لبنان يترقّب الهدنة.. الحل الجنوبي ينتظر هوكشتاين

الأنظار مشدودة الى الميدان الفلسطيني، وما تحضّره إسرائيل لمدينة رفح، استكمالاً لحرب الإبادة التي تشنّها على قطاع غزة، والواضح انّ مسار الأمور، إن في اتجاه هدنة بناءً على تسوية ما لملف الأسرى الاسرائيليين لدى حركة «حماس»، او في اتجاه رفع وتيرة التصعيد الاسرائيلي، متوقف على ما ستفضي اليه جولة المفاوضات الجديدة في القاهرة.

على أنّ اللافت للانتباه في هذا السياق ما بدا أنّه سباق حثيث بين التصعيد الميداني، الذي تجلّى في الساعات الأخيرة في رفع اسرائيل لوتيرة اعتداءاتها على غزة ومدينة رفح، وكذلك على جبهة الحدود الجنوبية، وبين جهود التبريد، التي تقودها الولايات المتحدة الاميركية والضغوط الحثيثة التي تمارسها لبلوغ هدنة في قطاع غزة، تتقاطع كلّ التقديرات على أنّها ستنسحب تلقائياً على جبهة جنوب لبنان.

وإذا كان هذا الجو الملبّد بالتهديدات والاشتراطات والتحضيرات العسكريّة على خط الهدنة، يبقي كلّ الاحتمالات مفتوحة، الّا انّ قراءات المتابعين للحضور الاميركي المباشر والمكثّف على هذا الخط، تغلب احتمال بلوغ الهدنة على سواه، وفي القريب العاجل. وخصوصاً أنّ كل الاطراف في حاجة ملحّة اليها، والحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، باتت، باعتراف مستويات سياسية واعلامية في اسرائيل، بلا افق، وتراوح امام حائط مسدود، سواءً على جبهة غزة، او على جبهة الشمال مع لبنان، التي تجمع تقديرات المحللين والمعلّقين العسكريين الاسرائيليين وكذلك تقديرات كبريات الصحف العالمية على تجنّب ما يؤدي الى انهيار هذه الجبهة، والتأكيد على بلوغ حل سياسي يخرج جبهة جنوب لبنان من كونها مصدراً لخطر يتهدّد منطقة الشرق الاوسط برمتها بانفجار كبير.

ترقّب حذر

وفي موازاة حال المدّ والجزر السائدة على خط مفاوضات الهدنة في غزة، فإنّ الترقّب الحذر هو سيّد الموقف في الداخل اللبناني، وضمن هذا السياق، تندرج تأكيدات مسؤول رسمي لـ»الجمهورية» بأنّ حظوظ الهدنة في غزة هي اليوم أكبر ممّا كانت عليه في الأيام السابقة، والاميركيون كما نلاحظ يتحرّكون بجدّية اكبر في هذا الاتجاه، والبريطانيون كما اكّدوا لنا باتوا يعتبرون انّ كرة الهدنة في ملعب بنيامين نتنياهو.

وجزم المسؤول عينه بأنّه إن تمّ التوصل الى الهدنة في غزة، فستنسحب حتماً على جبهة الجنوب. واوضح رداً على سؤال عمّا يجعله متيقناً من انسحاب الهدنة على لبنان، قال: «هناك دافعان اساسيان مترابطان، الأول، هو ما نسمعه من كل الدول المعنية، وعلى وجه الخصوص اميركا وفرنسا وكذلك بريطانيا ومعها دول عربية وغربية، التي تؤكّد ذلك، وشمول جبهة لبنان هدنة تؤسس لحل مستدام. والثاني هو انّ كل الاطراف في الداخل والخارج تدرك انّ جبهة الجنوب مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بجبهة غزة، فمنذ فترة تمّ التوصل الى هدنة، وكانت النتيجة انّ جبهة الجنوب نعمت خلالها بفترة من الهدوء، واوقف «حزب الله» عملياته ضدّ الجيش الاسرائيلي، كما انّ اعتداءات اسرائيل على لبنان توقفت في تلك الفترة. ما يعني انّ تلك الهدنة سرت من دون إعلان على جبهة الجنوب، وأعتقد أنّ الأمر نفسه سيتكرّر في حال بلوغ هدنة جديدة».

ويجزم المسؤول عينه بأنّ «الهدنة في حال بلوغها، ستحرّك الأمور في اتجاهين، الاول على المسار الاسرائيلي الفلسطيني للتأسيس عليها لبلوغ تسوية شاملة تفضي الى وقف اطلاق النار وحل مصير الأسرى الاسرائيليين، والثاني على الخط الجنوبي، ولقد وعد الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين في زيارته الأخيرة بأنّه بعد بلوغ الهدنة في غزة، سيعود الى المنطقة لاستكمال مسعاه بين لبنان واسرائيل لبلوغ حل سياسي لتبريد الجبهة الجنوبية، علماً انّ تقدماً مهماً حصل في زيارته الاخيرة، يُبنى عليه لحل دائم، بعد توقف العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة».

أوراق الحلول

على انّ السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، على اي اساس سيُبنى الحل السياسي لمنطقة الجنوب، هل أساس مشروع حل يقوده هوكشتاين، او على أساس ورقة حل فرنسية؟

معلومات «الجمهورية» من معنيين مباشرة بملف المحادثات مع الاميركيين والفرنسيين، تؤكّد على الآتي:

اولاً، الملاحظة التي ينبغي التوقف عندها، انّ مشروع الحل الاميركي الذي سبق وطرحه هوكشتاين، ليس نسخة طبق الأصل عن ورقتي الحل الفرنسيتين السابقة والحالية، اللتين قُدّمتا بفارق اسابيع قليلة بينهما، الى الجانب اللبناني باللغة الانكليزية وليس الفرنسية.

ثانياً، لم يصدر عن الجانب الاميركي موقف مؤيد او معارض او متحفّظ على المسعى الفرنسي والورقة الفرنسية الجديدة.

ثالثاً، بمعزل عن مضمون الورقة الفرنسية وتقاطعه في بعض بنوده مع مشروع الحل الاميركي، الّا أنّ وزير الخارجية الفرنسية وخلال تمهيده لتقديم الورقة الى الجانب اللبناني، ما لم يقدّم أي تأكيدات او اشارات توحي بأنّ الورقة الفرنسية منسّقة مع الاميركيين.

رابعاً، الجامع بين اوراق الحلول هذه، أنّ الحل الذي تنشده ليس آنياً، بل التأسيس لحل سياسي يلي انتهاء الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة.

خامساً، وهنا الأساس، انّ الجواب اللبناني على ورقة الحل الفرنسية، جاء بصورة صريحة وحاسمة: انّ الحل بسيط جداً، لا يستدعي اي اجراءات، اي الالتزام الكلي بمندرجات القرار 1701. وقد جاءت خلاصة الموقف اللبناني بعد تشريح مفصّل للورقة الفرنسية، حيث وجد فيها الجانب اللبناني ما يقبل به لبنان لناحية عودة إحياء اجتماعات الناقورة، وما يؤكّد عليه، ولاسيما لناحية تعزيز الجيش اللبناني في المنطقة الجنوبية، وعودة ابناء المنطقة الجنوبية الى بلداتهم التي نزحوا منها جراء الاعتداءات الاسرائيلية. ولكنه في الوقت نفسه، وجد فيها ما يمكن ان تُسمّى حفراً وفجوات وثغرات لا تلبّي مصلحة لبنان، لا يمكن للبنان أن يقبل بها، كمثل تحرير قوات «اليونيفيل» في مهامها من التنسيق مع الجيش اللبناني، وهو أمر يناقض بشكل جوهري القرار 1701، وايضاً كمثل التطبيق المجتزأ للقرار 1701 الذي يبقي سيادة لبنان مستباحة بالخروقات الاسرائيلية براً وبحراً وجواً. ناهيك عن عدم حسم مصير الشق الشمالي لبلدة الغجر وتلال كفر شوبا ومزارع شبعا.

سادساً، المعنيون بحركة الاتصالات يتجنّبون القول بأنّ الورقة الفرنسية قد فشلت، بل يفضّلون القول بأنّها تعثرت، والملاحظات التي أبداها الجانب اللبناني على هذه الورقة قد تؤسس الى وضع ورقة فرنسية جديدة بناءً على تلك الملاحظات. ولكن حتى لو صح الأمر، ماذا عن الجانب الإسرائيلي، فهل سيتمكن الفرنسيون من صياغة ورقة حل تلزم اسرائيل بالالتزام الكلي بالقرار 1701؟

سابعاً، النقاش في المجالس السياسية، خلص الى انّ الفرنسيين سجّلوا موقفاً في اللحظة الحرجة وعبّروا عن رغبتهم في الشراكة في الحل السياسي، ورسالتهم هذه ليست الى الاسرائيليين واللبنانيين، بقدر ما هي للاميركيين.

ثامناً، الحل السياسي لمنطقة الحدود الجنوبية معقّد، وكل تقديرات الخبراء والمتابعين تجمع على أنّ أقصى ما يمكن بلوغه في تلك المنطقة هو العودة من دون اعلان الى ما كان عليه الوضع قبل 7 تشرين الاول. واما الحل المستدام فهو بيد الاميركيين، ومن هنا، فإنّ المرحلة هي مرحلة انتظار لما سيطرحونه عبر هوكشتاين، حيث انّهم وحدهم، إن ارادوا ذلك، يملكون قدرة الضغط الجدّي على اسرائيل، للسير بمسار الحلول بدءاً من غزة وصولاً الى إلزامها بالتطبيق الكامل للقرار 1701 على جبهة جنوب لبنان. ومعلوم انّ لبنان الرسمي اكّد التزامه بهذا القرار، بل عبّر عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري عن الاستعداد الكلي للمساعدة على تطبيقه.

وفي الاطار ذاته، قالت مصادر ديبلوماسية متابعة لمساعي التهدئة في الجنوب، «انّ ملاحظات او ردّ لبنان على الورقة الفرنسية يؤكّد اولاً تمسّك لبنان بتنفيذ القرار 1701، لكن من جانبي الحدود وليس من جانب لبنان فقط ووقف الخروقات الاسرائيلية، ولكن اسرائيل ما زالت تطلب تراجع قوات المقاومة الى خلف الخط الحدودي، وهو ما رفضه لبنان وأعادت فرنسا صياغة هذا الشرط الاسرائيلي من الورقة بعبارة «اعادة تموضع المجموعات المسلّحة»، بما يعني انّها تشمل كل الفصائل المسلحة في الجنوب وليس «حزب الله» فقط.

ولفتت المصادر الى انّ لبنان اعلن التزامه بالتطبيق الكامل والشامل للقرار 1701، وهذا القرار ينص على «الغاء المظاهر المسلّحة» بمعنى عدم إظهار سلاح المقاومة، ولا يعني ترك الجنوبيين لقراهم، ويمكن معالجة هذه النقطة عبر التشاور الدبلوماسي.

اما بشأن شرط لبنان وقف الحرب في غزة والاعتداءات الاسرائيلية قبل تطبيق الاتفاق، فقالت المصادر: «لقد اخذت فرنسا وحتى اميركا هذا الامر في الاعتبار، ولذلك لم يحضر آموس هوكشتاين الى لبنان، لانّه لا يمكن التفاوض وتطبيق اي اتفاق قبل وقف حرب غزة».

اضافت المصادر: «لقد اخذ الجانب الفرنسي الملاحظات اللبنانية كما الملاحظات الاسرائيلية على الورقة، وسيتمّ تنقيحها بناءً لهذه الملاحظات وإعداد صيغة اخرى ليتوافق عليها الاطراف اذا أمكن. لكن إعداد الصيغة الجديدة سيستغرق بعض الوقت وربما قرابة الشهر!».

واوضحت المصادر، أنّ فرنسا لم تكن تنتظر رداً إيجابياً او سلبياً على الورقة الفرنسية التي جرى تعديلها مرتين، لأنّها ليست ضمن مسار مفاوضات بل مسار مشاورات لتعطي فرصة تقدّم لحل ديبلوماسي بدل الحل العسكري. كما انّ فرنسا ارادت الحصول على موقف رسمي لبناني لا مواقف كلامية عبر الاعلام او في الاجتماعات.