هل تطبّع الخارج مع تغييب رئاسة الجمهورية؟

مشهد ديبلوماسي بعد اخر يتوالى في لبنان من السرايا الحكومي الى عين التينة يفاقم على نحو خطير التطبيع المتزايد مع تغييب موقع رئاسة الجمهورية على رغم وجوب الاقرار بان الزيارات الديبلوماسية للبنان ما كانت لتغيب لا عن رئاسة الحكومة ولا عن رئاسة مجلس النواب حتى في ظل وجود رئيس للجمهورية في قصر بعبدا.

فبيت القصيد بالنسبة الى مراقبين سياسيين، ان المشهد مستفز من حيث المخاوف التي بدأ يثيرها في زيارات ديبلوماسية اخرها زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فونديرلاين برفقة رئيس جمهورية قبرص نيكوس خريستودوليدس في موضوع بالغ الحساسية والتأثير على لبنان، فيما لم يتنبه القائمون بها في حمأة الاهتمام بمتابعة مسائل ومصالح معينة تتعلق بمنع الهجرة غير الشرعية للنازحين من لبنان الى اوروبا، الى الشغور المستمر في موقع رئاسة الجمهورية فيلفتون اليه او يحضون عليه، وذلك على رغم خطورة هذا الامر في لبنان تحديدا اكثر من اي بلد اخر.

ومع ان زوارا ديبلوماسيين اخرين يركزون على ضرورة الاستقرار وعدم توسيع الحرب في الجنوب المستمرة منذ سبعة اشهر، يذكرون موضوع رئاسة الجمهورية وضرورة انتخاب رئيس من باب رفع العتب، ذلك علما ان استمرار الشغور الرئاسي يساهم بقوة في تقليل فرص المعالجة الفاعلة للتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها البلاد وتحفيز استعادة عافيتها فيما ان ذلك يشكل محور ابرز الزيارات الاجنبية ومحورها.

ولكن ايضا لا يمكن تجاهل ان البلد لا يزال من دون رئيس منذ سنة ونصف بعد انتهاء ولاية ميشال عون في 31 تشرين الاول 2022 وهي حال ليست جديدة بل متكررة بعدما عاش لبنان تجربة مماثلة بين 2014 و2016 لمدة سنتين ونصف السنة واخرى اقل لمدة ستة اشهر بعد انتهاء ولاية اميل لحود ومشكلة جسيمة وشغور بعد انتهاء ولاية امين الجميل بحيث بات الامر اعتياديا في لبنان ويتكرر كل ست سنوات في ظل عدم قدرة الكتل السياسية الطائفية المتعارضة على الاتفاق على مرشح. وذلك علما انه لتفاقم الفراغ الرئاسي اثر كبير في زيادة المشاكل في لبنان وعدم القدرة على ايجاد الحلول لمسائل كثيرة لا بل تحلل المؤسسات العامة والرسمية بدءا من مطار بيروت والمشهد المحزن فيه على مستويات متعددة وصولا الى اقصى بعلبك او عكار.

وتبرز اشكالية على المستوى المسيحي العملاني تتمثل في مشاركة وزراء التيار العوني في الوقت المناسب عند الضرورة من اجل تأمين تغطية مسيحية بديلة من غياب رئيس للجمهورية على رغم ما يعتبره التيار عدم شرعية حكومة تصريف في ممارسة صلاحيات الرئاسة الاولى. وهذه النقطة الاشكالية لا يشير اليها المراقبون من باب طائفي انما من زاوية سياسية مبنية الى ادبيات الخطاب السياسي المعتمد ليس الا خلال سنة ونصف من الشغور الرئاسي بحيث تثير المشاركة المسيحية في السلطة غموضا على المستوى الشعبي وتحول دون ملاحظة الخارج اي مشكلة حقيقية على هذا المستوى. ولكن هذا موضوع اخر على هامش المشكلة الاساسية وليس في اساسها في هذا السياق على الاقل.

وذلك كله فيما تستمر المبادرات الدبلوماسية من جانب فرنسا والولايات المتحدة التي تركز على وقف التصعيد وإحضار الأطراف إلى عملية التفاوض بشأن المناطق المتنازع عليها على طول الخط الأزرق حتى لو ان هذه الجهود لم تؤت ثمارها بعد. اذ قال حزب الله في عدة مناسبات إنه لن يشارك في أي مفاوضات حتى انتهاء الحرب في غزة وإن الجبهة اللبنانية التي فتحها عبر الحدود الجنوبية "ستبقى فاعلة"، وتاليا هو لا يزال يعلق التجاوب من جانب الدولة اللبنانية مع هذه المبادرات باعتبار هذه الاخيرة لا تملك قرار الحرب والسلم في البلاد وتنشغل بان تطالب الدول الغربية في الوقت نفسه بوقف الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان .

فيما يستسلم اصحاب المبادرات لارادة المتحكمين بالوضع الحدودي من هذا الجانب او ذاك. وقد بات واضحا ان الاحداث في الجنوب والتي هددت ولا تزال بتوسع الحرب لتشمل لبنان وتهز استقرار المنطقة اكثر استحوذ على كل الاهتمام الغربي ولا يزال في وقت بات يخشى مراقبون ان تودي مفاعيل الجهود الديبلوماسية من اجل انهاء الوضع الحربي في الجنوب الى ارساء واقع جديد سيكون له تداعيات لاحقة على لبنان داخليا وبالنسبة الى افقه السياسي كما الرؤية اليه في المنطقة كذلك.

والمجموعة الخماسية التي تضم كلا من مصر وفرنسا وقطر والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة عقدت عدة اجتماعات مع القادة السياسيين اللبنانيين في محاولة للحشد للاتفاق على الملف الرئاسي ، ولكن من دون جدوى.

ومع ان الخماسية تصطدم بالشروط والشروط المضادة، فان التعقيدات التي تواجهها لا تلغي الانطباع بان الوضع الرئاسي معطوف على الوضع الجنوبي انما يؤدي الى خلاصة اساسية ان البلد هو تحت نفوذ محور لا يعول في ضوئه على حماسة عربية كبيرة لمساعدته فيفتقد الى الدعم الفعلي من جانب الدول العربية اليائسة او المحبطة من واقع لبنان ( يسأل المهتمون اذا كان امكن تعداد زيارات مسؤولين عرب الى لبنان خلال الاشهر السبعة الاخيرة من بدء الحرب في الجنوب بعد انطلاق الحرب في غزة ) ، وهو الامر الذي تفتقده الدول الغربية التي تساهم من حيث شاءت ام لم تشأ في تمكين المتحكمين بالوضع الراهن.