لبنان "على الحبل المشدود" في انتظار "الخيط الأبيض من الأسود" لـ"أيام التفاوض"

... غداً لناظره قريب. هكذا بدا المشهدُ أمس في بيروت عشية الخميس المصيريّ في الدوحة والذي يتم التعاطي معه على أنه سيرسم حداً فاصلاً بين مرحلةٍ وأخرى، فإما يشكّل «كاسحةَ الألغامِ» من أمام «مقترح بايدن» لوقف النار في غزة وتالياً يوفّر «شبكة أمان» لهبوطٍ ناعم للإقليم برمّته من أعلى منحدرٍ يقف عليه مع الحرب الواسعة التي تطرق الأبوابَ، وإما يحرق جميع أطراف الصراع المباشَرين المَراكب وتدخل المنطقةُ، خصوصاً لبنان ومعه إيران هذه المرة... «منطقة الأعاصير».

ومع العدّ العكسي للمفاوضاتِ الحاسمة حول غزة والمرشّحة لأن تستمرّ أياماً، ما لم يبرز ما يبرّر قطْعَها من «أول دخولها»، كان المشهد اللبناني:
- عين على ارتفاع «حرب السقوف» ولاسيما النفسية إلى أعلى مستوى على جبهة التفاوض، وسط إشاراتٍ متناقضة من «حماس» حيال مشاركتها في الجولة الجديدة من المحادثات في قطر، والتي عبّر عنها تارةً قولُ إنها لن تَحضر ثم تسريب أنها «لن تشارك ولكنها منفتحة على لقاء الوسطاء بعد الاجتماع».

على أن أوساطاً مطلعة أبدتْ اقتناعاً بأن الحركةَ لا يمكن أن تمنح بنيامين نتنياهو «هديةً» في الشكل يمكن أن تحجب جوهرَ المشكلة الكامنة في إغراقه المفاوضات بشروطٍ وكأنها «عبوات ناسفة»، وتالياً «تَحَمُّل الجريمة» عنه.

من هنا، وفي الوقت الذي سيرسل نتنياهو كامل وفد التفاوض الإسرائيلي، استبعدت الأوساطُ أن تغيب «حماس» عن محطةٍ جرى تقديمها على أنها النافذة الأخيرة لـ «النفاذ» باتفاقٍ حول غزة يمنع تَدَحْرجَ كرة النار - التي «التهمتْ» القطاعَ وناسَه - إلى عموم المنطقة، في ضوء استمهالٍ ضمني من «حزب الله» وإيران للردّ على اغتيال إسرائيل القيادي الكبير (في الحزب) فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت وإسماعيل هنية في قلْب طهران وذلك في انتظار تبيانِ الخيط الأبيض من الأسود في خميس التفاوض غير المباشر، وعلى قاعدةِ أن وقفَ الحرب في غزة قد يكون بديلاً يعوّض عن ضربةٍ بدا «محور الممانعة» مكرَهاً عليها ويستعدّ نتنياهو بإزائها لردّ أقسى على الردّ ضدّ إيران والحزب.

هوكشتاين و... الصنارة

- وعيْن على محطة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين في بيروت التي أجرى فيها أمس محادثاتٍ مع كبار المسؤولين رَفَعَ فيها عنوانَ أن الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» مازال يمكن تجنُّبها وأنه «لم يعد هناك وقت أو أعذار من أي طرف لتضييع الوقت ولتأخيرٍ إضافي لبلوغ وقف نار في غزة»، معتبراً «ان الوصول إلى الصفقة حول غزة سيساعد أيضاً في إيجاد حل دبلوماسي ملحّ وضروري في لبنان، وهذا سيمنع حصول انفجار او حرب أوسع»، ومؤكداً أن «العمل يجري على مختلف المستويات الدبلوماسية وفي كل العواصم لإنجاح الحل الدبلوماسي الذي دعا إليه الرئيسان الأميركي والمصري وأمير قطر، وستتم مناقشته في اجتماعات الدوحة التي تبدأ الخميس وستستمرّ أياماً عدة»، ومعتبراً «أن القرار 1701 هو ضمانة الاستقرار في الجنوب».

وبدا من محادثات هوكشتاين التي شملت رئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي (في حضور وزير الخارجية عبدالله بو حبيب) وقائد الجيش العماد جوزف عون ووفد من نواب المعارضة، أن الموفدَ الأميركي الذي سلّم بـ«وحدة الساحتين» (بين جنوب لبنان وغزة) يحاول استباقَ استئناف مسار التفاوض - رغم صعوبات استيلادِ صفقةٍ حول غزة وفق المؤشرات حتى الساعة - بمعاودةِ رمي «صنّارة» وحدةِ الحلّ ومحاولة التذكير بركائز «اليوم التالي» لبنانياً والقائمة على الـ 1701 و«ملحقاتٍ» له على شكلِ ترتيباتٍ أمنية مُمَرْحَلة في منطقة جنوب الليطاني تتطلّب تعزّيز حضور الجيش اللبناني فيها مع قوة «اليونيفيل».

وفي حين تمت مقاربة زيارة هوكشتاين بوصفها تأكيدا على أن إطار الحلّ، المتمحور حول الـ 1701 وابتعاد «حزب الله» عن الحدود ستبقى المسار الوحيد الذي سيَحْكم الوضعَ على جبهة الجنوب، سواء حصلت حرب واسعة أم لا، فإن مصادرَ سياسية رأتْ أن وصول الموفد الأميركية عشية المفاوضات حول غزة وعلى وهج تهديد إسرائيل برفْع التصعيد فور ردِّ «حزب الله» وإيران عليها، يعكس محاولةً لـ «استظلال» هذا المناخ الضاغط للحضّ على تَراجعاتٍ يمكن أن «يسوّقها» لدى تل أبيب للتخفيفِ من ردّ فعْلها على أيّ ضربةٍ على قاعدة أن ثمة مساراً واعداً لحلولٍ «غير قيصرية» وليس بالضرورة أن تأتي فوق... الحطام.

التطويع في الجيش والـ 1701

وإذ تَقاطع كل من بري وميقاتي على تأكيد «تمسك لبنان بالتمديد لمهام(اليونيفيل)وفق منطوق القرار 1701 الذي يطالب لبنان بتطبيقه كاملاً منذ اللحظات الأولى لصدوره عام 2006» وأن «مدخل الحل بوقف النار في غزة، وتطبيق الـ 1701 الذي يضمن استقرار الجنوب»، برز قرار مجلس الوزراء اللبناني أمس بالموافقة المبدئية على تطويع 1500 جندي لصالح الجيش اللبناني.

والبارز أن حيثيات القرار، الذي تمت الموافقة عليه بناء على اقتراح ميقاتي، ارتكزت (وفق محضر الجلسة) على عرض قدّمه رئيس الحكومة «حول المرحلة الدقيقة التي يشهدها لبنان والمنطقة ككل، والتي تهدد بالانفجار الشامل، في ظل ازدياد الضغوط الدولية وتزايد عدد زيارات الموفدين الدوليين المطالبة بتنفيذ التزامات لبنان الدولية لاسيما المتعلقة بالتطبيق الشامل للقرار 1701 بمندرجاته كافة».

ووفق المحضر فإنه «بعد التواصل مع قيادة الجيش، تبين لرئيس مجلس الوزراء أن هذه الأخيرة، وفي ظل تطور الأحداث في غزة وتدهور الوضع في الجنوب وإمكان الدخول في حرب مفتوحة، قد قامت بوضع خطة لتعزيز قدرات وحداتها المنتشرة في الجنوب، مساعدة المواطنين الجنوبيين على العودة إلى قراهم، دعم نشاطات إصلاح البنية الحيوية، مؤازرة مختلف أجهزة الدولة عند تنفيذها للمهام المنوطة بها وزيادة التنسيق والتعاون مع قوات الـيونيفيل لتطبيق القرار 1701 بمختلف مندرجاته، وأن الخطة المذكورة آنفاً تقوم على تطويع 6 آلاف جندي لصالح الوحدات المنتشرة في الجنوب على 4 مراحل تبدأ بـ المرحلة صفر (المرحلة الحالية) وترتكز الجهود فيها على تحسين الخطط، تعزيز التنسيق مع الجهات المانحة لتأمين التمويل واستكمال الاستعدادات اللوجستية والإدارية لاستدعاء المتطوعين الجدد».

وتقوم المرحلة الأولى «(تبدأ بعد الحصول على الموافقة السياسية) على استدعاء أول دفعة من المتطوعين وعددهم 2000 جندي، تجهيزهم وتدريبهم بالتوازي مع بدء استقبال المعدات والتجهيزات من الدول المانحة وبدء استقبال طلبات التطويع للدفعة الثانية. والمرحلة الثانية وتنطلق بعد إدخال الدفعة الأولى من المتطوعين بالوحدات المنتشرة في الجنوب وتضم نفس الخطوات المتبعة في المرحلة الأولى (...)».

وبناءً عليه، قرر المجلس«السير بالمرحلة الأولى من خطة قيادة الجيش، وبالتالي الموافقة المبدئية على تطويع 1500 جندي لصالح الجيش، وعلى أن يصار إلى السير بالإجراءات اللازمة بحسب الأصول بالتنسيق بين وزارتي الدفاع الوطني والمال».

صواريخ ارتجاجية في الجنوب

وفي موازاة ذلك، ووسط استمرار «التكهناتِ» حيال موعد ردّ كل من «حزب الله» وإيران، برز انتقال جبهة الجنوب إلى مرحلة غير مسبوقة من التصعيد عبّر عنها تدشين إسرائيل استخدام صواريخ ارتجاجية خارقة للتحصينات، وهو ما ساد اعتقاد بأنه قد يكون مرتبطاً بأهداف «تحت الأرض».

وغداة غارة إسرائيلية ليل الثلاثاء على بلدة كفركلا استُخدمت فيها ثلاث قنابل ارتجاجية أدت إلى تدمير 4 منازل ونشر الإعلام الإسرائيلي أنها «قنابل MK-84 مزودة بمجموعة GBU-31 JDAM أسقطت من طائرة أف - 35»، استهدف الطيران الحربي أمس بلدة عيتا الشعب بصاروخين ارتجاجيين أحدث انفجارهما دوياً تردّد صداه حتى منطقتي صور والنبطية.

17 جريحاً

وفي موازاة ذلك، أغارت مسيّرة إسرائيليّة على دراجة ناريّة وسيارتين في بلدة العباسية ما أدى بحسب«مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة اللبنانية»إلى سقوط 17 جريحاً (بينهم 4 سوريين وفلسطيني وامرأة وطفلة عمرها 8 سنوات) بينهم أربع حالات حرجة.

ورداً على غارة العباسية ‏قصف «حزب الله» مستعمرة ‏كريات شمونة بِصليات من صواريخ الكاتيوشا، كما هاجم"بأسراب من المسيرات الانقضاضية تجمعاً مستحدَثاً ‏لجنود العدو ‏في شمال أبيريم رداً على اغتيال 2 من عناصره أول من امس بغارة على برعشيت، علماً أنه كان استهدف في الإطار نفسه ليل الثلاثاء قاعدة جبل نيريا (مقر قيادي كتائبي تشغله حاليا قوات من لواء غولاني) بصليات من صواريخ الكاتيوشا».

2312 إصابة بينها 547 وفاة منذ بدء المواجهات جنوباً

نشرت وزارة الصحة العامة اللبنانية التقرير التراكمي للطوارئ الصحية (حتى تاريخ 13 أغسطس) وأظهر أنّه تم تسجيل 2312 إصابة، منها 547 وفاة منذ بدء المواجهات في جنوب لبنان.

هوكشتاين: الآن وقت الحلّ

أكد الموفد الأميركي آموس هوكشتاين أنه زار لبنان «بناء لطلب الرئيس جو بايدن قبل انطلاق المفاوضات للوصول الى وقف لإطلاق النار في غزة»، معتبراً «ان ذلك سينعكس إيجاباً على لبنان»، ومشيراً الى «أن أمد الصراع في المنطقة قد طال بما فيه الكفاية وآن الأوان لدوامة الحرب أن تتوقف».

وقال هوكشتاين بعد لقاء لأكثر من ساعة مع رئيس البرلمان نبيه بري: «عندما كنت في لبنان في آخر زيارة لي في شهر يونيو الماضي وقفتُ هنا وقلتُ للجميع إننا نؤمن بأن النزاع قد استمر لفترة طويلة، وان حلاً ديبلوماسياً ممكناً وملحاً بات ضرورياً. وذلك كان صحيحا حينها، وللأسف مازال صحيحا اليوم».
وأضاف: «نؤمن بأن الحل الدبلوماسي مازال ممكناً الوصول اليه لأننا نعتقد ونؤمن أن لا أحد يريد حرباً شاملة بين لبنان وإسرائيل، ونعرف أن الصراع بين الطرفين قد تصاعد منذ آخر زيارة الى لبنان، وقد تحدثت مع دولة الرئيس نبيه بري عن الوضع في لبنان والحاجة الى خفض التصعيد عبر الخط الأزرق وفي المنطقة». وتابع ان «الرئيس بايدن يعمل من دون كلل للقيام بذلك ويركز عمله أيضاً للوصول إلى صفقة لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى، وطلب مني العودة الى لبنان قبل معاودة المفاوضات، وتحدثتُ مع الرئيس بري عن الاتفاقية المطروحة على الطاولة حول وقف النار في غزة. وأعتقد أننا توافقنا أنه لم يعد هناك وقت أو أعذار من أي طرف لتضييع الوقت وأن الوصول الى الصفقة سيساعد أيضاً في إيجاد حل دبلوماسي هنا في لبنان وذلك سيمنع من حصول انفجار او حرب أوسع. وبالتالي الاتفاق سيوجِد الظروف المناسبة لعودة النازحين الى منازلهم وبالتالي سيتمكن الجانبان من العيش بأمان على طرفي الحدود، علينا الاستفادة من هذه النافذة في العمل الدبلوماسي والحل الدبلوماسي والوقت لذلك هو الآن».
ورداً على سؤال عن الرسالة التي حملها الى لبنان واللبنانيين؟ قال «رسالتي الى الشعب اللبناني بسيطة أعتقد ان اميركا توافق مع الشعب اللبناني الذي يريد ان يعيش حياته بأمن وسلام وازدهار، وألا يعيش تحت التهديد المستمر الناجم عن النزاعات والحروب، هذه الرسالة نريدها للجميع في المنطقة التي عانت بما يكفي، فكلما مر الوقت بالتصعيد والتوتر والنزاع اليومي كلما تصبح إمكانية حصول حوادث يدفع ثمنها المدنيون وقد تخرج الأمور عن السيطرة. لذلك الوقت الآن هو للعودة الى الاتجاه الصحيح».
وأضاف: «رسالتي للشعب اللبناني واضحة وهو ما قاله الرئيس بايدن أخيراً، العودة الى المفاوضات كسبيل ملح لوقف إطلاق النار في غزة واطلاق سراح الأسرى ووضع حد لما يجري، وهنا في لبنان نحن نؤمن وبحاجة للوصول إلى نهاية لهذه الأزمة اليوم. وموقفنا لا يؤيد ربط الأزمات في المنطقة، ولكننا ندرك ونفهم أنه علينا العمل معا لوضع حد للنزاع في قطاع غزة».
يُذكر أن بري جدد التأكيد والمطالبة بـ «ضرورة وقف الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة ولبنان منذ أكثر من 10 أشهر»، مبدياً «قلقه الشديد من الخطوات التصعيدية التي تقدم عليها المستويات السياسية والعسكرية الإسرائيلية من خلال سياسة الاغتيالات العابرة للحدود سواء ما حصل في العاصمة الإيرانية طهران أو العاصمة اللبنانية بيروت ناهيك عن سلسلة المجازر الإسرائيلية اليومية التي ترتكب في حق الأطفال والمدنيين في قطاع غزة ولبنان وليس آخِرها ما حصل في حق المصلين فجراً في مدرسة التابعين في قطاع غزة».