المصدر: نداء الوطن
الكاتب: سناء الجاك
السبت 1 تشرين الثاني 2025 07:39:38
في العصر الذهبي لحركة "فتح"، تُروى طرفة عن الراحل ياسر عرفات، مفادها سؤاله عن مصير "الكفاح المسلح" إذا ما استرجع فلسطين، ليجيب: "أبيعها وأرجع أناضل". لكن الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وخروج الفصائل الفلسطينية إلى تونس، دفع عرفات إلى الإقرار بالهزيمة، وبدء رحلته للتفاوض وصولًا إلى اتفاق أوسلو"، ليعود إلى جزء من أرض فلسطين.
بالطبع إسرائيل انقلبت على الاتفاق بعد اغتيال اسحاق رابين، وأحدثت شرخًا في الكيان الفلسطيني من خلال زرعها داخله حركة "حماس" واغتالت عرفات، ليقينها أن "النضال" في ظل انقسام أصحاب القضية واختلال موازين القوى يعود عليها بالربح والمكاسب.
وفي عصرنا هذا، يعتنق "حزب الله" المبدأ الفاشل ذاته. إذ بعد تحرير الأرض في العام 2000 وانسحاب إسرائيل باستثناء نقاط معروفة، كان يمكن التفاوض بشأنها لاستعادتها، باع التحرير ليحتفظ بشعار "المقاومة" بغية تثبيت نفوذ مشغِله الإيراني بعد خروج القوات السورية من لبنان بفعل جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وصولًا إلى هزيمة موصوفة العام الماضي. لكنه لم يفعل ما فعل عرفات ليحد من خسائره وخسائر الجنوبيين. فقد رفض الإقرار بالهزيمة، وبقي يتفاخر بانتصار لم يحصل، ويعلن بمناسبة وبلا مناسبة، أنه يستعيد جهوزيته العسكرية، وإن محدودة، كما صرح أمينه العام في الأسبوع الماضي، ليثبت العدو الصهيوني المعلومات المتعلقة بتهريبه الصواريخ حيث كان يخزنها في مناطق سورية، بالأدلة والتفاصيل. وكأن "الحزب" بذلك يستدرج المزيد من الاعتداءات الإسرائيلية. ومع كل اعتداء يشحذ همته، ويستنفر بيئته ويجيِّشها ضد الدولة اللبنانية "المقصّرة" و"العاجزة".
والمنطقي أنه لو توحد الفلسطينيون بعد أوسلو، وشرعوا ببناء مؤسسات وأطر حياة مقبولة، لما وصلت الأمور إلى ما هي عليه اليوم، ولكان على العدو الإسرائيلي أن يبذل مجهودًا أكبر ليتمكن من مواصلة اعتداءاته.
والمبدأ ذاته ينسحب على لبنان، اليوم أكثر من أي وقت مضى. فتفوق إسرائيل يساهم فيه "حزب الله" عندما يصنف نفسه طرفًا مستقلًا عن الدولة. يطالبها ويتهمها وكأنه كائنٌ من خارجها، وليس جزءًا منها، مشاركًا بنوابٍ ووزراء ومسؤولين في مؤسساتها، ولا هدف له إلا رصد ما يعتبره نقاطًا ضدها ليسجل أهدافه في مرماها. وعيده الكبير، كما يبدو، حين يرتكب العدو جرائمه بحق اللبنانيين ليصول ويجول ويجود... ولولا هذه الاعتداءات المتواصلة لخسر أوراقًا وأهدافًا.
فالواضح أن "الحزب" يفضل ألف مرة تكرار الاعتداءات الإسرائيلية، على أي حل يقضي بتسليم سلاحه إلى الشرعية والانضواء تحت راية الدولة ومساعدتها على البحث عن الوسائل لإنقاذ لبنان من خلال تسوية بمساهمة عربية ودولية تؤدي إلى انسحاب إسرائيل وإعادة إعمار ما هدمته بفضل "حرب الإسناد" المشؤومة، وعودة الجنوبيين إلى أرضهم.
فأي حل يجب أن يشكل مدخلًا لمكتسبات يسعى إليها "الحزب" داخل السلطة اللبنانية... وإلا فهو حاضر ليبيع مليون تحرير ويعود إلى "المقاومة".