المصدر: العربية
الأحد 19 كانون الثاني 2025 22:09:25
في لحظة هامة من التاريخ الأميركي، يعود الملياردير الجمهوري، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض.
هذه العودة تحمل في طياتها آمالا ومخاوف في نفس الوقت: آمال من انتخبوه لتغيير الكثير من الأوضاع القائمة، ومخاوف منتقديه وخصومه اللدودين من حقبة يرون أنها لا تبشر بالخير.
والاثنين، سينصب ترامب رسميا رئيسا للولايات المتحدة، بعد فترة انقطاع أربع سنوات.
لكن لا يغيب عن الذاكرة الأميركية أبدا أنه في مثل هذا الشهر، قبل نحو أربع سنوات، اقتحم أنصاره مقر السلطة التشريعية، لتقع أحداث "تمرد" تاريخية.
وكان ترامب، الرئيس في ذلك الوقت، أطلق حملة سعى من خلالها لإقناع الأميركيين بأن الانتخابات سُرقت منه وبأنه هو الفائز الحقيقي، وليس الديمقراطي جو بايدن.
كما حاول، بحسب معارضيه، الضغط على نائبه حينها، مايك بنس، كي يرفض المصادقة على فوز منافسه.
ويوم التصديق، تظاهر آلاف من مناصري ترامب وهاجموا الكابيتول وقوات الشرطة بالقضبان المعدنية وأعمدة الأعلام، فيما حطموا النوافذ وهتفوا "الإعدام لمايك بنس".
ورغم هذه الأحداث، استطاع النواب التصديق على فوز بايدن.
لكن بعد أربع سنوات، صوت معظم الناخبين في آخر اقتراع رئاسي لصالح ترامب، الذي أصر على أنه لم يرتكب أي خطأ.
زعيم الغالبية الجمهورية الجديد في مجلس الشيوخ، جون ثون، عبر مؤخرا عن موقف جميع أعضاء حزبه تقريبا عندما قال "لا يمكنكم النظر في المرآة الخلفية".
وبالنسبة لليمين، تمثل عودته الأمل في مستقبل تعود فيه البلاد إلى القيم الاجتماعية المحافظة وتحقيق الرخاء الاقتصادي للمواطنين العاديين بعد فترة شهدت ارتفاعات تاريخية في معدلات التضخم.
لكن آخرين يخشون ولوج حقبة مظلمة يسود فيها الانغلاق على الذات، والتطرف الإيديولوجي، وعدم التسامح.
ووعد ترامب بعيد انتخابه الأخير بسلسلة من الأوامر التنفيذية التي سيتخذها في اليوم الأول لرئاسته، ستشمل العفو عن الأشخاص الذين نفذوا تحرك السادس من يناير 2021، الذين وصفهم بأنهم "رهائن" و"سجناء سياسيون".
تعهد أيضا باتخاذ موقف صارم من نحو 11 مليون مهاجر غير شرعي في الولايات المتحدة. وقال خلال حملته الانتخابية "عندما يعاد انتخابي، سنبدأ... أكبر عملية ترحيل في تاريخ أميركا".
وبحسب ما كشفت الصحفية كريستين ويلكر من شبكة "أن بي سي" التي أجرت مقابلة حصرية معه، مؤخرا، فإن الحملة ستحدث "بسرعة كبيرة".
وبدأ العديد من المهاجرين في الولايات المتحدة بالفعل في مغادرة البلاد طواعية لتجنب الترحيل القسري، بينما يقول اليمين إنها خطوة جيدة لحماية الاقتصاد الأميركي.
ومن المتوقع أن يدفع ترامب بأجندة اقتصادية واجتماعية تروق لمؤيديه، لكن اليسار يرفضها بقوة.
وكان الاقتصاد أحد المحاور الرئيسية التي ساهمت في عودة ترامب بعد ارتفاع أسعار مواد البقالة، وتكاليف الرهن العقاري، وقروض السيارات.
وبينما ظلت البطالة منخفضة، وارتفعت الأجور، وانخفض التضخم في الشهور الماضية، لم يتمكن الديمقراطيون من إقناع غالبية الأميركيين من أنهم في وضع أفضل مما كانوا عليه.
وشعر العديد من الأميركيين بالحنين إلى اقتصاد ما قبل جائحة كورونا عندما كان ترامب رئيسا، وكانت الأسعار وقتها أقل.
تعهد ترامب أيضا بإنهاء حق المواطنة بالولادة، ووصفه بأنه "سخيف"، لكن حق المواطنة بالولادة مضمون بموجب الدستور الأميركي، وفق منتقديه الذين تعهدوا بأنهم سيقفون ضد محاولات من هذا القبيل.
وتعهد بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25 في المئة على السلع المستوردة من المكسيك وكندا، أكبر شريكين تجاريين للولايات المتحدة، ردا على ما يقول إنه فشل البلدين في وقف تدفق المخدرات والمهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة.
وأثار ذلك مخاوف من إطلاق العنان لحرب تجارية مع جاري الولايات المتحدة، تزامنا مع تهديدات أخرى بفرض تعريفات جمركية بنسبة 10 في المئة على المنتجات الصينية، في إضافة إلى التعريفات الجمركية الحالية على الصين التي تعود إلى ولايته الأولى.
وتأتي رئاسة ترامب وسط انفراجة في ملف الحرب في غزة، إذ تم التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار قبل ساعات من يوم التنصيب.
وجاءت هذه الانفراجة بعد أن حذر من أن "جحيما سوف يندلع في الشرق الأوسط" إذا لم تطلق حركة حماس سراح الرهائن الإسرائيليين لديها قبل تنصيبه.
وسرعان ما نسب لنفسه الفضل في التوقيع على الاتفاق.
وتأتي الرئاسة وسط آمال في إنهاء الحرب في أوكرانيا، رغم أنه من غير الواضح كيف يمكن ذلك.
وبعد أن وعد خلال الصيف بإنهاء الصراع المستمر منذ نحو ثلاث سنوات "في 24 ساعة"، اقترح ترامب مؤخرا جدولا زمنيا يمتد عدة أشهر.
وفيما يتعلق بقضايا المناخ، يخطط الرئيس المنتخب لإلغاء بعض السياسات الرئيسية التي تبنتها ادارة بايدن، مثل الإعفاءات الضريبية للسيارات الكهربائية.
ووعد ترامب المتشكك عموما في قضايا المناخ بـ "الحفر، يا عزيزي، الحفر" للتنقيب عن النفط والغاز.
ويأمل ملايين الأميركيين الذين رفضوا حظر "تيك توك" أن يصدر قرارا بتجميد الحظر 90 يوما إضافية، وهو ما وعد به بالفعل، الأحد.
وقد أعلن الرئيس المنتخب أنه يقترح أن يستحوذ مساهمون أميركيون على 50 في المئة من الفرع الأميركي للتطبيق المملوك لشركة صينية، مشيرا إلى أن الأمر التنفيذي الذي سيُصدره سيتيح وقتا كافيا "لنتمكّن من عقد صفقة"، علما بأن التطبيق بات اعتبارا من الأحد غير متاح في الولايات المتحدة.
ومن المرجح أيضا أن يسعى إلى جعل المناهج الدراسية في المدارس أكثر تحفظا وهو ما أثار مخاوف حقوقية.
وقال ترامب في ديسمبر "بجرة قلمي في اليوم الأول، سنوقف جنون المتحولين جنسيا"، متعهدا "إنهاء تشويه الأطفال جنسيا، وإخراج المتحولين جنسيا من الجيش ومن مدارسنا الابتدائية والمتوسطة والثانوية".
وأعلن أن حكومة الولايات المتحدة ستعترف بجنسين فقط، الذكر والأنثى.
ومن بين خططه أيضا خفض التمويل الفيدرالي للمدارس التي تبنت "نظرية العرق النقدية"، وهو نهج ينظر إلى تاريخ الولايات المتحدة من زاوية عنصرية وفق ما يراه البعض.
ومن المتوقع أن تدخل بعض وعود ترامب حيز التنفيذ، خلال الأيام الأولى، من توليه منصبه.
لكن بعض هذه القرارات ستكون صعبة مثل قرار إلغاء حق المواطنة بالولادة.
ومع ذلك، يأمل أنصاره في اتخاذ إجراءات سريعة في الاقتصاد والهجرة.