المدارس الخاصة تلّوح برفع الأقساط أو إلغاء قانون التعويضات

ربما تسرعت اللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية بإعلان الإضراب المفتوح في مدارسها (أكبر شبكة مدرسية في لبنان وتضم أكثر من 350 مدرسة خاصة) اعتراضاً على إقرار المجلس النيابي للقانون الذي يرمي إلى "تعديل بعض أحكام قوانين تتعلق بتنظيم الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة وتنظيم الموازنة المدرسية". فالإضراب الذي بدأ اليوم أتى في الوقت الضائع لتزامنه مع بدء عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة، التي تمتد لـ17 يوماً. وكانت نتيجة الإضراب أن المدارس الكاثوليكية حرمت الأطفال من الاحتفال بعيد الميلاد كما كان مقرراً اليوم في غالبية المدارس الكاثوليكية، التي سبق وطلبت من أهالي الطلاب بدلات مالية بالدولار (بين 10 و15 دولاراً) لحضور هذه الاحتفالات.

قانون تغدية صندوق التعويضات
عدا عن أن مؤدى الإضراب أضر برسالة المدارس بجمع الطلاب في هذا اليوم الميلادي، الذي يدخل في صلب "العقيدة"، لم تلجأ الشبكات المدرسية الأخرى في اتحاد أصحاب المؤسسات التربوية الخاصة إلى أي خطوة مماثلة. فلا المدارس الإنجيلية ولا المبرات والمهدي والحريري والأمل اتبعت خطوات مماثلة رغم اعتراضها على القانون. بل يبدو، وفق مصادر "المدن" في الاتحاد أن هناك إرباكاً حول الخطوات المفترض اتخاذها للاعتراض على القانون.

يقوم مشروع القانون الذي أقره المجلس النيابي على تغذية صندوق التعويضات في المدارس الخاصة، من خلال اقتطاع نسبة 8 بالمئة من رواتب الأساتذة ومن المتعاقدين، ونسبة مماثلة من المدارس، واحدة بالليرة اللبنانية وأخرى بالدولار. ويشترط حصول المدرسة على براءة ذمة تفيد أنها سددت المستحقات. علماً أن رئيس صندوق التعويضات عماد الأشقر (يحتل في الوقت عينه منصب رئيس مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية ومكلف كمدير عام للتربية) اعترض على القانون في جلسة لجنة التربية النيابية. مثله مثل أصحاب المدارس الخاصة، بتضارب فاضح مع منصبه كرئيس مصلحة التعليم الخاص، التي يفترض أن يكون دورها مراقبة موازنات المدارس، ووضع حدود للتجاوزات الحاصلة. كما أن اعتراضه بدا مستغرباً، إذ كيف يعمل رئيس الصندوق على رفض قانون من شأنه تغذية الصندوق، وتحسين شروط عيش الأساتذة المتقاعدين؟

تحميل الأهالي الأعباء
المدارس الخاصة ترفض القانون لأنها لا تريد دفع أي نسبة من رواتب الأساتذة لصندوق التعويضات بالعملة الأجنبية، فيما هي تحصِّل منذ ثلاث سنوات الأقساط بالعملة الأجنبية. وبعد الجلبة التي أحدثها الإضراب، لفت الأب يوسف نصر، الأمين العام للمدارس الكاثوليكية، في بيان إلى "أن اتحاد المؤسّسات التربويّة الخاصة، والأمانة العامة للمدارس الكاثوليكيّة ضمنًا، قد سبق له أن قدّم كتابيًّا في اجتماع اللجنة النيابيّة التربويّة تحفظاته على اقتراح القانون وعواقبه الخطيرة على مكونات العائلة التربويّة".

ومن أبرز النقاط المثارة في البيان المطول هي أن "هذا التشريع مجتزأ وغير متكامل.. وصندوق التعويضات كمؤسّسة خاصة ذات منفعة عامة لا يحقّ له قانونًا أن يتقاضى عملات أجنبية". وتساءل: "ألا يُعتبر اقتطاع نسبة 8 بالمئة على المساعدات بالعملات الأجنبية بمثابة تشريع للتعامل بالعملات الأجنبية؟ هل هناك سلسلة موحدة للمساعدات المعطاة بالدولار؟ كيف نعدّ موازناتنا في ظل الغموض الحاصل؟ هل سيقبل الأهل بتحمل أعباء إضافية؟ وهذا ما سيتسبب بإعلان بعض المدارس إفلاسها ومن ثمّ تسكير أبوابها". ولفت إلى أن هدف الإضراب خلق صدمة لفسح المجال أمام إعادة النظر بالقانون المقرّ، قبل صدوره غدًا في الجريدة الرسمية أو على أبعد حدّ يوم الخميس المقبل".

المتقاعدون يموتون جوعاً
نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوظ، لفت إلى أن هناك خمسة آلاف متقاعد في المدارس الخاصة في آخر سنتين، يقبضون بين مليونين وثلاثة ملايين ليرة بالشهر، يدفعون نحو مليون منها للضمان ولا يتبقى معهم منها إلا ثمن علبة دواء أو ثمن جرة غاز وربطة خبز. أي يعيشون على شفير الموت ولا أحد من المسؤولين يشعر بهم.
وقال في حديث لـ"المدن" إن راتب المتقاعد بات عشرين دولاراً، ما يشكل خطراً على المهنة. فلماذا سيضحي الأساتذة ويفنون حياتهم في التعليم، طالما أن آخرتهم راتب تقاعدي يقتلهم من الجوع. القانون هدفه حفظ كرامة الأستاذ وتشجيعه على البقاء في هذه المهنة.

وأضاف، أنه منذ سنة يفاوض المدارس والأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية، وزار السيد البطريك بشارة الراعي، ولم يقدموا أي حلول. فلجأ إلى المجلس النيابي لإصدار قانون كي يبقى الأستاذ على قيد الحياة. لكن المدارس تعترض على شرط الحصول على براءة ذمة مالية وعلى دفع نسبة 8 بالمئة بالعملة الأجنبية من رواتب الأساتذة تذهب لصندوق التعويضات. وتتحجج أنه لا يوجد قانون يلزمها بالدفع بالدولار. لكن، على أي أساس قانوني تأخذ المدارس الأقساط بالدولار من الأهالي؟ سأل محفوظ.

وأكد أنهم منذ سنتين يركضون من أجل إقرار القانون لتحسين وضع الصندوق. وحصلوا على منحة بـ650 مليار ليرة لرفع رواتب المتقاعدين خلال عام واحد. وفي مشروع القانون الثاني أنجزوا رفع واردات الصندوق كي تكون الزيادات للمتقاعد مستدامة. في السابق، كان يدفع الأستاذ ستة بالمئة وباتت اليوم ثمانية بالمئة. أما المدرسة فتدفع ثمانية بالمئة بالدولار وثمانية بالمئة باللبناني، بغية تغذية الصندوق. وشرط براءة الذمة من المدارس لدفعها إلى الالتزام. فهناك مدارس تقتطع النسب من الأساتذة ولا تدفعها للصندوق. فإذا كانت هذه الأمور البسيطة مرفوضة، كيف تزيد واردات الصندوق؟ كيف نلزم المدرسة بالدفع؟ من لديه وسيلة أخرى ليدلنا عليها؟ يسأل محفوظ.

وضع حد للفوضى
ولفت إلى أن الحل هو في الحوار مع النقابة. وفي حال كانت لديهم حلول تحفظ كرامة خمسة آلاف متقاعد وتبقي الأساتذة في مهنة التعليم، فلا مانع لدينا. فما صدر عن المجلس النيابي هو في الأساس حل ترقيعي، ولا يمكن الاستمرار إلا من خلال إقرار سلسة رتب ورواتب جديدة.
رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور لمى الطويل، رأت أن القانون يضع حد للفوضى السابقة بتضخيم المدارس الموازنات بأسماء أساتذة وهميين، وشرط براءة الذمة يمنع التلاعب. وإذ رحبت بأن المجلس النيابي أقدم على خطوة إصلاحية منتظرة، تمنت أن يشرع نواب الأمة قانون الحوكمة المالية في المدارس الخاصة، ووضع حد للفوضى في الموازنات والأقساط، وفرض التدقيق المالي والشفافية المالية في الموازنات المدرسية، وتعيين خبير مالي محلف للتدقيق فيها.  

وعلقت على بيان أمين عام المدارس الكاثوليكية بالقول: من المستغرب أن تكون شكوى المدارس من تشريع التعامل بالعملة الأجنبية، فيما المدارس منذ ثلاث سنوات تفرض أقساطاً من خارج الموازنة بالدولار. هل هذا يعني أن هذه الأقساط غير محقة وغير قانونية؟ ألا يعني هذا أن المدارس تكيل بمكيالين، لأنها تفرض على الأهالي الأقساط بالدولار وترفض دفع المساهمات بهذه العملة؟ لماذا هذه الازدواجية بالمعايير؟
واعتبرت الطويل أن المدارس الخاصة بدأت تتخوف من أن يكون الدور المقبل المطلوب من المجلس النيابي وضع حدود لتمادي المدارس والزامها بوضع كل "المساعدات" في الموازنة المدرسية. وهذا دليل على عدم وجود شفافية عند المدارس وتريد تحقيق أرباح طائلة بلا حسيب أو رقيب. وعن التلميح إلى تحميل أهالي الطلاب أعباء مالية إضافية (رفع الأقساط)، حذرت الطويل من مغبة طرح الفكرة. فحينها سيصار إلى دعوة جميع الأهالي إلى الامتناع عن الدفع.