الرئيس الجمّيل من بكركي: أهمية "لبنان الكبير" أنه أعلن حياد الدولة منذ العام ١٩٢٠

شارك الرئيس أمين الجميّل في إطلاق "طاولة حوار المجتمع المدني" في الصرح البطريركي في بكركي، بحضور البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي.

وتناول الرئيس الجميّل في كلمته في مؤتمر بكركي حول "لبنان الكبير" البعد الايجابي لدولة ١٩٢٠ والثغرات التي عانت منها.

وقال: "في النقطة الاولى لم تكن المساحة معيار الدولة، ولم يعتمدْ البطريرك الياس الحويك عام ١٩٢٠ الكيلومترات كوحدةِ قياسٍ بل اعتمد قياسَ الوحدة". 

أضاف: "لحظةَ العملِ للمشروع، كان الكيانُ الواحد الخاص بلبنانَ الكبير فكرةً ثابتة في التاريخ، لكن متعثرةْ في الجغرافيا".

وحسم الجميّل القول بأن الخطأ البشري هو الذي حاول إفشال تجربة لبنان الكبير، وقال: "لا تلومّنَ الياس الحويك ورفاقَه من كل الطوائف، لا تلومّنَ الآباء المؤسسين لدولة لبنان الكبير، رهانُهم وأهدافُهم كانت صائبة، ممارستُنا كانت شائنة. لم نوفَّقْ في صيانةِ دولةِ لبنانَ الكبير، وتعثّر التجرِبة لم يكن عيباً في التصنيع Défaut de fabrication بل بسبب خطأ بشري بالتطبيق".

وبعد تعداد سريع للمحطات النزاعية في تاريخ لبنان الحديث، شدد الرئيس الجميّل في كلمته على وجه لبنان الطوائفي لا الطائفي، حيث قال: "أهمية لبنان الكبير أنه حمى وجهَ لبنان العربي، فلا لبنانُ الكبير جعل من لبنانَ مسيحياً أو مسلماً بل وطنَ رسالة، والتنكرُ لدولة لبنانَ الكبير كما يحصل اليوم بمصادرة قرار الدولة من الداخل بعدما تناوب الخارجُ على مصادرتها في مراحلِ الازماتِ السابقة، يجعلُ انتماءَ لبنان بمثابة مكتوم القيد الى حينِ تعودُ الدولةُ دولةً".

ليخلص الرئيس الجميّل الى أن أهمية لبنان الكبير أنه أعلن حياد الدولة منذ العام ١٩٢٠.

كلمة الرئيس أمين الجميّل كاملة:

"صاحب الغبطة،

أيها الأحباء،

أول الإمتحانات كان سنة 1949، مع قيام دولة إسرائيل وطموحات بعض مؤسسيها التوسّعية، فتوحّد اللبنانيون وواجهوا هذه التحديات.

  • في نهاية الخمسينيات كاد لبنان أن يسقط وإهتزّ منطق الولاء للوطن،إلا أن بعض الظروف الإقليمية الطارئة ساهمت في تصحيح مسيرته الإستقلالية، وتعزيز نظامه المميّز في المنطقة.
  • في الستينيات واجه لبنان مشروع الوطن البديل على أرضه، فواجه العرفاتية وأتباعها في الداخل والخارج، وتحوّلت الحالةُ الفلسطينية الى أكثر بكثير من وجود وأقل بقليل من دولة احتلال لدرجة كادت الحركة الفلسطينية أن تقضي على الكيان لولا المقاومة اللبنانية الشجاعةلهذا المشروع التي حفظت لبنان حين توفّرت الظروف الإقليمية المؤاتية.
  • في السبعينيات كذلك، واجه لبنان الأطماع السورية من خلال الهيمنة الكاملة على الوطن ومقدّراته، بمباركة دولية مغرضة. فكان 〔الاحتلالُ〕 الفعلي للبنان. احتلالٌ لم يحررْهُ سوى وحدتِنا الداخلية المنبثقة من فلسفةِ لبنانَ الكبير وقد جسدّها حديثاً بكل معانيها تجمعُ قرنة شهوان ولقاءُ البريستول تحت شعار لبنان اولاً وقافلةُ الشهداء التي دفعنا ثمنها وجعاً كبيراً. 

في الثمانينيات، تعرًض لبنان لمؤامرة من نوع جديد استندت الى الديموغرافيا العددية وسلطة المال المتوحشة والعسكريتاريا الشرسة، يقودها النظام الإيراني بحجة تحرير الأرض العربية، فزعزعت النظام اللبناني ولم تزل لحينه تثير الفوضى مما فرض على الشعب اللبناني وقفة وطنية من أجل لبنان الحر والديمقراطي.

ايها الأحباء، 

استعرضتُ هذه المراحل لنستخلصَ معاً النتائجَ المرجوة.

أولاً لا مفرّ من إحياء دولة ١٩٢٠ أي الدولة الواحدة، وإحياء دولة ١٩٤٣ أي الدولة-الدستور، لأن البديل، بالخلاصة، هو العودة الى اللا دولة والتفرقة، أي دولة الطوائف، دولة المذاهب، دولة السفارات، دولة توزيع الولاءات واستدراج دول الاقليم، مع ما تفترضه من نزاعات عسكرية في الداخل وولاءات سياسية للخارج.

ثانياً: كما واجه اللبنانيون وصمدوا وأبقوا الرهان (السياسي) هو الأساس، لا بدّ من تحصين النظام بحركة تحديثية نهضوية تقوم على اعتماد اللامركزية الموسعة التي توفر لكل جماعة حقوقها من دون المسّ بحقوق الجماعات الأخرى. كما من شأن اللامركزية اذا أُحسنَ تطبيقُها ان تنمّي مركزية لبنان في المشرق العربي.

ثالثاً- لا بدّ من معالجة فورية لمشكلتي الخوف والغبن لدى جميع اللبنانيين، لننتقل عندها من نظام الامتيازات المفروضة واللامساواة الى نظام الدولة الراعية والضامنة، وتحصين لبنان عن التدخلات الخارجية.

رابعا- لا مفرّ ايضاً من استعادة حالة لبنان السيادية، الاستقلالية، الوحدوية بتثبيتُ حياد لبنان، فلبنان هو أصلاً غيرُ منحاز منذ دولة لبنان الكبير التي شكل اعلانُها حياداً عن الغرب وعن الشرق.

آن الأوان ان ينقذَ لبنانُ نفسه بأن تتلبنن كل المكونات، فتكتمل الحالة اللبنانية وتتكامل دون امتيازات، فقط بضمانة الدولة القوية والقادرة، الا اذا أردنا لبنانَ لبناناتٍ موزعة الى مناطقَ نفوذٍ وفق سايكس-بيكو جديد وفرنسيين جدد وإنكليز جدد وهم كثر في الجوار وأبعد من الجوار. 

الحضور الكريم،

آن الاوان بعد مئة عام لتثبيت الكيان على قيم الجمهورية في الديمقراطية والحرية والعدالة وحقوق الانسان، أسسٌ من دونها لا قيام للدولة، ومعها يعود لبنان الى مفهوم الوطن الرسالة ويقوى اللبنانيون على خوض غمار المئوية الثانية، وطناً سيداً ومواطنين متساوين متحدين متكافلين متضامنين".

وبعد انتهاء المؤتمر، أكّد الرئيس الجميّل في حديث لقناة "الجديد" تأييده لأي حوار يرافقه جدول أعمال جدّي، وقال: "علّنا نشهد على مبادرة وطنية لإنتخاب رئيس للجمهورية صُنع في لبنان وهذا الأمر واجب على كل النواب، لأن مساعدة الخارج تبقى لمصلحة الخارج، وعلى النواب اللبنانيين أن ينتخبوا رئيساً وفقاً للأصول الدستورية".

واعتبر أنه من المفترض أن يقوم المؤتمن على السلطة التشريعية وهو رئيس مجلس النواب بالدعوة الى جلسات متتالية لإنتخاب رئيس للجمهورية.