المصدر: نداء الوطن
الكاتب: جان الفغالي
الجمعة 23 أيار 2025 08:23:43
حين كانت طائرة الرئيس الفلسطيني محمود عبَّاس، أبو مازن، تهم بالهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، كان ينظر من نافذة الطائرة، فيرى المخيمات الفلسطينية، ولا شك أن الذاكرة عادت به إثنين وخمسين عاماً إلى الوراء، وتحديداً إلى أيار، أي في مثل هذا الشهر، من العام 1973، حين اندلعت اشتباكات بين الجيش اللبناني و"جيش التحرير الفلسطيني"، وبلغت قساوة المعارك حدّاً دفع الجيش اللبناني إلى استخدام سلاح الطيران.
يذكر " أبو مازن" جيداً أنه كان في غرفة العمليات في أحد مخيمات بيروت مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، أبو عمَّار، وكان طرح موضوع السلاح الفلسطيني يُعتبر خيانة، حتى ولو كان الفلسطينيون يتجاوزون "اتفاق القاهرة" الذي وُقِّع قبل أربعة أعوام من تلك المعارِك، وذاك الاتفاق كان يقضي بتشريع السلاح الفلسطيني.
والواقع أن السلاح الفلسطيني في لبنان بدأ ينتهك السيادة اللبنانية والقوانين اللبنانية المرعية الإجراء، في أواخر عهد الرئيس شهاب وبداية عهد الرئيس شارل الحلو، الذي في السنة الأخيرة من عهده تم توقيع اتفاق القاهرة. "تواطأت" الدول العربية على أن يكون "السلاح الفلسطيني" أو "الفلسطيني المسلّح" في لبنان، من بين كل دول المواجهة، فالأردن ضرب الفلسطينيين في ما عُرِف بـ "أيلول الأسود"عام 1970، والرئيس حافظ الأسد لم يسمح للفلسطينيين الخارجين من الأردن بالبقاء في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سوريا، بل اشترط للسماح لهم بالدخول إلى سوريا، من الأردن، أن يكون مرورهم "ترانزيت" إلى لبنان، وهكذا كان، فدخلوا إلى لبنان وتوزعوا على مخيماته ليشكِّلوا مع المسلحين الفلسطينيين الآخرين،"بؤر توتر" على امتداد الجغرافيا اللبنانية.
انخرط الفلسطينيون في الحرب اللبنانية، من الرصاصة الأولى، وانحازوا إلى ما سمي "الحركة الوطنية"، وقاتلوا معها على كل الجبهات، حتى قيل "إن الفلسطينيين هم جيش المسلمين".
دخلت إسرائيل مرتين لأبعاد الفلسطينيين من الجنوب: المرة الأولى عام 1978، والثانية، وهي الأكبر، في اجتياح العام 1982، والذي أدى إلى خروج منظمة التحرير من لبنان إلى تونس.
كان يُفترض أن ينتهي موضوع السلاح الفلسطيني في لبنان بعد الاتفاق الفلسطيني- الإسرائيلي وعودة ياسر عرفات إلى الضفة الغربية، إذ لماذا يبقى السلاح الفلسطيني في لبنان فيما الرئيس الفلسطيني وقَّع اتفاقاً مع إسرائيل؟
بدءاً من ذلك التاريخ، ترسَّخ واقع أن السلاح الفلسطيني في لبنان بات في خدمة الأنظمة العربية، وتوزعت الفصائل الفلسطينية على الأنظمة العربية، وكانت في خدمتها وليس في خدمة "القضية الفلسطينية": "الصاعقة" عند النظام السوري، وجبهة التحرير العربية عند النظام العراقي، وحركة "حماس" اليوم عند إيران. ومعبِّر جداً كتاب "باتريك سيل" الذي حمل عنوان "أبو نضال – بندقية للإيجار".
وهكذا كما أصبح السلاح الفلسطيني في لبنان عبئاً على لبنان، أصبح أيضاً عبئاً على السلطة الفلسطينية، ولهذا أتى رئيس السلطة الفلسطينية، آخر "الأبوات" ورفيق "أبو عمار" ليسلِّم آخر بندقية في المخيمات، وينتهي من السلاح الذي أصبح عبئاً.