روسيا ربطت أوكرانيا... ببحر اليابان

منذ الزيارة المفاجئة لرئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا لكييف في 20 آذار (مارس) الجاري، تزامناً مع زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ لموسكو، والتوتر يتصاعد بين روسيا واليابان، ويبعث مجدداً عداوات قديمة تعود إلى الحرب العالمية الثانية وحتى إلى زمن الحرب الروسية-اليابانية عام 1905.   
 
بعد يومين من زيارة كيشيدا أوكرانيا، وإعلانه الوقوف إلى جانب كييف في الحرب، وتأييده فرض المزيد من العقوبات على روسيا خلال القمة المقبلة لمجموعة البلدان الصناعية السبع الكبرى التي ستنعقد في مدينة هيروشيما اليابانية في أيار (مايو)، عمدت قاذفات روسية استراتيجية إلى التحليق فوق بحر اليابان. والثلثاء، أعلنت روسيا عن إجراء مناورات بحرية في المنطقة، اختبرت خلالها صاروخي كروز من طراز "موسكيت".    
 
وبحر اليابان لا ينقصه التوتر مع مواصلة كوريا الشمالية إطلاق معظم تجاربها الصاروخية نحوه، في رسائل موجهة إلى طوكيو وواشنطن معاً. وعندما أجرت الصين مناورات واسعة النطاق في آب (أغسطس) الماضي، رداً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي شهرذاك تايبه، مرت صواريخ صينية فوق تايوان وسقطت في بحر اليابان.
 
لكن ما يجدر التوقف عنده في الأيام الأخيرة، أن المناورات البحرية الروسية وإطلاق الصواريخ الكورية الشمالية بمعدل يومي تقريباً، تتزامن مع مناورات أميركية-كورية جنوبية-يابانية واسعة النطاق، تشارك فيها حاملة الطائرات الأميركية "نيميتز"، وسط ترقب احتمال أن ترد بيونغ يانغ بإجراء تجربة نووية جديدة بين لحظة وأخرى. 
 
هذه التطورات تزيد من تصاعد التوتر على الجبهة الآسيوية التي تعتبرها أميركا جبهة أساسية في احتواء الصعود الصيني. ومعلوم أن اليابان وروسيا لم تتمكنا بعد الحرب العالمية الثانية من التوصل إلى معاهدة سلام بسبب النزاع على جزر كوريل وسخالين التي سيطرت عليها روسيا في المرحلة الأخيرة من الحرب. وأخفقت كل الجهود الدبلوماسية من الجانبين في إيجاد حل لهذه القضية.   
 
ومنذ اليوم الأول للحرب الروسية-الأوكرانية، انضمت اليابان إلى نظام العقوبات غير المسبوق الذي فرضته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على روسيا، وقدمت مساعدات مالية لكييف، وتبدي حماسة في التنديد بالهجوم الروسي في كل مناسبة. وأتت زيارة كيشيدا العاصمة الأوكرانية لتخفف بعض الشيء من وهج زيارة الرئيس الصيني لروسيا.       
 
ولا بد من الإشارة أيضاً إلى قرار كيشيدا قبل مدة مضاعفة موازنة عسكرية كبيرة للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثالثة، والتزود بصواريخ توماهوك الأميركية. وأن ترصد اليابان ثالث أكبر موازنة عسكرية في العالم بعد أميركا والصين، كان بمثابة خطوة لم تثر الشكوك والتساؤلات في بكين وبيونغ يانغ فحسب، بل أيضاً في روسيا التي تنظر بعين الشك إلى ما ترمي إليه طوكيو بقرارها التخلي عن نهجها السلمي والاتجاه نحو العسكرة في هذا التوقيت بالذات.   
 
ويعلم الكرملين أن واشنطن تقف خلف تشجيع اليابان على التسلح، في سياق استراتيجيتها لاحتواء الصين والاستعداد لما يمكن أن تحمله التطورات من جانب كوريا الشمالية التي قطعت شوطاً كبيراً في تحديث ترسانتها النووية والصاروخية. 
 
إن عودة اليابان إلى نهج العسكرة وجعلها رافعة في الضغوط الأميركية على الصين وروسيا، ليس من شأنه سوى تصعيد التوتر في آسيا وزيادة بواعث القلق لدى بكين وموسكو وبيونغ يانغ.    
 
 وترتبط اليابان بمعاهدات دفاعية مع الولايات المتحدة، الأمر الذي يعني أن تعرّض اليابان لأي هجوم من الممكن أن يؤدي إلى تورط أميركي مباشر في مواجهة مع الصين أو روسيا أو كوريا الشمالية.     
 
في وقت تتجه الأنظار كلها تقريباً إلى التطورات على الجبهة الأوكرانية، تنذر سلسلة الحوادث المتتالية في آسيا، بسيناريوات قد تؤدي إلى صدامات ليست في الحسبان. والغليان الذي يشهده بحر اليابان يؤشر إلى أن منطقة المحيطين الهادئ والهندي، قد لا تبقى بمنأى عن أن تكون ساحة رئيسية لاختبار نفوذ القوى الكبرى التي يزداد التنافس في ما بينها شراسة.