المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الكاتب: جوانا فرحات
الثلاثاء 25 تشرين الثاني 2025 16:45:59
على هامش أخبار التهديدات الإسرائيلية وترقب رد حزب الله على اغتيال رئيس الأركان في حزب الله هيثم علي الطبطبائي الأحد الفائت في الضاحية الجنوبية، برز خبر الأحداث الطائفية المتصاعدة في مدينة حمص على الحدود مع لبنان، حيث اتخذت الجرائم طابعاً طائفياً بحق المسيحيين والعلويين مما يمهّد لموجة نزوح جديدة باتجاه الأراضي اللبنانية واحتمال وصول عناصر متطرفة إلى المناطق الحدودية ويعيد مشهدية التوترات الأمنية وعودة الخلايا الإرهابية النائمة إلى الواجهة.
ثمة من يظن أن حمص مدينة بعيدة عن بيروت أو طرابلس، أو أنها منفصلة عن الجغرافيا السياسية التي تطوّق لبنان منذ سنوات، لكنها تاريخياً معروفة بأنها نقطة تماس بين مكوّنات سورية متعددة، وممرّ نحو مناطق لبنانية لطالما تعاملت معها كامتداد جغرافي وحياتي. ومع عودة مشاهد الأحداث الدموية التي تحمل طابعاً طائفياً في ظل ضعف السلطة المركزية السورية، يُرجّح أن تأخذ الأحداث أشكالاً مختلفة من التفلت.
مصادر مطلعة تبدي لـ"المركزية" قلقها من توقيت هذه الممارسات الطائفية وانعكاسها على لبنان الذي يعيش بحسب قولها أحداثاً أمنية وأزمات اقتصادية في ظل مجتمع لا يزال يتخبّط تحت وطأة ملف النزوح السوري الذي لم يجد له لبنان حلولًا ناجعة منذ أكثر من عقد. وتلفت إلى أن أي اضطراب أمني في حمص قد يتحوّل إلى كرة نار تتدحرج نحو الداخل اللبناني، سواء عبر موجة نزوح جديدة لا قدرة للبنان على استيعابها، أو عبر تسلّل عناصر متطرفة تستفيد من الفوضى لتوسيع نفوذها في المناطق الحدوديّة في ظل الانقسام السياسي وغياب خطة واضحة لضبط الحدود.
وتحذّر المصادر من أن ما يجري في حمص ليس تفصيلاً ولا حدثًا عابراً، بل يؤشر إلى مرحلة قد تعيد فتح ملفات ظنّ اللبنانيون أنهم تجاوزوها.
توازياً، تُعقّب المصادر إلى أن الأجهزة الأمنية تتابع بقلق التطورات المتسارعة في مدينة حمص السورية المحاذية للحدود اللبنانية، وتعتبر أنّ استمرار هذه الدينامية الدموية تُنذر بإمكانية تكرار سيناريوهات نزوح عرفها لبنان في مراحل سابقة، خصوصًا أن حمص كانت ولا تزال إحدى المدن السورية الأكثر تصديرًا لموجات النزوح باتجاه الأراضي اللبنانية في وقت يعاني لبنان أساسًا من ضغط اقتصادي واجتماعي غير مسبوق.
والخطورة تتابع المصادر، أن تعمد العناصر الإرهابية إلى التسلل نحو المناطق الحدودية ضعيفة المراقبة، مستغلّةً حالة الفوضى والتفلّت الكبير، وتعتبر أن أي خرق من هذا النوع قد يضع المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية أمام تحديات إضافية في مرحلة تحتاج فيها البلاد إلى أعلى درجات الاستقرار.
إن استهداف المكوّنات العلوية والمسيحية داخل سوريا يخلق ضغطًا ديموغرافيًا وسياسيًا ينعكس على بنية الشبكات المجتمعية اللبنانية المُجاورة، ويعيد إحياء مشهد استغلال أطراف داخلية الأمر سياسياً أو أمنياً. في وقت تستفيد مجموعات مسلّحة هاربة من جبهات خسرتها أو تلك المعرّضة لاستهدافات بحثاً عن أراضٍ آمنة لإعادة تنظيم صفوفها وإيجاد ممرّات لوجستية.
انطلاقا من هذا الواقع، تخشى المصادر أن تعمد العناصر المتسلّلة إلى تجنيد عناصر محلية أو تشكيل خلايا نائمة. وفي بعض الأحيان يكون الهدف استدرار رد فعل لبناني أو إقليمي يؤدي إلى توتر سياسي أو انقسام داخلي يخدم أجندات خارجية أو إقليمية.
سيناريوهات عديدة تُطرح في ضوء المستجدات الحاصلة على الحدود الشرقية، في وقت كل العيون مصوّبة نحو الحدود الجنوبية. ومن أبرز النقاط التي تُضيء عليها المصادر، حصول مواجهات بين العناصر المسلحة التي تسللت عبر الحدود التي كانت مسرحاً لتنقل شبكات إرهابية مع الجيش أو عناصر تابعة لحزب الله كونها لا تزال موجودة في مواقعها بطريقة غير مرئية، وازدياد مستوى التوتر على طول الشريط الحدودي يترافق مع نزوح سكاني من القرى الحدودية، إضافة إلى موجة تخوّف على مستوى القرى المختلطة طائفيًا.
السيناريو الأسوأ قد لا يتقدم على ما سبقه، لكن التنبه ضروري تقول المصادر، بحيث تقوم خلايا مسلّحة أو مجموعات متطرفة بتوسيع نشاطها داخل لبنان، مستغلة حال الفوضى السياسية والاقتصادية لشنّ هجمات إرهابية أو إثارة نزاعات طائفية. ولا تخفي المصادر الدور الذي يقوم به الجيش اللبناني "فهو في حال جهوزية دائمة لكن التحدّي الحقيقي يرتبط بمحدودية الموارد، وبالانقسام السياسي الذي يعرقل اتخاذ قرارات سريعة وحازمة، وبفشل وجود خطة شاملة لاحتواء نزوح جديد أو لإدارة موجات أمنية مفاجئة".
انطلاقاً من هذه المشهدية الضبابية والسوداوية، تلفت المصادر إلى ضرورة اتخاذ تدابير استباقية عند الحدود البرية مع سوريا وفي مقدمها تعزيز الرقابة الحدودية بشكل عملي وإنشاء نقاط حراسة متحركة، والتعاون الاستخباراتي بين الأجهزة الأمنية وقوى محلية موثوقة لتتبع شبكات التهريب والتسلّل، واستخدام تقنيات رصد حديثة كمثل طائرات استطلاع قصيرة المدى، وكاميرات سريعة النشر، وتجهيز مراكز استقبال موقتة ووضع خطط توزيع مساعدات، مع إسناد لوجستي دولي إن لزم الأمر لتخفيف الضغط عن البلديات الحدودية.
"تسلّل المسلحين إلى لبنان ليس مجرد شائعة على صفحات مواقع التواصل، إنما واقع ينبثق من بيئة إقليمية متفجّرة وأحداث حصلت في سوريا خلال هذه السنة. وما نشهد عليه اليوم من أحداث طائفية ومجازر في أحياء مختلطة في سوريا، يغيّر قواعد اللعبة ويزيد من احتمال انتقال الأزمة إلى لبنان بدءاً من حدوده الشمالية وصولاً إلى طرابلس وبيروت. لذلك المطلوب الأخذ بتحذيرات الأجهزة الأمنية بجدية، والعمل فورًا على بناء قدرة احتواء تمنع تحوّل موجة نزوح أو تسلّل مسلّح إلى أزمة وطنية كبرى" تختم المصادر.