ردود نمطية على الفرنسيين وانتظار "هدنة رمضان"

ما بين عودة تحركات السفراء منفردين في الداخل من جهة، واحتدام المواجهات الميدانية على الجبهة الجنوبية من جهة أخرى، بدا الوضع اللبناني برمته في اسر الاسترهان السياسي والحربي من دون أي افق واضح باستثناء الرهانات المتعاظمة على نجاح الضغوط الدولية والإقليمية في التوصل إلى "هدنة رمضان" في غزة وانعكاسها المتوقع حكما على الجبهة الجنوبية في لبنان. ومع ان المشهد الداخلي بدأ يشهد تطورات مثيرة للاضطرابات في ظل ما كاد يشعل امس "انتفاضة" واسعة لموظفي القطاع العام، وهي لا تزال ماثلة ومحتملة في انتظار ما ستقرره الحكومة اليوم، فان الوقائع الميدانية في الجنوب ظلت في واجهة هذا المشهد وسط معطيات ديبلوماسية لا تنبئ باي أمكان لاستبعاد اشتداد المواجهات وانزلاقها الى ما يتجاوز الخطوط الحمر التي تحول دون اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل و"حزب الله".

وكشفت أوساط متابعة للحركة الداخلية والديبلوماسية لـ"النهار" أنّ الحركة الديبلوماسية المتصاعدة سجلت علامة فارقة استوقفت أكثر من جهة معنية وتمثّلت في أنّ احاديث السفراء والموفدين الى لبنان لم تعد تقيم فاصلاً بين اثارة الخطوات والإجراءات اللازمة والمطلوبة لتبريد الوضع في الجنوب وإنقاذ لبنان من تجرع كأس حرب لن يحتملها ابدا في ظل انهياراته الحاصلة، والحديث عن الازمة الرئاسية والسياسية الداخلية ولو ان معظم هؤلاء السفراء يرددون من منطلق "مبدئي" رفض الربط بين ملف الجنوب وملف الازمة الرئاسية. هذا الامر، كما تشير الأوساط المشار اليها، بدأ يشكل قلقا جديا لدى اكثر من مرجعية وجهة وفريق في المقلب المعارض الداخلي نظرا إلى محاذرة هذه الجهات ان يؤدي الانسداد الحالي في المساعي لتبريد الوضع الميداني في الجنوب او فتح مسلك لحل الازمة الرئاسية الى ربط ضمني بين الملفين بما يعني الخضوع لامر واقع فرضه "الفريق الممانع" وساهمت فيه ضراوة المواجهات المتصاعدة فيما تسعى القوى الدولية الى استعجال تسويات تهدئ الجبهة وتطلق الجهود الآيلة الى منع انفجار حرب واسعة في لبنان.

في أي حال شهدت الساعات الأخيرة حركة ديبلوماسية كثيفة ومتعددة الاتجاه، اذ التقى رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو وعرض معه الوضع في جنوب لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية بين لبنان وفرنسا، علماً أنّ فرنسا سلّمت لبنان ورقة رسمية بشأن القرار 1701 والحل المطلوب لإنهاء التصعيد بين “حزب الله” والجانب الاسرائيلي.

ولم يرد لبنان بعد على الورقة، إلّا ان مصدراً مطلعاً أوضح انّ العمل جار في الدوائر المختصة في كل من الخارجية والسرايا الحكومية على صياغة كتاب جوابي، بعد دراسة المقترح الفرنسي، لن يخلو من التشديد على الحل الشامل.

واستبعدت مصادر معنية أي تبديل للوضع في ظل الورقة الفرنسية الرسمية والتي هي نسخة مطابقة تماما للورقة غير الرسمية وباتت بنودها واقتراحاتها معروفة لجهة وقف النار وانسحاب "حزب الله" لعشرة كيلومترات عن الحدود وتفكيك إسرائيل لبعض المنشآت على الجهة الأخرى ونشر وحدات معززة للجيش اللبناني ترفع عديده في جنوب الليطاني الى 15 الف جندي والشروع في المرحلة الأخيرة بمفاوضات ترسيم الحدود على الخط الأزرق باستثناء ملف مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. اذ ان الردود الرسمية اللبنانية ستكون مطابقة لما يعلنه الرسميون من التمسك بالقرار 1701 فيما رد "حزب الله" لا يناقش أي امر قبل وقف الحرب في غزة.

بدوره زار السفير المصري السفير علاء موسى، البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وتناول اللقاء الأوضاع والاستحقاقات الدستورية في لبنان. وأطلع السفير المصري البطريرك الراعي على جهود مصر واللجنة الخماسية لإنهاء الفراغ الرئاسي والمشاورات الجارية مع مختلف الأفرقاء في لبنان بهذا الصدد. وقال "لا يمكن بقاء دولة بحجم لبنان من دون رئيس في ظل ما يحصل في المنطقة" . كما استقبل الراعي السفيرة الاميركية ليزا جونسون.

والتقى وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا وقائد قوات "اليونيفيل" أرولدو لازارو واكد لهما ان "أولوية لبنان هي الوصول إلى حل سياسي ودبلوماسي للأزمة في الجنوب يؤدي إلى استقرار مستدام عبر تطبيق كامل ومتوازن للقرار 1701. وندعو لإعطاء السلام فرصة وإعادة الحقوق لأصحابها لأنه السبيل الأفضل لتحقيق ما تحتاجه شعوب المنطقة من أمن وازدهار”.

"انتفاضة الموظفين"

اما في الداخل فتعقد بعد ظهر اليوم جلسة لمجلس الوزراء بهيئة تصريف الاعمال لدرس مشروع القانون المتعلق بمعالجة أوضاع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها ومصير الحوافز الاضافية التي تم تخصيصها لبعض موظفي الادارة العامة دون سواهم. وقد سارع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي امس بعدما شلت الادارة العامة برمتها وعطّلت عجلة العمل في كل مؤسساتها بما فيها الإعلامية ووسط تظاهر العسكريين المتقاعدين عند ابواب المرافق الرسمية على وقع اضراب عام الى الاتصال بوزير المال يوسف خليل وطلب منه وقف دفع الحوافز الاضافية التي تم تخصيصها لبعض موظفي الادارة العامة دون سواهم، على أن يستكمل البحث في هذا الملف برمته في جلسة مجلس الوزراء اليوم من خارج جدول الاعمال.

وسط هذه الأجواء وبتكليف من رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، زار وفد من "تكتل الجمهورية القوية" والحزب البطريرك الراعي واثار معه مسألة الخلل في تعيينات الجمارك وشؤون أخرى تتعلق بالقطاع العام. وسلم الوفد البطريرك مذكرة "بالمخالفات والارتكابات الحاصلة في إطار تعميق الخلل الوطني وتجاوز القوانين والأصول".

وأعلن النائب زياد الحواط باسم الوفد أنه "مؤسف جداً ما وصلنا إليه من تجاوزات ومخالفات للدستور ولصيغة الشراكة والتوازن الوطني، أولاً من رد القوانين وهي من الصلاحيات اللصيقة المرتبطة برئيس الجمهورية وتجاوز فاضح لدور الرئيس، مما يؤكد للمرة الألف ضرورة إنتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت. من هنا نطالب الرئيس بري بالدعوة السريعة لعقد جلسة لإنتخاب رئيس بدورات متتالية حتى نصل إلى رئيس للجمهورية يعيد التوازن في البلد ويعيد إنتظام المؤسسات". وسأل: "هل المطلوب إفراغ المؤسسة والإدارة العامة من المسيحيين وتغيير صورة لبنان؟" ودعا الحواط نواب جبل لبنان إلى تحرك كبير لفتح الدوائر العقارية، ورئاسة الحكومة ووزارة المال والمديريات العامة للدوائر العقارية إلى تحمل مسؤوليتهم.