خاص: اليوم أول نيسان... "تعيشوا وتاكلوا غيرها"!

اليوم أول نيسان، فتنبّه وكن حذرا ممن قد يحاول خداعك أو اطلاق الأكاذيب في وجهك. تيقظ لمحاولات تمرير المقالب عليك، كي لا تقع ضحية اليوم الذي يكون فيه الكذب حلالا والكاذبون مضاعفين. اليوم، وفقط اليوم، قد يغضّ الله النظر عن الأكاذيب البيضاء ويطمئن المرء نفسه اذا تلفّظ بكلام ليس حقيقيا أو صادقا.

وقد نتساءل لماذا تُرانا نخصصّ عيدا للكذب بدل الإحتفال باليوم العالمي للصدق؟ الا أن حتى في أصدق المواقف وأكثرها شفافية، نجد من يلفّق الأكاذيب ويغمّس الحقيقة بالتضليل. كيف لا نحتفل بأول نيسان ونحن نعلم أن الكذب قوتنا اليومي: فاذا تأخرنا قلنا أن زحمة السير خانقة، واذا أردنا التغيّب تحجّجنا بالمرض، واذا أردنا التباهي افتخرنا بما لا نملكه.

وقد تضاربت الروايات عن أصل "كذبة أول نيسان" وتعددت "الأكاذيب" ومنها ما يفيد أن ملكة من ملكات بابل القديمة أمرت بأن يكتب على قبرها، بعد وفاتها، العبارة التالية: "يجد المحتاج في قبري هذا ما يسدّ به حاجته إذا فتحه في أول نيسان".

مرّت سنوات عديدة ولم يقدم أحد على فتح هذا القبر، إلى ان ظهر" داريوس الفارسي" فأمر بفتح القبر، فوجد في داخله رفاً من نحاس، وقد كُتب عليه: "أيها الداخل إلى هذا القبر، أنت رجل وقح طماع عطش إلى نهب المال، أتيت تقلق راحتي في نومي الأبدي، مغتنماً فرصة أول نيسان، ولكن خاب ظنك وطاش سهمك. فلن تنال من لحدي، إلا نصيب الأحمق المعتوه". ومنذ ذلك الحين، عُرف أن ما كتب على القبر كان "كذبة أول نيسان".

ولكن الرواية الأقرب الى الحقيقة تفيد بإن هذا التقليد ولد في بريطانيا بين القرنين العاشر والحادي عشر، حيث كانت بعض البلدان الاوروبية تحتفل ببداية السنة الجديدة يوم 25 آذار في إحتفالات ضخمة تستمر لمدة إسبوع وتنتهي في أول نيسان. وكانت فئات أخرى، لا تعترف ببدء السنة الجديدة في ذلك التاريخ، تعبّر عن إستخفافها بالإحتفالات عبر إرسال علب هدايا فارغة للمحتفلين أو التهاني الطريفة والساخرة.

ومع اعلان الكنيسة الرزنامة الجديدة في عهد قداسة البابا غريغوريوس الثالث عشر عام 1582، انتقل رأس السنة الى الأول من كانون الثاني، وتبنى هذا الإنتقال ملك فرنسا شارل التاسع.  فكرة التقويم الجديد لم تعجب الجميع، فبقي عدد من الناس يحتفل برأس السنة في الأول من نيسان، وقد أطلق عليهم اسم "المغفلين".

ومع مرور السنين، أصبح يوم أول نيسان تقليدا سنويا يرمز الى يوم المقالب المضحكة فيعمد البعض الى خداع المقربين منهم كوسيلة للضحك والتسلية، عبر أكاذيب بيضاء لا تضر أحدا.

والكذب حتى في هذا اليوم غير مرغوب به في الأصل، وبخاصة المؤذي والضار، ولا يجوز ارتكابه الا في ثلاث حالات، كما يقول الفقهاء: الكذب على الزوجة المتطلبة في حال كان مدخول الزوج قليلا، الكذب على الطفل الذي يطلب المستحيل، والكذب في الحروب لانقاذ الأبرياء.

ويبدو أن هذه الحالات الثلاث تخضع لاجتهادات وتأويلات كثيرة بحيث أنها أصبحت الاكاذيب متفرعة ويومية، فصدق المثل عندما قال: "الكذب ملح الرجال وعيب عَ اللي بيصدق"، الا أنه ينطبق على الرجال والنساء بالتساوي.

وقد يشفق قلبي على "أول نيسان" هذا، لأنه محكوم عليه بكل أكاذيب العالم، مظلوم من قبل الكاذبين والمنافقين، حامل في طياته حقائق مخفية، مسجون بين كلمات لا تمتّ للصدق بصلة. وكم من يوم نعيشه كأول نيسان وكم من كذبة نسمعها كل يوم لا بل كل ساعة...

"تعيشوا وتاكلوا غيرها" ولا تنسوا أن تردّوا "المقلب" الذي كنتم ضحيته، "مقلبين"!