التحقيقات في عصابة " التيك توك" تتوسّع... الحظر ليس الرادع ومنصّات أخرى خطرة

كالعادة في لبنان، تحوّر القضايا الأساسية عن "أساساتها" و"يرمى" الملفّ في منحى آخر. هذا ما يسعى البعض الى فعله في قضيّة عصابة "التيك توك"، إذ برزت دعوات الى حظر "التيك توك" في لبنان وإقفاله، وكأن في هذا الأمر الحل المطلوب.

وإن كان الملف، حتى الساعة، يسلك مساره القضائي، فإن الأنظار تتجه الى الخواتيم والى الوصول الى كامل أفراد العصابة، والأهم الى الرأس المدبّر والمموّل، وهذا ما بدأ يُطرح ضمن إطار ضرورة الاستعانة بالانتربول، نظراً الى وجود أفراد من هؤلاء "المشهورين" خارج الحدود.


فأيّ جديد قضائي في الملف؟
تلفت أوساط قضائية لـ"النهار" الى أن " المسار القضائي يتابع في هذه القضية، ولا سيما مع ارتفاع عدد الإفادات. والعمل مستمر بالتنسيق مع مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية وحماية الأحداث".

مواجهات الضحايا
يبلغ عدد أفراد العصابة، وفق المعطيات المتوافرة، نحو 30 شخصاً، بين من يعملون في تجارة الممنوعات والمخدرات، ونحو عشرة أشخاص يقومون باغتصاب الأطفال، وبعض الموقوفين يعملون في مراكز تزيين ومحالّ بيع ألبسة وغيرها.


الى الآن، وصل عدد الموقوفين الى عشرة أشخاص، وعلمت "النهار" أن ثمة "مواجهات ومقابلات" حصلت بين عدد من الموقوفين والضحايا، ما يعني أن الشق القضائي يُستكمل ويتوسّع، ولا سيما بعد انتهاء عطلة الأعياد.

وكما بات معلوماً، فإن في العصابة أفراداً من جنسيات مختلفة، لبنانية وسورية وتركية، وبعض المتورطين اللبنانيين موجودون خارج لبنان.


بين القانوني والضروري
حتى الساعة، يبدو أن الملف القضائي بات شبه مكتمل، بانتظار أن يُترجم عملياً بإلقاء القبض على جميع الأفراد، لا أن يقف عند حدود أشخاص محدّدين، وأن تُطمس الحقيقة بعدها، فيكون الملف مجرد قضيّة آنية، ألقي الضوء عليها ثمّ وُضعت على الرف. هذا التخوّف تعززه معلومات بدأت تسري عن "ضغوط" يمارسها أحد "المشهورين" الموجودين في الخارج، الذي يُعدّ من أبرز المتورّطين في القضيّة، محاولاً تحوير القضية وطمسها.

أوساط قضائية ترفض هذا المنطق، وتؤكد مجدداً أنها "ماضية في التحقيقات حتى النهاية، لأن الملف يهدد مجتمعاً برمته، ويفتح المجال في المستقبل أمام اعتداءات أخرى، إن لم يكن الرادع قوياً".


إلا أن هذا "الرادع" لا ينبغي أن يكون حظر "التيك توك" أو إقفاله. فماذا يقول الخبراء التقنيون في هذه الدعوات؟ وهل في الأساس يمكن اللجوء الى الحظر؟

يجيب الخبير في أمن المعلومات والتحوّل الرقمي رولان أبي نجم "النهار": "تقنياً وقانونياً، يمكن اللجوء الى الحظر. ولكن، هل هذه هي الأداة المناسبة للرد على هذا النوع من الاعتداء؟!".

ويتدارك: "الحظر لم يحقق مرة النتيجة المرجوّة، مع العلم بأن "التيك توك" هو أخطر منصّة تواصل اجتماعي موجودة في العالم، والمشكلة في هذه المنصة هو تشجيع المحتوى عبر النقل المباشر، من دون حد أدنى من الرقابة أو المراقبة. وبذلك، يتم التشجيع على نقل محتوى بلا أي مضمون، فقط مقابل الربح المادي وزيادة عدد المتابعين. هذه هي خطورة "التيك توك". لكن، بكل بساطة، يمكن لكل شخص الحد من الاستعمال الرخيص لهذه المنصّة، ومعرفة استخدامها السليم عبر تشديد مراقبة الأهل على أولادهم والقصّر، تحديداً تجاه هذه المنصة. وهنا، أيضاً يدخل الدور التربوي، وهذا ما بدأنا نراه عبر حملات التوعية التي بدأتها العديد من المدارس".

ويأسف أبي نجم "لوقوع مثل هذه المصيبة عبر اكتشاف العصابة الأخيرة، حتى يبدأ بعض الأهل وعدد من المدارس حملات التوعية أو المراقبة. منذ زمن ونحن نحذر من أن "التيك توك" منصّة خطرة، إلا أن حظرها، وإن كان ممكناً تقنياً وقانونياً، لن يؤدي الى الحل الصحيح".
وفق أبي نجم: "في حالة الحظر، يمكن اللجوء الى منصّات أو ألعاب أخرى، هي أيضا خطرة. ثمة منصّات حالياً لا يمكن تركها بأيدي الأطفال، من دون مراقبة الأهل. والغريب أن بعض الأهل يمنعون أولادهم من التحدث الى أشخاص غرباء عنهم في الطريق أو خارج البيت، فيما لا ينبّهونهم مثلاً الى خطورة التحدث الى أشخاص افتراضيين، أي عبر المنصّات أو الألعاب أو الفيديوات".

تقنياً، لا يخفي أبي نجم أن "أميركا أيضاً تهدد بالحظر. لكن بالتلاعب عبر الإنترنت غير الشرعي وغيره من الوسائل يمكن تخطي الحظر. من هنا، أصل المشكلة ليس هنا، ولا يجوز في الأساس تحوير الموضوع. أولاً، ثمة عصابة ينبغي إيقافها ومحاسبة جميع المرتكبين. وثانياً، الرقابة الحقيقية تكون عند المستخدم لهذه المنصات، وهذا يتطلب وعياً وتنبيهاً من الأهالي وتثقيفاً من الاختصاصيين التربويين، كي يكون استخدام المنصات في مكانها المناسب أو في إطارها المحدد".

ويكشف أبي نجم أن "ثمة خطورة أيضاً في منصّة "بيبو"، ومشاكل عديدة في لعبة "روبلكس" وغيرها من المنصّات والألعاب المفتوحة أمام الأطفال، من دون أي رقابة. الحظر لن يعالج المشكلة، لأنه في حالة المنع، سيتم اللجوء الى منصّات أخرى. فهل يكون الحلّ بحظر الكل؟ بالتأكيد، لا. المعالجة هي في الوعي، ومنذ الصغر. هي مسألة تربية أولاً وأخيراً".