئة بعد 2019، مشيرة الى أن "90 في المئة من النزلاء يتم إستقبالهم هنا على حساب كل من وزارتي الصحة والشؤون الإجتماعية بتغطية إرتفعت بعد الأزمة في "الصحة" من 26 ألف ليرة الى 52 ألف ليرة عن كل يوم، وفي "الشؤون" من 17 ألف ليرة الى 34 ألف ليرة، مع تسجيل عجز بعض البلديات، التي كانت تساهم جزئياً قبل الأزمة، عن الاستمرار بالدعم بسبب انهيار العملة المحلية".

ما العمل إذاً؟ صارحتنا الأخت فرح بأن "كلفة النزيل هنا تصل أقله الى 300 دولار في الشهر الواحد، ما فرض علينا الطلب من ذويهم تأمين مساهمة شهرية لكل نزيل من 50 الى 150 دولاراً شهريا مع تكفّل اهاليهم بتأمين لوازمهم الخاصة"، لافتة الى "وجود 50 حالة إجتماعية في المستشفى تفتقر الى معيل لها، أو ان أهلهم لا يتواصلون مع ايّ منهم، ما يرتب علينا التكفل بهم".

هل من قسم خاص؟ أجابت: "لقد ارتأينا زيادة بعض المدخول الى المستشفى من خلال إستقبال عدد أكبر من النزلاء يملكون إمكانات مادية لتغطية إقامتهم في القسم الخاص في المستشفى".

وصلنا الى قسم الاناث. كان الاستقبال مفعماً بالحفاوة من النزيلات رغم ثقل المرض والعمر على بعضهن. جئنا الى الصالون بعد تناول طعام الغذاء، لأخذ قسط من الراحة، اي بعد تناول وجبة شهية من الأرز والفاصولياء مع تحلية من بعض الشوكولا.

قصدتنا زينة بوجهها الضاحك الذي يخفي واقع عينيها المتّشحتين بالحزن. ورغم أنها تحظى بمعاملة جيدة جداً في المستشفى، فإن حزنها يعود الى قرار مفاجىء اتخذته العائلة لتقيم هنا.

صمتت وهي تخبرنا بصوت خافت أن لا أحد يسأل عنها إلا عبر الهاتف، وهذا أمر محزن جداً.

سمعنا أخباراً موجعة ممن فقدوا الحرارة الانسانية مع ذويهم وبقي لهم فقط هذا السقف لإيوائهم.

أكملت الأخت فرح سرد "ثقل الأزمة على استمرار المستشفى ولاسيما صعوبة دفع الموازنة الشهرية لتغطية مصاريف المازوت للمولد الكهربائي، ما فرض تقليص ساعات التغذية، والحد من ساعات التدفئة، إضافة الى غلاء سعر مياه الشرب والشفة للمستشفى"، مشيرة الى "أننا نحتاج الى دعم مالي لمعالجة النش في أقسام المستشفى ولتركيب طاقة شمسية تقلص مصاريفنا".

غادرنا متوجهين الى قسم الرجال. كنا نتحدث ونحن في طريقنا الى هناك. ما هي سياسة التقشف المتبعة اليوم؟ بالنسبة لفرح، "تغيرت الأحوال لأننا كنا نعتمد على تقديمات أحد الأفران وبعض السوبرماركت لتزويدنا بالخبز ومشتقاته وبالطعام"، وقالت: "نحتاج يومياً الى 70 ربطة خبز، وهذا أمر مكلف. حددنا برنامجاً لنوع محدود جداً من الأجبان وأنواع معينة من الفاكهة والخضر. النزلاء يتناولون 3 مرات اللحوم والدجاج في الأسبوع الواحد، بعدما كانت متاحة أكثر قبل الأزمة. أقفلنا قسمين من المستشفى وأبقينا 4 أقسام للإناث منها قسم للراهبات المسنات و4 أقسام للرجال".

مَن يتابع حالات النزلاء؟ أجابت: "يقصدنا طبيبان واحد للأمراض العصبية وآخر لأمراض الشيخوخة والطب الداخلي لمعاينة النزلاء، مع العلم أن جمعية الشابات والشبان المسيحية تؤمن لنا الأدوية للمرضى الذين يعالجون في المستشفى على حساب ذويهم، باستثناء الـ 50 حالة التي نعجز فعلياً عن تغطية استشفائها".

وصلنا الى قسم الرجال. جلس قسم منهم أمام التلفاز. ماذا يتابعون على الشاشة؟ بادر الشاب هناك مجيباً: "نتابع محطتي "ام تي في" و"ال بي سي"، وتحديداً مباراة كرة القدم أو كرة السلة لنواكب أداء وائل عرقجي وحسن معتوق. أكرس وقتي مساء لمتابعة حلقات المسلسل التركي المدبلج "إسمي ملك".

يقاطعه زميله: "نهتم أيضاً بمتابعة تلفزيون المحبة ونواظب على الصلاة طبعاً، وهذا حيز مهم في حياتنا اليومية".

نكمل الى قسم آخر للمرضى النفسايين حيث استُقبلنا بفرح. بادر أحدهم مخبراً أنه فقد متاجره وماله.

هل كان هذا الرجل فريسة الأزمة الحالية؟ لا جواب واضحا على ذلك.

غادرنا سائلين الأخت فرح عن الخيّرين أو حتى مساهمة الطبقة الحاكمة أو زوجات السياسيين في دعم المستشفى، لنتفاجأ بأن المساهمة إقتصرت على مرشح واحد خلال الانتخابات النيابية الأخيرة.