"تاسك فورس" مع تدبير رئاسي لبناني أولاً...

تبدو واشنطن، رغم حجم علاقاتها في لبنان، أكثر اعضاء "المجموعة الخماسية" بُعداً عن الدخول في شكل مباشر في الاستحقاق الرئاسي الشائك حيث تراقب بهدوء عملية تعاطي الكتل النيابية مع انتخابات الرئاسة الاولى وسط تراكم جبل الازمات اللبنانية وليس آخرها كابوس ارتفاع أعداد النازحين السوريين وسط ضياع لبناني حقيقي في مواجهة هذا الملف على المستوى الديبلوماسي الذي لم يكن ينقصه إلا الصراعات المفتوحة بين الوزراء المعنيين، واظهار تناقضاتهم على الشاشات في وقت تستمر عمليات التهريب على قدم وساق.

وتنطلق الادارة في البيت الابيض ووزارة الخارجية فضلاً عن اعضاء في الكونغرس يتابعون ملف لبنان ومؤسساته وعلى رأسها الجيش، من مسلّمة هي ان يأتي رئيس الجمهورية اولاً من اختيار اللبنانيين ليس من باب احترام العملية الديموقراطية في البرلمان فحسب، بل من رؤية ان هذه المقاربة هي الافضل لأصحاب الشأن في الداخل حيث يضع اكثرهم مسار نهاية اجراء الانتخابات في ايدي الخارج. وتتردد هذه الافكار وسواها على ألسنة اعضاء وفد منظمة "تاسك فورس" الذي حلّ في بيروت ويقوم بجولة على المسؤولين برفقة سفيرة بلادهم دوروثي شيا التي ستواصل مهمتها الى حين انتخاب رئيس للجمهورية. وثمة نواب في الكونغرس تواصلوا في الايام الاخيرة مع نواب وشخصيات لبنانية عبر تقنية الفيديو حيث جرى تناول ازمة الرئاسة من دون قفازات مع التطرق الى المساعدات التي تقدمها واشنطن للمؤسسة العسكرية وتشريح "الفوائد" التي تجنيها في لبنان من هذه المساعدات التي تعود الى عقود عدة.

ومن الخلاصات الديبلوماسية الاميركية حيال لبنان طلبُ أصحابها من اللبنانيين ان يجتهدوا و"يدبروا انفسهم"، اذا كان رؤساء الكتل النيابية والنواب المستقلون يريدون بالفعل انتخاب رئيس. واذا كانت واشنطن العضو في "الخماسية" تتابع التحركين الفرنسي والقطري على الارض، فثمة جملة من الملاحظات ابداها اعضاء في الكونغرس في الإعلام وقد أبلغوها الى نواب لبنانيين. ولا يخفي هؤلاء توجيه انتقادات لاداء باريس في مبادرتها الاولى التي حملت لواء ترشيح اسم الوزير السابق سليمان فرنجية، ويرون في الوقت نفسه ان موفدها جان - إيف لودريان عمل على تصحيح "الاخطاء الفرنسية" بعدما ثبت ان تباينا في الآراء بين الرجل وحلقة لا بأس بها في الاليزيه تعمل لمصلحة فرنجية وعلى رأس هؤلاء مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل، حيث يواجه المعنيون في باريس خلافات عدة حيال عدم توحدهم على مقاربة واحدة.

وتؤيد واشنطن على لسان نواب في الكونغرس استكمال لودريان مهمته، ولا يخفون ايضاً ارتياحهم لمقاربة الدوحة وتعاطيها في مستنقع الرئاسة اللبنانية وهم على تواصل مفتوح مع الرياض ايضا ولو لم تظهر السعودية حقيقة تحركها. وتقول مصادر مواكبة للقيادة في المملكة انها لم تعد تكترث لأخبار الطبقة السياسية في لبنان سواء الموجودة في السلطة او المعارضة نتيجة عدم اهتمام اكثرهم بأوضاع شعبهم، فضلا عن الفساد المستشري في المؤسسات وتعبئة جيوب المحظيين. وكان مسؤول سعودي كبير قد توقف عند كتاب تلخص صفحاته سرقة اموال اللبنانيين لمصلحة كبار القوم في البلد، وعلّق على مضمونه بالقول: "ان هؤلاء دمروا بلدهم ويتسوّلون من العالم".

وتكمن اولى مشكلات الكتل النيابية في انها تعول على الخارج بعدما وضعت كل اوراقها في سلة اعضاء "الخماسية"، ولا يساعد هذا الامر بحسب عضو في الكونغرس على انتخاب رئيس. وتظهر "الخماسية" وكأنها في اطار واحد مع تمايز باريس عنها رغم محاولات لودريان الذي خرج بضرورة التوجه نحو "الخيار الثالث" الذي لم يحذف اسم قائد الجيش العماد جوزف عون من قائمة المرشحين. وبات في حكم الواضح ان واشنطن لا تحبذ انتخاب فرنجية ولم تكن بعيدة من اجهاض مبادرة باريس او بالاحرى لم تعمد الى تبنيها.

وما لم تقله السعودية في خصوص الرجل لجملة من الاعتبارات الديبلوماسية يتردد عند نواب اميركيين يحضرون الى بيروت ويقولون ان انتخاب فرنجية سيبقي الاوضاع على حالها وسط هذه المراوحة من التدهور المفتوح في اكثر من مؤسسة وفي ظل موجات من القلق عند المواطنين على اكثر من مستوى. ولا تغيب هذه الخلاصة عن مقاربة السعودية في هذا الشأن.

ويظهر في باطن خلاصات اعضاء في الكونغرس بحسب نواب لبنانيين على تواصل معهم، ان عملية الانتخاب يجب ان تبدأ من البرلمان اولا. 

ولقي نائب مستقل تشجيعاً من "تاسك فورس" على التواصل مع حارة حريك بغية امكان خلق قواسم مشتركة بين الكتل تساعد في دفع الرئيس نبيه بري للتوجه الى جلسات انتخاب، وان الاكتفاء بالاتكال على الخارج في هذا الاستحقاق امر قد يؤدي الى مزيد من أشهر الشغور المفتوحة على التخبط والازمات.

من جهة اخرى، يعكس نواب اميركيون انقساماً حيال الاستمرار في دعم بلادهم للجيش، مع ملاحظة ان عدداً منهم يعارض الابقاء على هذا المنوال من الدعم. ويحظى اصحاب هذا الرأي بدعم من مجموعات متطرفة واخرى داعمة لاسرائيل بواسطة اكثر من لوبي، وأن في الامكان ارتفاع عدد هؤلاء النواب اذا حصلت معطيات على الارض ضد واشنطن وآخرها اطلاق شاب النار على مقر السفارة في عوكر. ويبقى الرأي الغالب في الكونغرس مع استمرار واشنطن في دعم المؤسسة العسكرية.