ضماناتٌ "غير مضمونة" من هوكشتاين وله... في لبنان وإسرائيل

عيْنٌ على القاهرة وأخرى على تل أبيب. هكذا كانت بيروت أمس وهي تُحْصي الأمتار الأخيرة في المفاوضاتِ المُضْنية لبلوغ «هدنة رمضان» في غزة، وترصد «الخرطوشةَ الأخيرة» للموفد الأميركي آموس هوكشتاين في مهمته الشائكة لإخراج «العصي من دواليب» محاولاتِ شمول جنوب لبنان بأي تهدئة على الجبهة (غزة) التي أعلن «حزب الله» التوأمة معها بالنار منذ 8 أكتوبر الماضي.

وفيما كانت مفاوضات القاهرة تلفّها «رياح متضاربة» بدت معها وكأنها على شفير إما الانهيار وإما «ولادة من الخاصرة» لهدنةٍ يُراهن أن تتناسلَ بينما يتمّ إكمال «الرسم التشبيهي» للحلّ السياسي لترجمته فيشكّل «الحمّالة» التي تخرج عليها غزة من «غرفة الإعدام»، سعى هوكشتاين في اسرائيل لـ «حجْز» مكانٍ لجبهة لبنان في «ملعب التهدئة» فلا تكون الخاصرةَ الرخوةَ التي تنزلق معها المنطقة إلى الارتطام الكبير، ولا سيما بعدما أعطت تل أبيب إشاراتٍ واضحةً إلى أن «وحدة الساحات» التي كرّسها «حزب الله» بالنار ستقابِلُها بفصْل الساحات عبر ربْط «هدنة الجنوب» بـ «بوليصة تأمين في ذاتها» تريد أن تحصل عليها حيال أفق «اليوم التالي» لبنانياً على قاعدة إبعاد خطر الحزب عن الحدود وطمأنة مستوطني الشمال إلى أن أمنهم بات «مضموناً» بموجب ترتيباتٍ على الأرض أو صيغة أمنية جديدة على طول الخط الأزرق.
وإذ كان وزير الدفاع الاسرائيلي يواف غالانت يُبْلِغُ إلى هوكشتاين التزامَ تل أبيب بالجهود السياسية للتوصل إلى اتفاق لتجنّب التصعيد على الحدود مع لبنان وأن بلاده لا تسعى للحرب وأن أي «عدوان» من حزب الله سيقرّبنا من الحسم العسكري في لبنان«، لم تُبْدِ أوساطٌ سياسيةٌ في بيروت اطمئناناً إلى المرحلة المقبلة على جبهة الجنوب التي بات مصيرها معلَّقاً في جزء منه على «الحرب الأمّ» في غزة ومصير الهدنة فيها وهل ستحصل أم لا، وفي جزء منفصل على آلياتٍ وَضَعَ خريطة طريقها الموفدُ الأميركي بـ«الأحرف الأولى» وتتمحور حول الحاجة لجعْل«هدنة الجنوب اللبناني»منصّةً لحلّ مستدام هو الاسم الحَركي لتطبيق القرار 1701 وبتّ النقاط البرية الخلافية على الخط الأزرق وإيجاد صيغة معيّنة لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا بما يحيل عملياً «على التقاعد» هذه الجبهة «لمرة واحدة ونهائية».

وفي «استجماعٍ» للأفكار التي حمَلها هوكشتاين خلال زيارة الساعات السبع لبيروت أول من أمس أنه حاول أقلّه «حمْل عصفور في اليد» إلى اسرائيل على شكل ضماناتٍ أولاً بأن «حزب الله» سيلتزم بالهدنة في غزة إذا حصلت فيكون ذلك مرتكزاً لـ «اتفاق إطار» لحلّ مستدام ينطلق بالتوازي على 3 مراحل تشتمل على تعزيز انتشار الجيش اللبناني جنوباً بعد وقف العمليات العسكرية ومعالجة مسألة حضور «حزب الله» الظاهر في أرض الـ 1701 أو في عمق معيّن منها، وصولاً إلى التفاهم البري حول النقاط المتنازع عليها من الـ b1 إلى مزارع شبعا.

ولم يتبدّل تفسير كلام الموفد الأميركي عن عدم ضمان أن تشمل هدنة غزة اوتوماتيكياً جبهة جنوب لبنان وتحذيره من أن «الحرب المحدودة لا يمكن احتواؤها» وأن وقف نار موقتاً ليس كافياً، إلا من ضمن «بازل» يعني متى جُمعت قِطَعه أن هوكشتاين سلّم بأن لا إمكان لعودة الأمور على الخط الأزرق لِما كانت عليه قبل 7 أكتوبر من دون صيغة أمنية جديدة موْصولة بأفق سياسي لحلّ متكامل، وأن من دون إعطاء لبنان و«حزب الله» إشارة إلى استعداد للسير بمثل هذا المسار بمجرّد سريان الهدنة فهو لن يستطيع «إغراء» تل أبيب بشمول الحدود اللبنانية – الإسرائيلية بأي تهدئةٍ في غزة، ولا بطبيعة الحال ضمان عدم تدحرج كرة النار.

ولكن الأوساط اعتبرتْ أن دون محاولة هوكشتاين عقبتين أساسيتيْن: الأولى التعاطي معه على أنه لا يضمن سير اسرائيل بالمرتكزات التي يسعى لأن تكون حَجَرَ الزاوية في أي حل مستدام ولا سيما في ما خص التفاهم البري، وسط تعميق الضوضاء في إسرائيل التي رافقتْ زيارة بيني غانتس لواشنطن علامات الاستفهام حيال مدى استعداد بنيامين نتنياهو - الذي يستشعر بمحاولاتٍ أميركية لـ«اللعب في حكومته» وعليه - لمنْح الرئيس جو بايدن ما يساعده في حملته الانتخابية الرئاسية على حساب دونالد ترمب الذي أظهر أنيابَه إبان حُكمه تجاه إيران والمحور الذي تقوده.

والثانية أن «الوجه الآخر» لعبارة «الموقت الذي لا يكفي» يعني جعْل أي وقف للنار في الجنوب مقدّمة لفصْلٍ واقعي لهذه الجبهة عن غزة فيما لو عاودتْ اسرائيل إدارة آلة الحرب على القطاع بعد الهدنة المفترضة، وهو ما لا ولن يقبل به«حزب الله»الذي لن يبحث في أي نهائياتٍ على أرض متحركة، أو يبدّل، وفق قريبين منه، مقاربتَه الكبرى لمجرّد أن اسرائيل وضعت على الطاولة إبقاء الجنوب بمنأى عن أي رياح تهدئة في القطاع وهو جوهر كلام هوكشتاين عن عدم ضمان التماثل التلقائي بين الجبهتين تبريداً.

وكان لافتاً في هذا السياق ما أعلنه نائب الأمين العام لـ«حزب الله»الشيخ نعيم قاسم غامزاً من الموفد الأميركي لجهة أن«من أراد أن يكون وسيطاً، عليه أن يتوسط لوقف العدوان، لا أن يتوسط لمنْع المساعدة من قبل (حزب الله)»، قبل أن يؤكد رئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد أمس«اننا لا نتمنى الحرب ولا نسعى لها لكن نحن على أهبة الاستعداد لمواجهتها»، مشدداً على«أننا جاهزون لنلاقي العدو إذا أخطأ بحساباته وأراد أن يخرج من قواعد الردع التي فرضناها عليه، ونحن نعمل وفق حسابات دقيقة لأن المصلحة الكبرى هي التي ننشدها من خلال أدائنا ونهجنا في المقاومة حتى الآن»، ومحذراً«نحن لم نستعمل كل أسلحتنا، وأسلحة الحرب المفتوحة لم نفتح مخازنها بعد والعدو يعرف ذلك».
وعلمت «الراي» أن فحوى هذه اللقاءات مفاده أن الجهد الأميركي ينصبّ على «مثلثٍ» احتوائي غير مضمون في أي من ضلوعه: «الهدنة في غزة وهي ليست مضمونة بعد رغم استمرار المساعي لإنجاحها. الهدنة في جنوب لبنان، وبلوغُها غير محسوم وإن كانت الاتصالات متواصلة لضمان أن تحصل بالتوازي مع وقف النار في القطاع. والحؤول دون انزلاق جبهة الجنوب الى حربٍ وهو ما لا يمكن إخراجه من الحسبان».
وبحسب هذه المعلومات فإن الانتخابات الرئاسية لم تُبحث إلا عَرَضياً، وأن هوكشتاين لم يحمل أي «أوراق» ترتبط بهذا الاستحقاق وأن جلّ ما أثير كان رداً على سؤال من الموفد الأميركي حول آفاقه فكان الجواب بأن «القفل والمفتاح» هو عند فريق الممانعة الذي يرفض اعتماد الآلية الدستورية لانتخاب الرئيس، مع تأكيد أن المعارضة ستقف بوجه الإشارات من هذا الفريق إلى جعْل الملف الرئاسي مدخلاً لمقايضاتٍ ذات صلة بالوضع جنوباً وربما أيضاً بما هو أوسع على صعيد المنطقة والترتيبات الجديدة فيها في ضوء حرب غزة وأخواتها.