المصدر: النهار
الكاتب: يوسف بدر
الاثنين 11 تشرين الثاني 2024 08:59:54
إيران وترامب كلاهما جرّب الآخر ويعرف طبيعته جيداً. ما يريده كلٌ منهما لم يعد اكتشافاً... حتى بالنسبة إلى العالم، فقد عاد ترامب، والخبراء يعرفون موقفه المعارض للنيوليبرالية، وقد أعادوا مراجعة أوراق مشروعه 2025 الذي غايته تحقيق شعار حزبه، أي السلطة والقوة على مستوى الداخل والخارج!
الإيرانيون أيضاً باتوا مدركين جيداً لشخصية ترامب. عليهم الآن أن يختاروا أي فريق سيذهب للتفاوض معه، هل المتشدّدون الذين يرحّبون ببقاء الصراع، ظنّاً منهم أن ترامب لن ينفق سنتاً على الحروب، لكنه قد يضغط على آخرين لكي يدفعوا؟! أم المعتدلون تحت شعار: غايتنا رفع العقوبات أولاً، وترامب فرصتنا لتوسيع شعار "أولوية الديبلوماسية" التي ساعدتنا على مصالحة دول الجوار؟ أم تكرّر طهران ما فعلته من قبل بالتزامها سياسة "الصبر الإستراتيجي"، وانتظارها مرور عاصفةٍ مدّتها 4 سنوات مقبلة!
هناك تحولات إقليمية متسارعة ومخاوف لدى إيران من ضياع ثقلها الإقليمي في ظل تصاعد التهديد باندلاع حرب مع إسرائيل، لذلك، حتى يتسلّم ترامب مفاتيح البيت الأبيض في 20 كانون الثاني، لا يمكن معرفة ماذا سيحدث، حتى وإن دخلت طهران وتل أبيب في حرب مصغّرةٍ؛ فإن قامت إيران بضرب إسرائيل، مستغلّة نهاية إدارة الرئيس الديموقراطي جو بايدن، فإنّ خلفه الجمهوري رجلُ صفقات، يُمهّد لمعاملاته التجارية أو ينتظر العروض، وقد تحرّك على الأرض من الآن.
إيران في القفص!
بعد تجربة بايدن والتزامه بسياسة "أقصى ضغط" من العقوبات التي فرضها سلفه ترامب، أدرك الإيرانيون أن الحديث لم يعد يدور حول أفضلية الحمار الديموقراطي أم الفيل الجمهوري، فمهمّة كليهما الإبقاء على إيران في القفص!
ربط الجمهورية الإسلامية توازنها الإقليمي بمحاصرة إسرائيل من خلال ميليشياتها، التي هي بمثابة قنبلتها النووية البديلة، يدفع رجل البيت الأبيض إلى إخضاع إيران من خلال العقوبات، لأن هذا يضمن ضعف اقتصادها، وبالتالي ضعف نفوذها الخارجي، وذلك بدلاً من اللجوء إلى حرب معها يمكن أن تهزّ مصالح القوى الغربية.
لكن صراحة، لم تكن سياسة "أقصى ضغط"، تتعلق بحماية إسرائيل فحسب، إنما كان ترامب يهيّئ الأجواء "لبضاعته" في المنطقة بالحديث عن السلام المحمي باتفاقيات الأمن والتسليح، وكان يعمل أيضاً على إدارة الصراع التجاري مع الصين التي حاول منعها من الحصول على مصادر الطاقة الرخيصة التي تعزّز تجارتها في العالم.
إيران اليوم مهمة لبلد مثل روسيا بوصفها منفذاً لتخطي العقوبات الأوروبية، وكذلك بالنسبة إلى الهند التي تسعى إلى الوصول من خلالها إلى آسيا وأوروبا، وهو ما يستدعي من ترامب خطة جديدة للحفاظ على مصالح حلفائه. ترامب لم يعارض المفاوضات مع إيران، وإنما كان يبحث عن اتفاق ثنائي يضمن المكسب الأكبر لصالح بلاده!
تفاعل أم مواجهة؟
هذا السؤال الذي يشغل الإيرانيين حالياً، وإن كان المتشددون يجنحون للمواجهة، لكن تجربة النظام عملياً منذ طوفان الأقصى ركزت على التفاعل، أو بعبارة أدقّ إدارة التوتر والصراع، مثلما طرح وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي ذلك من قبل.
لكن يبقى الانتظار حتى تتضح تركيبة إدارة ترامب لفهم سلوكه الخارجي، وإن كان في داخل إيران هناك من يراهن على التفاعل مع أميركا، مثل نائب الرئيس للشؤون الإستراتيجية محمد جواد ظريف، الذي اعتبر فوز ترامب انتصاراً للرغبة الأميركية في معالجة أخطاء الديموقراطيين. لكنّ آخرين يعتقدون أنّ ترامب شخص متقلّب المزاج، لا يقوم بمنع حدوث الأزمات، بل يتكسّب منها!