هل تتشكل الحكومة قبل إنجاز الاستحقاق الرئاسي؟

رئيس الجمهورية أولاً أو الحكومة، هكذا تحوّل الجدال في البلد، وهكذا تمضي اليوميات السياسية في ما تبقى من المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس العتيد التي باتت 24 يوماً، فيما الغليان الاجتماعي المعيشي الى ازدياد ومشاهده تتكرر بحالات اقتحام المصارف من المودعين.

في هذا السياق، توقّع النائب السابق علي درويش أن تتشكل الحكومة قبل إنجاز الاستحقاق الرئاسي، مستنداً لما جرى في جلسة الانتخاب الأولى، اذ إن هذا يؤشر الى أن انتخاب الرئيس في الجلسة الثانية غير مضمون.

درويش وفي حديث مع جريدة "الأنباء" الالكترونية لفت الى امكانية تشكيل الحكومة في حال صفت النوايا لدى الأطراف المشاركة، كاشفاً أن الجو الذي سبق سفر الرئيس نجيب ميقاتي الى الخارج كان جيداً وكان يقتضي إجراء بعض التعديلات على الحكومة الحالية، لكن بعد عودته توسّعت الأمور وأصبح هناك خوف فعلي من عدم إرضاء كل الأطراف التي تسعى لتحقيق مكاسب معينة على حساب قوى أخرى، وهو ما دفع الرئيس المكلف الى إعادة دراسة خياراته خاصة وأن الحكومة الجديدة تتطلب ثقة مجلس النواب لذلك نجده يدرس خطواته جدياً، مع الاشارة الى انه مستعجل جداً لتشكيل الحكومة من دون أن يحدد وقتاً لذلك أو إعطاء ترجيحات، لكن الأمور وصلت الى نتيجة مقبولة، رافضاً تحديد مهل زمنية كي لا يدخل في بازار التكهنات.

وفي سياق متصل، أكد معنيون بهذا الملف لـ"الجمهورية" انّ الطبخة الحكومية الجديدة نسفت في آخر لحظة، حيث انها كان يفترض ان تولد نهاية الاسبوع الماضي او مطلع الاسبوع الجاري على أبعد تقدير، خصوصاً ان كل الامور كانت منتهية ولم يبق سوى اعلان ولادة الحكومة، الا ان جملة شروط برتقالية عادت الى البروز في آخر لحظة، وأحبطت كل هذا المسار.

وكشف هؤلاء المعنيون انّ الصيغة الحكومية كانت سالكة بتغييرات طفيفة تطال ثلاثة او اربعة وزراء باتوا معروفين (وزراء الاقتصاد والمهجرين والمال)، الا ان الشروط الجديدة تفضي الى خلط التركيبة الحكومية من جديد، بما ينسف التشكيلة المقدمة من الرئيس المكلف، عبر استبدالات متعددة وإدخال وجوه جديدة تشكّل "محميات" للبعض داخل الحكومة، بما يحبط الهدف من تشكيلها كحكومة متجانسة، وكفريق عمل واحد، ويُفقدها عنصر القوة في التصدي للأزمة وتسيير شؤون البلد في اكثر مراحله صعوبة.

وبقدر ما وجدت اوساط الرئيس المكلف في هذه الشروط إصراراً على تعطيل مسار التأليف، بالقدر نفسه وربما اكثر كانت هذه الشروط المفاجئة صادمة للوسطاء الذين، وبحسب معلومات "الجمهورية"، عادوا الى التحرّك المكثف من جديد سعياً لرفع هذه الشروط من طريق الحكومة، خصوصاً ان الوقت، وكما تقول مصادر مسؤولة لـ"الجمهورية"، اصبح اكثر من ضيّق، والمدى المُتاح لتأليف حكومة جديدة كاملة المواصفات والصلاحيات لا يتعدّى اياماً معدودة سقفها الأبعد الاسبوع المقبل. فإن تألّفت خير للبلد، وإن لم تتألف فمعنى ذلك سقوط البلد في فراغ حكومي، مفتوحَين على شتى الاحتمالات السلبيّة، التي سترتد بآثارها الوخيمة على مجمل الملفات الداخلية.

واكدت المصادر انّ ما استجدّ في ملف الترسيم البحري، يفرض الاستعجال بتشكيل حكومة كاملة المواصفات والصلاحيات تواكب تطوراته مع الحديث الذي يبدو جديا عن قرب توقيع الاتفاق النهائي حوله بين لبنان واسرائيل، حيث انه في ظل فراغ حكومي، قد لا يكون هذا الملف بمنأى عن التأثيرات السلبية التي سيدفع ثمنها لبنان. وتبعاً لذلك فإنّ وضعنا اليوم دقيق وحساس جدا، ما يوجب علينا ان نختار بين امرين، فإمّا ان نبدأ بالعد التنازلي الايجابي نحو تأليف حكومة تدير البلد بعناية ومسؤولية في هذه المرحلة، وامّا ان نبدأ العد التنازلي نحو السقوط في المحظور الذي ستكون كلفته باهظة على الجميع، وعلى البلد بالدرجة الاولى.