المصدر: النهار
الكاتب: روزانا بو منصف
الاثنين 11 تشرين الثاني 2024 09:04:53
موجة التفاؤل التي تبنيها اوساط سياسية في لبنان على انتخاب المرشح الجمهوري دونالد ترامب للرئاسة الاميركية تستند وفق رصد اولي الى اعتقاد بان ترامب يرغب بقوة في انهاء الحرب بين اسرائيل و"حزب الله" في لبنان وكذلك بينها وبين حركة " حماس" في غزة . يغري الكلام على وقف الحرب كثيرين لا سيما بعد سنة وشهر تقريبا على بدئها واستعارها اكثر خلال الاسابيع الماضية في الوقت الذي لا يمكن ان يكون لبنان في حال اسوأ مما بات عليه ومعه حال اللبنانيين ايضا .وفيما بنت ادارة الرئيس جو بايدن على رغم فشلها في وقف النار اطارا لهذا الاخير عبر الجهود التي قام بها موفده آيموس هوكشتاين بحيث لا يمكن تجاهل الاساس الذي استند اليه التفاهم الذي يرغب فيه لبنان او يستطيعه ويرغب فيه لوقف النار وتنفيذ القرار 1701، فان الحماسة لترامب مبنية في الواقع على اعتقاد بانه سيكون اكثر تشددا ازاء ايران وازاء امكان عودتها الى تسليح "حزب الله" في لبنان بعد اضعافه من اسرائيل . يضاف الى ذلك ان احتمال بدء تنفيذ هدنة ال60 يوما يصار خلالها الى استكمال تنفيذ ما اتفق عليه سيتوافق كليا مع تسلم ترامب منصبه في 20 كانون الثاني المقبل ، خصوصا اذا اخذت في الاعتبار التسريبات الاسرائيلية الاستباقية التي تفيد عن قرب انتهاء العملية البرية لاسرائيل في جنوب لبنان او عن احتمال التوصل الى اتفاق قريبا . وهذا كله كان متوقعا قبل موعد الانتخابات الاميركية وفقد اي ذرائع لعدم حصوله في الاسابيع المقبلة فيما تقول اسرائيل انها حققت اهدافها بابعاد الحزب جنوبا وفيما فقدت العمليات العسكرية الاسرائيلية الكثير من مبرراتها الموضوعية مع قصف بات يحصد مدنيين اكثر من عناصر للحزب او قيادييه .
الا ان بعض من يتسم بواقعية اكبر ازاء الوعود التي اطلقها ترامب حول رغبته في انهاء الحروب وليس فقط الحرب في لبنان يرسمون علامات استفهام كبيرة حول طبيعة او كيفية انهاء الحرب ولمصلحة من ستصب بغض النظر عن ان انهاء الحرب في ذاته امر مهم وضروري وملح . اذ انه حين تنتهي الحروب فانما يحصل ذلك بناء على قواعد معينة غالبا ما تضمر ارجحية لمن بات يملك اليد العليا في الواقع الميداني ، وهو في هذه الحال اسرائيل راهنا . فهناك تصور وادراك ديبلوماسي وسياسي في هذا الاطار بناء على وقائع الحرب ومجرياتها تفيد بان الفرصة التي اقامتها إسرائيل عبر اضعاف الحزب وخلق مناطق عازلة على الحدود لبضعة كيلومترات ستضعف موقعه وقبضته على مفاصل البلد وقراره بالاضافة الى منع ايران من استعادة الزخم الذي استندت اليه طويلا في المنطقة . مغزى القول في هذه النقطة أن الحماسة لعودة ترامب تربط حكما بين ممارسته الضغط الأقصى على ايران بعد انسحابه من الاتفاق النووي ابان ولايته الرئاسية السابقة وفرض العقوبات على ايران بالاضافة الى قتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني. والمواقف التي اطلقها في حملته الانتخابية وعدم ممانعته ان تضرب اسرائيل المنشأت النووية في ايران ردا على هجوم الاخيرة على اسرائيل ، معطوفة على اتهام ايران بمحاولة اغتيال جديدة للرئيس المنتخب كشفها ال" اف . بي .اي " ، تدفع الى الاعتقاد أن ترامب لن يعود على الفور إلى حملة الضغط الأقصى التي لن تزيد العقوبات فحسب بل سيتم فرضها. وهو انتقد بقوة ادارة بايدن ازاء تساهلها مع ايران بحيث استطاعت جمع الاموال من مبيعات النفط التي اتاحتها الادارة الذاهبة من اجل تمويل اذرعتها في المنطقة . ولكن ترامب اكد في يوم الانتخابات أنه "لا يسعى إلى إلحاق الضرر بإيران " . وقال بعد الإدلاء بصوته: " شروطي سهلة للغاية. لا يمكنهم امتلاك سلاح نووي. أود منهم أن يكونوا دولة ناجحة للغاية" . وهذا خطاب ملتبس يظهر امكان وجود فروقات بين ما يطلق من مواقف في الحملات الانتخابية وما يمكن ان يعتمد كمقاربة سياسية جديدة .
وفي انتظار ان تحدد الادارة الاميركية المنتخبة سياستها ازاء ايران باعتبار ان لبنان يتأثر بذلك حكما وبقوة ، فانه قد ينبغي الحذر في رأي بعض السياسيين من المبالغة في البناء على جملة امور تبدأ من ان الاضعاف الممنهج الذي قامت به اسرائيل للحزب وانعكاسات ذلك على قدراته لاحقا واعادة ترميم نفسه عسكريا سيكون الى حد كبير رهنا بمدى المتابعة الجدية من الخارج وفي مقدمهم الولايات المتحدة لتطبيق القرار 1701. وذلك علما ان ما حصل غير مسبوق لجهة اضعاف اذرع ايران في المنطقة ولا سيما الحزب بحيث ان كثرا يعتقدون بان بناء الدولة والعجز الواقعي والعملاني عن امكان تكرار حروب مماثلة كل بضع سنوات فضلا عن توظيف الولايات المتحدة ذلك لمنع اعادة تسليح الحزب و" حماس" امر ممكن جدا . وهو لن يحصل بالمقاربة الاميركية وحدها بل بالتحالفات الاقليمية معها من جهة وفي ظل المتغيرات الجديدة التي فرضتها التطورات الحربية . وهؤلاء المتفائلون انفسهم يستندون الى ان واشنطن بالذات هي التي حضت اسرائيل في معرض تشجيعها اخيرا على وقف النار في غزة او في لبنان باستثمار مكاسبها التكتيكية بمكاسب استراتيجية وتسييل ذلك باتفاق وقف النار بناء على العقيدة الجديدة لديها اي بمنع تكرار اي تهديد لها كما حصل مع " طوفان الاقصى ". وهذا يجب ان يؤدي من حيث المبدأ ليس الى ابعاد الحزب الى ما بعد الليطاني بل الى منع تسليحه مجددا والدفع الى انخراطه عملانيا في الدولة اللبنانية . فيما ان الحذرين دوما من التجارب السابقة والذين لن يرغبوا في ان تفرض اسرائيل شروطها في وقف النار ، يحذرون بالقوة نفسها انهاء للحرب بطريقة تبقي على جذور الازمة في لبنان ولا يحلها بل يؤجلها لمراحل مستقبلية اخرى في حال التعامل مع وقف النار الضروري والملح في هذا التوقيت . فيما ان الحذر ينبغي ان يسري بحسب هؤلاء على مستويين : ان لبنان لا يشكل اولوية قصوى في شكل عام في اولويات الولايات المتحدة . وان هذه الاخيرة ولا سيما مع ادارة ترامب ستهتم بمصالحها في الدرجة الاولى.