تأجيل البلديات.. تمهيد لتمديد مماثل للمجلس النيابي؟!

مع أن الثنائي الشيعي يمكن أن يضمن بسهولة فوزه في الانتخابات البلدية في كل مناطق نفوذه نتيجة اعتبارات معروفة معززة راهناً بالالتفاف الشيعي المضمون بحكم مساندة الحرب في غزة، فإن ما لا يمكن أن يضمنه هو أمران: أحدهما هو إعطاء الفرصة للبنانيين للتعبير عن مطالبهم في وقت يشتد فيه الغضب على أهل السلطة منذ 2019. وهو أمر يدفعهما الى تجنب خوض اختبار شعبي محلي في لبنان يؤثر عليهما أو على حلفائهما. الأمر الآخر يتصل بأن هؤلاء الحلفاء ولا سيما المسيحيين منهم قد لا يكونون بالقوة التي تسمح لهم بكسب الرأي العام المسيحي.


إرجاء الانتخابات البلدية هو لعدم خوض غمار مخاطر في هذه المرحلة الدقيقة انطلاقاً من أن هذا الامتحان ليس ضرورياً وقد يظهر رأياً عاماً رافضاً لكل ما يجري. والذريعة المتمثلة في الوضع الجنوبي مثالية بالنسبة الى الثنائي الذي سيؤمن النصاب للتمديد للبلديات فيما عدم الاستقرار والمخاوف من تصعيد الحرب أو توسّعها تضمن عدم حصول انتقادات غربية لإرجاء الاستحقاق البلدي ولا سيما أن الدول الغربية التي يمكن أن ترفع من انتقاداتها لعدم إجراء الانتخابات البلدية هي نفسها من ينقل هذه المخاوف والتحذيرات الى لبنان، هذا في حال التسليم جدلاً بأن أي انتقادات غربية باتت تؤخذ في الاعتبار أو يُحسب لها حساب. وباستثناء التمديد سنة لقائد الجيش العماد جوزف عون بحكم عوامل واعتبارات متعددة تتصل بالخشية من الفراغ في قيادة الجيش، فإن أي ضغوط خارجية لم تنجح في ملفات أخرى لا في ملف انتخابات رئاسة الجمهورية ولا في ملف وقف ربط الحرب في الجنوب بالحرب في غزة ولا أيضاً وعلى نحو لا يقل أهميةً إجراء الإصلاحات المطلوبة والضرورية ربطاً بتنفيذ الاتفاق المبدئي الذي تم توقيعه مع صندوق النقد الدولي.


وفي بيان بتاريخ 19 نيسان العام الماضي على تويتر، قالت المنسقة الخاصة للبنان جوانا فرونيكا إن "من المهم أن يضع قادة لبنان الخلافات الحزبية والسياسية جانباً لإجراء الانتخابات البلدية في الوقت المناسب". ولكن حضر عدد كافٍ من البرلمانيين التصويت على تأجيل الانتخابات لتأمين النصاب المطلوب، فيما قاطع الجلسة كما الحال السنة الحالية عدد كبير من البرلمانيين الآخرين مع استمرار الخلاف، فيما لم تثر راهناً قدرة البرلمان على العمل كمجلس تشريعي، أو مجرد هيئة انتخابية، خلال فترة الشغور الرئاسي. والبيان الأممي بمثابة رفع عتب ليس أكثر ولا أقل ولا سيما أن الدول المؤثرة التي سبق أن هددت بعقوبات نتيجة تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية تراجعت عن ذلك وانخرطت في محاولة إنهاء الأزمة من دون نجاح يذكر حتى الآن على نحو يشرعن القيادات السياسية التي ترهن البلاد لمصالحها. ولكن تجاهل الخارج التمديد يمكن أن يعطي رسالة خاطئة إزاء الاستهانة الرسمية بإجراء كل الاستحقاقات الدستورية وتصل الأمور الى الانتخابات النيابية المقبلة ربما.


يضاف الى ذلك أن أهل السلطة لم يشعروا بالضغط الداخلي فعلاً للذهاب الى انتخابات بلدية. فالعام الماضي أرجئت الانتخابات بذريعة عدم تأمين التمويل الكافي للانتخابات البلدية، فصوّت البرلمان اللبناني في 18 نيسان على تمديد ولاية المجالس البلدية حتى 31 أيار 2024. وكان من المفترض أصلاً إجراء الانتخابات البلدية في أيار 2022، لكن تأجّلت في البداية إلى أيار 2023 لتجنّب تزامنها مع الانتخابات التشريعية.

وما قام به وزير الداخلية بسام المولوي هو فقط تبرئة ذمة الحكومة وذمته هو أيضاً ورمي الكرة في ملعب مجلس النواب على قاعدة استعدادات الوزارة لاجراء هذه الانتخابات وصولاً الى دعوة وقّعها وزير الداخلية حول الهيئات الانتخابية البلدية في كل من محافظة بيروت ومحافظتي البقاع وبعلبك - الهرمل لانتخاب أعضاء المجالس البلدية والاختيارية في 26 أيار المقبل، لكن من دون خطوات عملية على طريق إجراء هذه الانتخابات في الوقت الذي لم يتلقف فيه أي فريق أو أي بلدية أو مرشحين السعي الى الاطلاع على البيانات أو أي تفاصيل تتعلق بالتعبير عن الجدية أو الإرادة في الذهاب الى انتخابات. ما يعني أن هناك تسليماً على أكثر من مستوى وعلى نحو مسبق بتأجيل هذه الانتخابات وعدم وجود أي سعي أو حماسة لإجرائها.

أما القول بذريعة أن التأجيل الجديد يعكس صورة سلبية عن لبنان خارجياً في التعبير عن مدى تفكك الدولة، فليس أن الأمر يعني فعلاً أهل السلطة وذرائعهم الجاهزة. لا بل إن استرهان البلد بات يشمل كل مستوياته وتالياً التسبب بالمزيد من تآكل المؤسسات واهترائها.

وتمرير التمديد المتجدد للبلديات وعدم إجراء الانتخابات من دون ردود فعل تُذكر يخشى البعض أن يشكل تمريناً أو تمهيداً لتمديد مماثل للمجلس النيابي ولا سيما إذا تعذر انتخاب رئيس للجمهورية قبل موعد الانتخابات المفترضة بعد سنتين. ومع أن هذه المدة ستكون غير مسبوقة بعد تعطيل عامين ونصف قبل وصول ميشال عون للرئاسة، فلا شيء مستبعداً في لبنان.

فالذريعة موجودة على هذا المستوى والأهم من ذلك أن الموافقة على التمديد عابرة للطوائف بحيث لا تلقي التبعة على فريق طائفي وحده بمقدار ما يتحمّل مسؤوليته أفرقاء من طوائف عدة، ما يبقي على إمكان الاستمرار في تعميم هذا النموذج على التحالفات السياسية القائمة في شكل أساسي.