المصدر: اندبندنت عربية
الكاتب: دنيز رحمة فخري
الاثنين 11 آذار 2024 15:19:56
شهد الأسبوع الماضي زيارة لافتة إلى لبنان بقيت بعيدة من الإعلام لنائب مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون آسيا والشرق الأوسط في مكتب تمويل الإرهاب والجرائم المالية جيسي بيكر.
ونقلت وكالة الأنباء الأميركية (AP) عن مسؤولين في الخزانة أن بيكر التقى سياسيين لبنانيين ومسؤولين في القطاع المالي، وحثهم على منع تحويل الأموال إلى حركة "حماس" عبر لبنان. وكشف مصدر دبلوماسي في واشنطن لـ"اندبندنت عربية" عن أن لدى الخزانة الأميركية مخاوف جدية تستند إلى معلومات محددة في شأن حركة أموال كانت تصل من دولة عربية إلى "حماس" عبر لبنان، إضافة إلى الأموال القادمة من إيران إلى "حزب الله"، ثم إلى مناطق إقليمية أخرى. وتجنب أكثر من مصدر في لبنان تأكيد أو نفي هذه المعلومات، واكتفوا بتأكيد حصول الزيارة من دون الخوض بالتفاصيل. واستغربت وزيرة المال السابقة ريا الحسن عبر "اندبندنت عربية" إمكانية توقيف تمويل "حماس" إن صح هذا الأمر، أو ضبط أي تمويل مماثل بعدما تحول اقتصاد لبنان إلى اقتصاد نقدي، مذكرة بأن كثيراً من الأموال تدخل إلى لبنان حالياً في حقائب، والأميركيون يعلمون وفق الحسن أن المطار والمرفأ ليسا تحت سلطة القوى الأمنية الشرعية، بالتالي من الصعب مراقبة أموال تصل إلى "حماس" أو غيرها.
"لبنان خارج إطار التعامل الدولي الصحيح"
أما رئيس لجنة الرقابة على المصارف السابق سمير حمود فأكد عدم إمكانية تأكيد تحول لبنان إلى معبر للأموال المرسلة إلى "حماس"، لكنه يرى أن المقصود من الكلام الأميركي، الإشارة إلى السوق النقدية في لبنان كسوق "موبوءة". ففي غياب قطاع مصرفي صحيح، بات الاقتصاد بحسب رأيه اقتصاداً نقدياً، وازدهر ما يعرف بالـShadow Bankings أو المؤسسات المالية التي باتت البديلة عن المصارف وبعضها من دون ترخيص، ومن دون رقابة. وهذه السوق النقدية المتفلتة تفتح الاحتمال لكل كلام من هذا النوع، أي الذي صدر عن الخزانة الأميركية، وليس من السهل الدفاع عنه.
ويضيف حمود شارحاً أن التدفقات المالية التي تصل إلى لبنان هي نقدية، والصرف الحالي نقدي أيضاً وكل التعاطي اليومي للمواطنين هو بالعملة النقدية. وهذا أمر غريب عن المعاملات المالية والنقدية في كل العالم، معتبراً أنه إذا كان الجانب الأميركي يضع حالياً في الواجهة حركة "حماس" إلا أنه ليس بالضرورة أن تكون هي التي ترتب الأذى على لبنان، إنما الأذى الكبير هو أن لبنان أصبح خارج الإطار الدولي الصحيح.
مراقبة الأموال قد تلحق الأذى بلبنان
ويشكك حمود بإمكانية تحويل الأموال من لبنان إلى "حماس"، ويصف الكلام بغير الدقيق، معتبراً أن ما يحصل قد يكون عملية شحن للأموال وليس تحويلها، مذكراً بأن لبنان مستمر نتيجة التدفقات النقدية التي تصله، ومن دونها لكان الوضع الاقتصادي والمالي أسوأ بكثير. ويعتبر حمود أن السؤال عن الجهة التي يمكنها أن تراقب هذه التدفقات النقدية هو سؤال كبير، خصوصاً أن الأموال النظيفة هي حالياً نقدية، بالتالي المراقبة المشددة على حركة دخول الأموال إليه قد تلحق الأذى بكل البلد، وبحجة الأموال غير الصحيحة يمكن أن تتعرض التدفقات المالية الصحيحة للأذى.
يقول حمود إن دخول أموال لتمويل عمليات عسكرية لـ"حماس" ممكن، لكن هذه الأموال هي الجزء البسيط من الجزء الأكبر الذي يهدف إلى تمويل الحركة الاقتصادية في البلد، خصوصاً أنه في ظل غياب المصارف تصبح السوق النقدية هي الحل. ويعترف حمود أن الاقتصاد النقدي قد يتضمن كثيراً من الشوائب، ويضيف "علينا أن نكون حريصين وألا نضرب الأساس بحجة الشوائب، فيكفي لبنان ما يعانيه على الصعيد النقدي والمالي والاقتصادي لنضيف عليه مشكلة إضافية".
ويعتبر رئيس لجنة الرقابة على المصارف سابقاً أنه لن نستطيع أن نخرج من السوق النقدية إذا لم نجد حلاً للأزمة المصرفية، معتبراً أن المسؤولين لم يقدموا في السنوات الأربع الماضية أي حل، وأن أزمة من هذا الحجم لا يمكن أن تحلها حكومة تصريف أعمال، ولا بد من إعادة تكوين الهيئة السياسية لإعادة تكوين الهيئة المصرفية، ولا بد من رئيس جمهورية وحكومة تتمتع بثقة مجلس النواب، الذي يجب أن يكون مشرعاً حقيقياً ومتكاتفاً ومتضامناً في إخراج البلد من أزمته.
أسئلة في توقيت الزيارة الأميركية ومضمونها
من جهته يرى الكاتب والباحث في الشؤون المالية والاقتصادية البروفيسور مارون خاطر أن زيارة المسؤول في وزارة الخزانة الأميركية سلطت الضوء مجدداً على الأزمة اللبنانية المتشعبة والبالغة التعقيد. إلا أن الزيارة بحسب رأيه تطرح تساؤلات عديدة لناحية توقيتها ومضمونها، ففي التوقيت، تأتي الزيارة في وقت يراوح فيه الانهيار منذ سنوات ويستمر تحلل مؤسسات الدولة وأجهزتها الرقابية ويقف القطاع المصرفي على رصيف الاقتصاد النقدي المتفشي والدولة الغائبة، وكل ذلك يجعل الزيارة تبدو متأخرة لناحية هدفها الاستباقي. أما في المضمون، فهي هدفت إبلاغ لبنان مخاوف محددة تتعلق بوصول التمويل إلى جهات داخلية وخارجية. ويكشف خاطر عن أن تركيز المسؤول في الخزانة الأميركية لم يقتصر على عمل شركات الخدمات المالية المرخصة وغير المرخصة، بل تعداه ليصل إلى الاستفهام عن التعميم 165 الصادر عن مصرف لبنان، والذي سمح بفتح حسابات جديدة بالدولار وعن عرقلة إعادة هيكلة المصارف.
وفي قراءة تحليلية لتوقيت الزيارة ومضمونها، يتبين وفق البروفيسور خاطر أن الشك في امتثال المصارف والمؤسسات المالية المرخصة للمعايير الدولية إنما يدل على أن المشكلة بنوية، متمددة وتتعلق بغياب دولة القانون. فالمصارف والمؤسسات المرخصة يتابع خاطر تخضع نظرياً للقانون 318/2001 المعني بمكافحة تبييض الأموال والإرهاب، بالتالي لهيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان التي أنشأها هذا القانون. والتناغم بين حاجة المصارف للسيولة والتدخلات السياسية من جهة، وتقاعس هيئة التحقيق الخاصة عن القيام بعملها والامتداد الزمني للانهيار من جهة أخرى، أدى إلى جعل عدم تطبيق هذا القانون واقعاً وإلى جعل الشك مشروعاً وتسهيل قطعه باليقين.
المشكلة في مكان آخر
ويعتبر الباحث في الشؤون المالية والاقتصادية أيضاً أن فقدان الثقة بالقطاع المصرفي وازدهار ثقافة الابتعاد عن الشركات المرخصة قلص إلى أبعد حد حجم العمليات التي تمر عبر المصارف وعبر هذه الشركات، مما يجعل المشكلة في مكان آخر. ويضيف "ليس استناد نائب مساعد وزير الخزانة الأميركية إلى التقرير الأخير للبنك الدولي الذي يعتبر أن الاقتصاد النقدي يشكل 46 في المئة من الناتج القومي للبنان إلا تأكيداً على أن المشكلة إنما تكمن في تنامي هذا الاقتصاد". ويرى خاطر أن حصر توصيف المشكلة والتوصيات بشركات الخدمات المالية غير المرخصة أو حتى بتلك المرخصة ينتقص من دقة التشخيص ومن صوابية المعالجات، خصوصاً أن التقرير المشار إليه يرتكز إلى تقدير خبراء بسبب عدم وجود بيانات مما يضع الحدود تحت المجهر ويزيد من احتمال أن تكون النسبة المشار إليها أعلى. أما السؤال الأبرز بحسب خاطر فيتعلق بالمبرر لاستعمال المصارف والشركات المرخصة وغير المرخصة في ظل وجود حدود غير مضبوطة، وكيف يطلب من بلد أن يطبق قوانينه وعدالته غائبة وحدوده سائبة؟
بحسب خاطر إن تبديد الشكوك لن يكون ممكناً من دون استقرار سياسي يرسي دولة القانون ويعيد تفعيل المؤسسات ويسلط سيف العدالة من المصارف إلى شركات الخدمات إلى الحدود. أما الحل فيكون عبر المساعدة على انتخاب رئيس وتشكيل حكومة جامعة والعبور نحو المؤسسات، وعندها يتابع خاطر يصبح البلد قادراً على الامتثال للمعايير الدولية ويعود مستقطباً للاستثمارات.