الاقتراح الأميركي الأخير للبنان: منطقة عازلة تحت إدارة دولية

بلغت الضغوط ذروتها، ولم يعد هناك مجال للمماطلة: هذه هي الرسالة التي يتلقاها لبنان من أطراف دولية عديدة تدعوه إلى الاختيار بين قبول المفاوضات مع إسرائيل أو مواجهة تصعيد كبير. يدرس لبنان جميع خياراته ويسعى إلى اعتماد موقف موحّد لعرضه على محاوريه. لا يريد الحرب، لكنه يطالب بوقف الغارات والاعتداءات الإسرائيلية؛ وهو مستعد للتفاوض، لكنه يخطط لهجوم دبلوماسي واسع لدى القوى الدولية. غير أن السؤال الأساسي يبقى: ماذا تريد إسرائيل؟ هل تسعى فعلاً إلى التفاوض والتوصل إلى حل، أم تريد فرض استسلام كامل على خصمها؟ علمت صحيفة "لوريان لو جور" في هذا الإطار أن لبنان تلقّى، من عدة مبعوثين ولا سيما الأميركي توم باراك، الخطوط العريضة للعرض المقدَّم، والذي ليس سوى إعادة إنتاج لتجربة غزة. وإذا لم يقبل لبنان به، فسيُترك لمصيره في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية.

يقضي الاقتراح بإنهاء حالة الحرب بين لبنان وإسرائيل، ونزع سلاح حزب الله وتفكيك كل هيكله العسكري، وإخلاء الجنوب من السلاح وإنشاء منطقة عازلة يسميها الأميركيون "منطقة اقتصادية" تُدار من قبل قوات دولية. وفي مرحلة ثانية، يمكن طرح فكرة تشكيل لجنة دولية لإدارة جنوب لبنان، على نموذج اللجنة المقترحة لغزة، وتكون تحت سلطتها لجنة تكنوقراط لبنانية مكلفة بإدارة الوضع السياسي في تلك المنطقة. ويشمل ذلك أبعاداً سياسية تتعلق بمستقبل حزب الله ودوره، ما يجعل هذا البند صعب التنفيذ، بخلاف حالة حماس، إذ إن حزب الله ممثَّل بنواب، وفي لبنان الدولة ومؤسساتها هي المعنية بإدارة جميع شؤون البلاد وحماية الحدود. وفي هذا الإطار تندرج مواقف رئيس الجمهورية جوزف عون، يوم الخميس بعد هجوم بلدة بليدا، عندما أعطى تعليماته للجيش بالتصدي للتوغلات الإسرائيلية.

في الممارسة، فإن هذا الموقف الذي يؤكد تمسك لبنان بمؤسساته الشرعية، الضامنة الوحيدة لحماية المواطنين والأراضي، جاء رداً على كل المقترحات المتداولة حول الجنوب. وقد لقي ترحيباً سريعاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري، وكذلك من حزب الله، الذي رفض تكتله البرلماني يوم الخميس صراحةً جميع المقترحات التي نقلها فاعلون عرب وأميركيون وغيرهم. وجاء في البيان: "إن لبنان والمنطقة يتعرضان لهجوم عدواني وحملة تهديدات أميركية إسرائيلية متصاعدة، مبرمجة ومنظمة، تشارك فيها حكومات وأنظمة وجهات عربية ولبنانية. وهي تترافق مع ضغوط مالية وخنق اقتصادي وحصار، وتسخّر قدرات إعلامية هائلة تهدف إلى تشكيل وعي الشعوب وسلبها حقها في المقاومة وإخضاعها بالكامل".

ضربات ضد البنى التحتية المدنية؟

في الوقت نفسه، تتوالى التصريحات الإسرائيلية في مناخ من التحضير للحرب أو لتكثيف العمليات العسكرية. هذا ما نقله وزير الخارجية الإسرائيلي إلى الممثلة الشخصية للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان، جانين بلاسشارت.

أكبر خطر هو أن تستغل إسرائيل موقف الرئيس عون لتفسيره كدعم أو غطاء لحزب الله، وبالتالي لتبرير هجمات ضد الدولة اللبنانية ومؤسساتها. وقد سبق لإسرائيل أن استهدفت في الماضي محطات ضخ مياه وبنى تحتية أخرى، وهناك مخاوف اليوم من أن تُستهدف منشآت كهربائية لتكثيف الضغط على لبنان والدولة والسكان. وفي الوقت نفسه، تشير مصادر دبلوماسية عديدة إلى أن المجتمع الدولي غير راضٍ عن المسار الذي يسلكه لبنان، وأنه لن يقدم أي مساعدة ما دامت الأوضاع على حالها ولم تتخذ الدولة والجيش إجراءات لسحب سلاح حزب الله.

وفي هذا السياق تندرج العملية البرية الإسرائيلية في بلدة بليدا والدخول إلى مبنى البلدية، وهي مؤسسة تابعة للدولة اللبنانية. وقد يتكرر ذلك، سواء عبر هجمات على منشآت عامة أو عبر توغلات برية أو عمليات كوماندوس تستعد لها القوات الإسرائيلية منذ بعض الوقت. وأفادت الإذاعة الإسرائيلية يوم الخميس بأن تل أبيب أبلغت واشنطن استعدادها لتكثيف عملياتها العسكرية في لبنان. وقد تزامن ذلك مع اجتماع أمني ترأسه بنيامين نتنياهو لمناقشة الخيارات المطروحة أمام حكومته. وهذا يؤكد أن إسرائيل لا يمكنها القيام بأي مبادرة عسكرية من دون تنسيق مع الولايات المتحدة، خاصة وأن واشنطن أنشأت غرفة عملياتها في كريات غات لإدارة الوضع الأمني والعسكري والسياسي في المنطقة.

ومن خلال هذا المنظور يجب تفسير الإصرار الأميركي على إنهاء ولاية قوات اليونيفيل، فيما تتسارع النقاشات حول قوة دولية أو متعددة الجنسيات لنشرها في جنوب لبنان خلال الفترة المقبلة، على غرار القوة المقررة لغزة، وربما لاحقاً في جنوب سوريا، التي يرغب الإسرائيليون أيضاً في نزع سلاحها. وباختصار: يقترح الأميركيون تحويل المناطق المتنازع عليها بين إسرائيل ولبنان أو سوريا إلى مناطق اقتصادية حصرية ومفتوحة.

لبنان اليوم عند مفترق طرق: إذا رفض التفاوض، فالتصعيد سيكون حتمياً. وحتى إن قبل، فسيكون أيضاً تحت النار لإجباره على تقديم تنازلات. ويتذكر البعض الأيام التي سبقت المفاوضات الجدية التي أدت إلى وقف إطلاق النار في غزة، حين كثّفت إسرائيل عملياتها ووسعتها، مطلقةً هجوماً برياً، مقتنعة بأن هذا الضغط العسكري هو الذي أفضى إلى الاتفاق. وفي لبنان، هناك خشية من تكرار هذا السيناريو