ضبّوا لسانات وأقلام زعرانكم

كتب المحرّر السياسي:

يتفوّق إعلام محور "النعي والشتم"، أو ما يسمّي نفسه محور المقاومة، على نفسه بأساليب الكراهية والطائفية والوضاعة حتى بات يشكّل حالة فريدة من نوعها تشبه الحالات السرطانية التي تنبت في الأوطان حيث لا علاج ولا حلّ لها.

كنا قد توقّفنا عن الردود على هؤلاء منذ مدة لا جزعًا ولا تعبًا، بل يقينًا وإيمانًا بمقولة عدم إمكانية مناقشة الجهلة والحاقدين مهما حاولنا.

لكن ما يجري في الآونة الأخيرة فاق الخيال حتّى، فضرب فائض القوة والإستقواء العقول وأعمى العيون، فتساوى فيها من يحتسبون أنفسهم مفكّرين وصحافيّين ونخبويّين مع أولاد الشوارع، وجمعتهم خيمة الحقد والكراهية ورفض الآخر وحلّت لغة التخوين وتحليل القتل والإجرام مكان أي منطق يمكن أن يؤدي إلى قواسم مشتركة باتت معدومة معهم.

لا يلام رعاع الذّباب الالكتروني المدفوع والمدعّم ببرامج مختصة بالشتائم، إنما الأمور تجاوزتهم إلى من يسمّون أنفسهم صحافيّين ومؤثّرين ومثقّفين ولكن بالنظريات الشاذّة والمضحكة، فهذا يتحدّث عن ملعب صغير وملعب كبير، وآخر يطالب شريكه في الوطن إذا لم يرضخ للعبته القاتلة المدمّرة بأن يهاجر، وثالث يقسم الطوائف والمذاهب إلى فئات أولى وثانية وثالثة ورابعة ويضع نفسه في موقع المتفوّق، ورابع يستحق بطولة العالم في الكذب والشائعات، وخامس ممّن يُسمّى ناشطًا وصحافيًا على وسائل التواصل الاجتماعي وهو مطرود من جميع المؤسسات لديها ومتسوّل على أبواب الجمعيات وكل من يعرفه يدرك هذا الأمر.

أما لوسائل إعلامهم وصفحاتهم فقصة أخرى، بحيث تتصدّر لغة القتل الحيّز الأوّل، لتليها لغات التخوين والشتم والكذب، فمن "الأخبار" حتى "المنار" وما بينهما من صفحات ومواقع أصبحوا مدرسة في هذه الأنواع، لا تجدها إلّا عندهم، ووجب دراستها كأوبئة قاتلة تقضي على الأوطان.

هؤلاء جميعًا أصبحوا في حالة سعار دائم، لا يتوقفون ولا يهدأون، مستعدون لحرق كل شيء، مستعدون لتحويل صحيفة أو شاشة أو أي وسيلة من وسائل التواصل إلى مصنع بثّ سموم وتحريض، ولسبب واحد أوحد أنّه عارض خياراتهم بجرّ لبنان إلى الدمار، وطالب بالشراكة، بمجرد أنه تجرّأ على هذا الأمر أصبح دمه مهدورًا. هم مستعدون لأن يكذبوا تحت أي عنوان أي صورة أي تعليق ولو كان صلاة أو معايدة، لو كان نعيًا، فلا مشكلة فهو عارضنا وعلينا بشتمه وهدر دمه، وهذا ما جرى في الأيام الاخيرة التي استعملت لغة سوقية مقرفة في صحيفة الأخبار بالهجوم على رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، أو إحدى صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي التي نشرت صورة لقاء مع أحد النواب الفرنسيين لتحوّر بالكامل موقفه من قضية النزوح، فالنائب الذي تحدث عن خوضه معركة كبيرة ضد تمويل بقاء النازحين في لبنان، أصبح بنظر إعلام حزب الله هو من يدعم بقاءهم، قبل أن يتنبهوا ويمسحوا فضيحتهم ويحذفوا منشورهم. بالطريقة نفسها يتعاطون مع الجنوبيين الرافضين للحرب وإدخالهم في اتون الموت عبر شن هجوم بالتهديد والوعيد، وهذه أمثلة من مئات على ما يجري.

يبدو أن هؤلاء لن يتعلّموا ولا يريدون أن يتعلّموا، على الرغم من وضوح التاريخ، الذي أثبت أن ما من فئة، مهما كبر وعلا شأنها، تستطيع أن تنفرّد بالقرار في لبنان، وأنه في هذا السياق، فإن استمرارهم بما يقومون به يزيد الشرخ مع باقي اللبنانيين، وخصوصًا أن الأمور بدأت تنفلت، وحتّى من كان مُتعاطفًا معكم أو حتّى مؤيّدًا في بداية الحرب أعاد حساباته وابتعد عنكم، بدءاً من حلفائكم إلى الجنوبيّين، واستمراركم في هذا الجنون سيؤدّي إلى نتائج وخيمة ستجعل التعايش مستحيلاً، فضبّوا لسانات وأقلام زعرانكم واحفظوا خطّ الرجعة لأن "ما طار طير وارتفع إلّا كما طار وقع."