التداعيات اللبنانية للفتنة السورية تسابق عودة براك…سلام يرفض كلام قاسم عن تسليم السلاح لإسرائيل

شكّل الاجتماع الاستثنائي للهيئة العامة للمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز في فردان عصر امس ابرز المؤشرات المتقدمة إلى مستوى الخطورة العالية التي بلغتها تداعيات الفتنة السنية الدرزية في منطقة السويداء في سوريا على لبنان اذ عكست المواقف والتحذيرات والنداءات التي تخللت هذا الاجتماع وأعقبته السقوف الاستثنائية لحال المخاوف والتوترات التي تعتري الدروز وسائر اللبنانيين حيال المجريات الخطيرة للقتال الأهلي الجاري في سوريا .

ولم يكن هذا الاجتماع هو المؤشر الوحيد للتعبئة السياسية والدينية والسياسية وكذلك الأمنية التي يشهدها لبنان حيال تداعيات الفتنة السورية عليه اذ ان الإجراءات الأمنية للجيش والأجهزة الأمنية كانت اتخذت طابعا متسعا ومتشددا في الأيام الأخيرة وهي مرشحة للاتساع تباعا لمنع أي تمدد للفتنة الامر الذي ترجمه بيان رسمي علني لقيادة الجيش عكس الجدية الحاسمة التي تتعامل معها القيادة العسكرية مع ظواهر التوتر التي حصلت في الأيام السابقة في بعض المناطق . وعصرا نفذ اعتصام حاشد على طريق المصنع بدعوة من هيئة العلماء المسلمين في البقاع رفضا للاعتداء الإسرائيلي على سوريا “وانحياز الصهاينة في السويداء ” .

وبدا لبنان في سباقه بين الأولويات كأنه ولج مرحلة جديدة من التحديات الداهمة مع انعكاسات الانفجار السوري الجديد عليه فيما هو يستعد للمضي في التفاوض مع الموفد الأميركي توم براك الذي يصل إلى بيروت الثلاثاء المقبل حول الرد الأميركي على الرد اللبناني من دون اتضاح آفاق واضحة وحاسمة حيال ما يمكن ان يعقب الزيارة الثالثة التي سيقوم بها براك للبنان الأسبوع المقبل .

وكانت التطورات السورية احتلت حيزا من الاجتماع بين رئيس الجمهورية العماد جوزف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ، وغادر الرئيس بري قصر بعبدا من دون ان يدلي بأي تصريح. وأفيد ان عون وبري وضعا اللمسات الأخيرة على الردّ الأميركي بشأن حصر السلاح، كما تشاورا في سبل درء الخطر الامني عن البلاد. وتوقعت مصادر دبلوماسية عودة المبعوث الاميركي توماس برّاك الى بيروت  الأسبوع  لتبلغ الرد اللبناني.وبدا ان اجتماع عون وبري جاء بعد اجتماع عون ورئيس الحكومة نواف سلام سابقا لاستكمال توحيد الموقف من الرد اللبناني على الرد الأميركي .

وأفادت مصادر وصفت بانها مطّلعة على مسار المفاوضات الأميركية-اللبنانية أن المبعوث الأميركي توم باراك سيعود إلى بيروت يوم الثلاثاء المقبل في زيارة توصف بـ”المفصلية”، وسط تصاعد الضغوط المرتبطة بتنفيذ بنود الورقة الأميركية.

وتشير المصادر إلى أن الورقة تنص على بدء عملية حصر السلاح تدريجيًا، بدءًا من السلاح الثقيل والصواريخ الباليستية، مرورًا بـالمسيّرات والأسلحة المتوسطة، وصولًا إلى تحقيق ضبط كامل في سياق استراتيجية أمنية وطنية. وتؤكد المصادر أن باراك سينقل رسالة مباشرة من واشنطن إلى المسؤولين اللبنانيين، تشدد على ضرورة الالتزام بتنفيذ ما ورد في النسخة الأولى من الورقة، مع تحذيرات واضحة من ترك لبنان مكشوفًا أمام التصعيد الإسرائيلي في حال لم يتم التجاوب مع المطالب الأميركية.

واعلن الرئيس نواف سلام في حديث إلى محطة الجديد ليلا ان أفكار براك يجري مناقشتها تمهيدا للمحادثات التي ستجرى معه الأسبوع المقبل واكد انه ناقش الأفكار مع الرئيسين عون وبري وان التفاوض يجري على أساس تلازم الخطوات وتوازنها بين انهاء الاحتلال الإسرائيلي وتنفيذ اتفاق وقف النار واستكمال بسط سيادة الدولة اللبنانية وحصرية السلاح للدولة والمراحل التي ستتناولها الإجراءات. واكد أن أفكار براك تقوم على التلازم والمرحلية وعندما تنضج الأفكار سنعقد جلسة مجلس للوزراء . ونفى ان تكون أفكار براك هي اتفاق جديد بل هي لتنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية وتتضمن الانسحاب الإسرائيلي الكامل من كل الأراضي اللبنانية . ورفض كلام الأمين العام لحزب الله عن الحرب الاهلية كما كلامه عن ان المطلوب تسليم سلاحه إلى إسرائيل مستغربا ذلك وسائلا من طلب منه تسليم السلاح لإسرائيل المطلوب حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية وحدها .

في المقابل، أفادت مصادر مقربة من حزب الله أن الحزب يرفض الورقة الأميركية رفضًا قاطعًا، معتبرًا أنها تمسّ بالسيادة الوطنية وتستهدف دور المقاومة في حماية لبنان. ودعت المصادر إلى “التفاهم الداخلي” على استراتيجية وطنية شاملة للسلاح تُبنى على حوار لبناني–لبناني، لا على إملاءات خارجية.

وهذا ما عكسته كلمة الأمين العام  ل”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم مساء امس اذ اعتبر ان اتفاق وقف اطلاق النار نفذ بالكامل في جنوب نهر الليطاني والدولة اللبنانية نشرت الجيش حيث استطاعت”

وأضاف “نفّذنا كدولة لبنانية وحزب الله وكل المقاومين كل ما علينا من الاتفاق واسرائيل لم تنفذ شيئًا”، لافتاً الى أننا “لم نستطع أن نمنع إسرائيل من الاستمرار في العدوان لكن استطعنا أن نوقفها عند حد بالاتفاق الذي عقدته الدولة اللبنانية مع الكيان وأصبح لزامًا على إسرائيل أن تنسحب وتوقف عدوانها وهذا اتفاق تحت مسؤولية وعهدة الدولة”.

وأردف قاسم “اليوم أميركا تطرح اتفاقًا جديدًا يعني كل الخروقات خلال 8 أشهر كأنها لم تكن، وهو يبرّئ اسرائيل من كل فترة العدوان السابقة”، مضيفاً “المبرر الوحيد في هذا العدوان نزع سلاح حزب الله لأنهم يريدون من نزعه طمأنة “الاسرائيلي وهو مطلب اسرائيلي”.

وقال “نحن كحزب الله وحركة أمل ومقاومة وكخط سيادي يريد استقلال لبنان ونؤمن بأن لبنان وطن نهائي للبنانيين ونخضع جميعًا للطائف ومندرجاته نشعر بأننا أمام تهديد وجودي للمقاومة وبيئتها وللبنان بكل طوائفه”.

واما في ما يتصل بتداعيات الأحداث السورية فتتواصل الاتصالات في الداخل اللبناني لمنع انتقال المواجهات اليه. واجرى رئيس الحكومة نواف سلام اتصالاً بشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى، وأثنى على “الدور المسؤول والرصين الذي أدّته المرجعيات الروحية، وفي طليعتها الشيخ أبي المنى، في تهدئة النفوس ووأد الفتنة والحفاظ على السلم الأهلي. كما تم التأكيد المشترك على أهمية صون وحدة سوريا، ورفض أي محاولة لزرع الانقسام بين أبنائها، والتشديد على أن ما يجري خارج حدود لبنان لا ينبغي أن يتحوّل إلى مادة للتأجيج الداخلي. وختم الرئيس سلام بالإعراب عن تقديره العميق لحرص شيخ العقل الدائم على وحدة اللبنانيين تحت مظلة الدولة.

من جهتها، أعلنت قيادة الجيش – مديرية التوجيه في بيان ان “لبنان يواجه في المرحلة الراهنة مجموعة من الظروف الاستثنائية، أبرزها استمرار الاعتداءات وانتهاكات السيادة الوطنية من جانب العدو الإسرائيلي، إضافةً إلى تحديات حفظ الأمن في الداخل وضبط الحدود، فضلًا عن التطورات المعقدة في المنطقة. إنّ الجيش لن يسمح بأي إخلال بالأمن أو مساس بالسلم الأهلي، ويؤكد في الوقت نفسه أنّ تجاوُز هذه المرحلة يتطلّب وحدة اللبنانيين وتضامنهم ووعيهم لخطورة المرحلة والتحلّي بالمسؤولية، وعدم القيام بأي عمل من شأنه أن يترك تداعيات غير محسوبة على أمن اللبنانيين”.

وفي اجتماع المجلس المذهبي أكد الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، أن ما تشهده سوريا يستدعي العودة إلى العقل قبل الانفعال، مشددًا على أن أبناء الطائفة هم “مذهب العقل والحكمة”، وأن الدخول في الإدانات لا يفيد في ظل تعدد الجهات والأسباب.

واستعاد جنبلاط ذكرى القائد الوطني سلطان باشا الأطرش، الذي غادر السويداء عام 1954 لتجنيب البلاد حربًا أهلية .وفي اقتراح لتجاوز الأزمة، دعا جنبلاط إلى وقف فوري لإطلاق النار في السويداء تمهيدًا لحوار مباشر بين الدولة السورية والفاعليات المحلية، مؤكدًا أن جبل العرب هو جزء لا يتجزأ من سوريا.

كما شدد على إدانة الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا ولبنان، ودعا إلى تشكيل لجنة تحقيق لكشف الجرائم التي ارتُكبت بحق أبناء السويداء والبدو. ورفض الحملات التحريضية في لبنان والخارج، منتقدًا الدعوات إلى قطع الطرقات، متسائلًا: “نقطع الطرقات على من؟ على أنفسنا؟”.

من جانبه أعلن الشيخ سامي أبي المنى تضامن المجلس الكامل مع أهلنا في السويداء، ومع الجرحى والمصابين جراء الأحداث المؤسفة الأخيرة. وأكد أن عبارات الإدانة وحدها لا تكفي للرد على ما جرى من انتهاكات صارخة، رافضًا إلقاء اللوم على أحد من أبناء الجبل، مع تحميل المسؤولية الكاملة للدولة السورية الناشئة، التي ما زالت بعيدة عن ترسيخ مؤسسات تحمي شعبها.

كما دان الشيخ أبي المنى الاعتداء على أهل السنة، رغم إدراكه أنه جاء كردّ فعل، مؤكدًا أن المجلس لا يبرر هذا النوع من الأفعال ولا يقبله، مهما كانت أسبابه.

ووجه تحذيرًا واضحًا من خطورة الدعوات إلى النفير العام ومهاجمة السويداء، واصفًا إياها بمحاولات لإشعال فتنة طائفية، كما رفض بشكل قاطع أي تدخل إسرائيلي في الشأن السوري.

وختم بدعوة المجتمع الدولي إلى فتح تحقيق شفاف في الأحداث الأخيرة ومحاسبة المسؤولين عنها، رافضًا تمامًا امتداد الفتنة إلى لبنان، مشيرًا إلى تواصل دائم مع دار الإفتاء والمفتي، والتشديد على رفض كل أشكال التطرف، والدعوة إلى محاسبة كل من يعبث بأمن واستقرار المنطقة.