طرابلس المحتلّة.. هنا تسقط هيبة الدولة

تحتاج طرابلس إلى خطة أمنية مشتركة بين الجيش وقوى الأمن الداخلي، وإلى شراكة مع القطاع الخاص لتمويلها لوجستياً، من دون مكابرة ولا حرج، لأنّ إمكانات القوى الأمنية المعدومة تعيق قدرتها على القيام بواجباتها. وذلك لكونها تشهد فلتاناً أمنياً شديد الخطورة، ولم يوفر اللصوص الشارع الذي يقطن فيه وزير الداخلية بسام مولوي ليحولوه إلى مرتع لأعمال البلطجة والاعتداء على الناس. وقد صارت ساحاتها وطرقاتها محتلة من قبل الشبيحة الذين يستولون على الأرصفة والمساحات العامة والخاصة من دون حسيب أو رقيب.

العائق الآخر الذي يجب حسمه، هو تغطية بعض النواب والقوى للمجموعات المنفلتة، فبعض النواب لديهم زعرانهم المحميون الذين يعيثون في المدينة فساداً، ولم يعد فسادهم محصوراً بمناصرة هذا النائب الذي يحميهم، بل تحوّلوا إلى عصابات للاستيلاء على المساحات العامة في طرابلس.

العنصر الأخطر في معادلة الفوضى هو المجموعات التي تتحرّك تحت مسمى «سرايا المقاومة» وهؤلاء هم الأخطر في عمليات الانفلات الأمني التي تحصل في شوارع المدينة، ويتلطى بعضهم بالعمل في قطاع المولدات الكهربائية ليمارس البلطجة بكلّ أنواعها.

يجب فتح هذا الملف بين نواب طرابلس وأن يتحمّل كلّ واحد منهم مسؤوليته، وهذا ليس من باب الصراع السياسي، بل من باب حماية المدينة، فليس هناك منطق يسمح بوجود سلاح لـ»حزب الله» في طرابلس، مع هذه النوعية المتفلّتة، بذريعة مقاومة العدو الإسرائيلي في وقت يوشك فيه «الحزب» على إعلان حماية حدود فلسطين المحتلة رسمياً بعد الترسيم البحري ودنوّ الترسيم البري.

خريطة مجموعات الإحتلال

عند طرف ساحة عبد الناصر الممتدة قبالة ساعة التلّ التاريخية حوّل أحد المتسلّطين على الملك العام المكان إلى موقف مدفوع ليسمح للمواطنين بركن سياراتهم وكأنّه المالك لهذه المساحة العامة، وهو نفسه يمنع تسوير الساحة وتحريرها من البسطات الفوضوية معطلاً تحسين وسط المدينة التجاري... وإذا يمّمتَ وجهك نحو ساحة النور تجد مجموعة أخرى حوّلت الرصيف المجاور لمصرفٍ مهجور إلى موقف سيارات للأجرة، ليس فيه سيارة واحدة قانونية. هذه هي حال طرابلس التي ترزح تحت احتلال الفوضى وسيطرة واضعي الأيادي على طرقاتها العامة.

كلّما سرتَ في طرابلس اكتشفتَ أنّ الاعتداء على الملك العام يتعاظم، فمدخل المدينة الجنوبي ساقط في أيدي مجموعات تجار سيارات حوّلوا الأرصفة إلى معارض سيارات ثابتة، فهم يركنون سياراتهم مرفقة بأرقام هاتف للزبائن المفترضين ناشرين عشرات السيارات في الطريق بلا حسيبٍ ولا رقيب. وعلى مقربة من غرفة التجارة والصناعة والزراعة عند مدخل طرابلس الجنوبي يحتل الشبيحة الرصيف والطريق واضعين عربة لبيع القهوة، بينما يعملون لصالح صاحب معرض سيارات على الطرف المقابل، يحتل ما يزيد عن مائتي متر من الرصيف ويستولي على الطريق العام بذريعة تأمين موقف لبيع القهوة ويمارس هؤلاء الشبيحة العنف على كلّ من يحاول ركن سيارته في هذه النقطة.

اللافت في كلّ هذا أنّ قوى الأمن الداخلي تنظّم محاضر المخالفات بحق سيارات المواطنين الذين يضطرون لركن سياراتهم صفاً ثانياً، لكنها لا ترى احتلال الطريق والأرصفة وتعجز عن التعامل معه. وعلى الجهة الشرقية من مدخل طرابلس الجنوبي (جانب بنك عودة) يقيم آخرون موقفاً غير شرعيّ للركاب قبل مستديرة جسر الخناق متسببين بزحمة سير دائمة.

شارع الضمّ والفرز

أمّا أكثر شوارع طرابلس ازدهاراً وهو شارع 32 (الضم والفرز) فإنّه يرزح تحت احتلال شبيحة عمال المطاعم (الفاليه) الذين يبسطون سيطرتهم بالقوة على محيط المطاعم التي يعملون فيها محوّلين هذا المحيط إلى «مدى حيوي» مانعين استخدامه إلّا لصالح هذه المطاعم، من دون أن تتحّرك البلدية أو القوى الأمنية لمنع هذه الاستباحة. المثير للأسف أيضاً أنّه سبق لنقيب أصحاب السوبرماركت في لبنان نبيل فهد أن اشترى عقاراً في طرابلس بهدف إقامة مجمع تجاري فيه، غير أنّه أمسى تحت احتلال مجموعة شبيحة يستولون على مساحات منه بالقوة والإكراه، وهذا من أسوأ النماذج لمنع المستثمرين من الاقتراب من المدينة.

أمّا في القبة، فإنّ حروب مقاهي الشوارع الدموية تندلع في إطار صراع مجموعات الشبيحة على الزوايا والأرصفة، ويختلط فيها بيع الممنوعات من السلاح إلى المخدِّرات، واللافت أنّه رغم تدخل الجيش في بعض الأحيان، إلاّ أنّ هؤلاء يواصلون اشتباكاتهم المسلّحة مخلّفين الرعب والتدمير للممتلكات العامة والخاصة.

لكنّ السطو الأكثر استفزازاً هو استيلاء بعضهم على الطريق المقابل لمدخل مسجد طينال المعلم الديني والسياحي وتحويله إلى ملتقى لمشاغبين يتنمّرون على المارة والسياح ويعرقلون حركة السير في المحيط على مرأى من الجميع، وقد امتدّ الاحتلال إلى الرصيف الغربي للطريق. وكذلك استيلاء متنفّذين على مساحات واسعة تابعة للأوقاف الإسلامية بحماية سياسية مكشوفة.

في أغلب ما ذكرناه من حالات الاعتداء على الأملاك العامة يقف نائب أو جهة سياسية لدعم المخالفين والأبشع من ذلك أنّ البعض يستغلّ فرص التفلّت الأمني لتهجير ما تبقى من مؤسسات أو محالّ تجارية معروفة، كما حصل حديثاً عند إطلاق النار على محل «بوظة بشير» في ساحة النور، في تكرار لما كان يحصل سابقاً خلال موجات إحراق المصارف والمؤسسات.

وبعض القوى الأمنية كانت تعمل وفق أجندة سياسية، فانخرطت في التواطؤ والفساد حتى غرقت فيه وعملت على تطبيعه وإقراره، وهي لا تتحرّك إلاّ موسمياً، مع وصول الأمور إلى الاحتقان بسبب حدثٍ أو واقعة تعيد التذكير بكلّ هذا الواقع المهترئ، فترى دوريةً تنذر أصحاب «معارض الأرصفة للسيارات» أو تحركاً لرفع البسطات عن دوار نهر أبو علي بعد أن وصلت إلى التضخّم الأقصى، لكنّها لا تأتي ضمن خطة متكاملة يُفترض أن تُنظِّف طرابلس من كلّ هذه الفوضى.

في شوارع طرابلس تسقط هيبة الدولة وما تبقّى من حضورها... فهل نرى تدخّلاً خاصاً من وزير الداخلية بسام مولوي لتحرير طرابلس من محتليها؟