أخطاء بوتين في أوكرانيا.. أفغانستان جديدة وحديث عن "السيناريو الأسوأ"

خسائر عسكرية، واقتصاد يئن تحت وطأة العقوبات، وحديث عن "حرب استنزاف" طويلة، وقائع تعيد للأذهان سيناريو "سقوط الاتحاد السوفيتي" السابق، بحسب محللين تحدث معهم موقع الحرة.

في 9 مايو 2022 ، وبالتزامن مع "موكب يوم النصر السابع والعشرون لروسيا"، والذي تحتفل فيه البلاد بانتصار الاتحاد السوفيتي على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، وقف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وسط جنوده، متحدثا عن "ثبات جيشه في الدفاع عن الوطن"، رابطا الماضي السوفيتي بالحاضر الروسي، ومشيرا إلى "التصميم على مواصلة الحرب في أوكرانيا"، وفقا لمجلة "فورين أفيرز".

وتقول روسيا إنها أرسلت قوات إلى أوكرانيا لتقويض القدرات العسكرية لجارتها الجنوبية واجتثاث من وصفتهم بأنهم قوميون خطرون.
ودعا بوتين، الخميس، دول مجموعة بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) الى التعاون في مواجهة "الأفعال الأنانية" للدول الغربية، على خلفية العقوبات غير المسبوقة المفروضة على موسكو بسبب النزاع الأوكراني.

وندد بمحاولات هذه الدول الغربية "استغلال الآليات المالية لجعل العالم أجمع مسؤولا عن أخطائها في موضوع السياسة الاقتصادية العامة"، بحسب فرانس برس.

أفغانستان جديدة

حسب "فورين أفيرز"، فقد حاول بوتين "استعراض قوة الجيش الروسي"، لكن الانتكاسات العسكرية الروسية في أرض المعركة "كشفت زيف ذلك الادعاء"، وجعلت البعض يتوقع "انهيار نظام بوتين" على غرار الاتحاد السوفيتي المنحل.

يبدو أن ذلك السيناريو مرشح للتكرار، بسبب إطالة أمد الحرب "دون حسم عسكري واضح"، وفي ظل غياب "هدف استراتيجي روسي مرجو من الحرب"، وفقا للخبير بمركز تريندز للبحوث والاستشارات في الإمارات، يسري العزباوي.

وفي حديثه لموقع "الحرة"، يقول العزباوي، إن "روسيا – بوتين" تعي خطورة استمرار الحرب، لأنها "ستفتح بالباب لاستنزاف موسكو"، على غرار ما حدث مع الاتحاد السوفيتى السابق قبل أكثر من 42 سنة عندما غزا أفغانستان.

ويتفق مدير المركز الأوروبي للدراسات والاستخبارات في ألمانيا، جاسم محمد، مع الرأي السابق، مضيفا أن "الحرب تستنزف روسيا بالفعل على كافة الأصعدة"، لكن بوتين لا يهتم بذلك ويبحث عن "مكاسب بأي ثمن".

وفي حديثه لموقع "الحرة"، يشير جاسم محمد، إلى معاناة "روسيا اقتصاديا" بسبب العقوبات الغربية، و"معاناتها سياسيا" بعد خلق "فجوة كبيرة" مع دول الاتحاد الأوروبي، و"معانتها أمنيا"، في ظل رفض شعبي داخلي متصاعد للغزو.

وتشير "فورين أفيرز" إلى أن الحرب "ستضعف الدعم الشعبي للكرملين مع تزايد الخسائر والعقوبات التي تدمر الاقتصاد الروسي".

ووفقا لـ"نيويورك تايمز"، فإن روسيا والدول المتحالفة معها تواجه آلاما اقتصادية متزايدة بسبب "تأثير العقوبات وحظر الطاقة"، على الحملة العسكرية الروسية، ووضع "بوتين" السياسي الداخلي.

"أخطاء الماضي"
لكن تلك الوقائع قد تكون "غير كافية"، لتكرار سيناريو انهيار الاتحاد السوفيتي، فقد كانت "السياسات الاقتصادية المضللة" و "الأخطاء السياسية الكبرى"، للزعيم السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف، السبب الرئيس في "انهيار البلاد ذاتيا"، وفقا لفورين أفيرز.

فهل يكرر بوتين تلك الأخطاء، أم إنه قد تعلم من "دروس الماضي السوفيتي؟"

ارتكب بوتين بالفعل عدة أخطاء استراتيجية خلال غزو قواته لأوكرانيا، تتمثل في "مركزية اتخاذ القرار والانفراد بالسلطة السياسية"، والمبالغة في الحديث عن "قوة النظام"، وفقا للعزباوي.

ويشير العزباوي إلى "عدم توزان ذلك التعظيم للقوة مع القدرات الروسية العسكرية الحقيقة"، بالإضافة إلى "سوء التقدير السياسي"، الذي لم يقدر حجم الخسائر التي لحقت بالروس، عند التورط في الحرب بأوكرانيا. 

وخلال الأسابيع الأخيرة، قلصت روسيا من طموحاتها في أوكرانيا، مع التركيز على العمليات في شرق أوكرانيا واستخدام القصف بالمدفعية بعيدة المدى وغيرها من الأسلحة للتغلب على التحصينات الأوكرانية، وفقا لـ"رويترز".

وبعد 4 أشهر من غزو روسيا لأوكرانيا، فشلت القوات الجوية الروسية في السيطرة على المجال الجوي الأوكراني، وواجهت خسائر كبرى في العتاد والجنود، وفقا لـ"بيزنس أنسايدر".

وتشير "فوربس"، إلى معضلة تواجه القوات الجوية الروسية تتعلق بنقص التدريب والافتقار إلى طيارين مهرة، ما دفع روسيا إلى "البحث عن جنود مرتزقة لتعويض خسائرها البشرية".

ولتجنب نزيف الخسائر، تحاول روسيا تركيز تحركاتها العسكرية في "شرق أوكرانيا"، بهدف ضمها إلى جزيرة القرم التي استولت عليها عام 2014، وفقا للعزباوي.

هل يصمد بوتين؟
في الوقت الحالي نجحت موسكو في الصمود العسكري والاقتصادي، بسبب "قوة روسيا النفطية وإنتاجها من الحبوب والكثير من المعادن"، وفقا للعزباوي.

وتعد روسيا ثالث أكبر منتج للوقود الأحفوري في العالم، وتمتلك ثاني أكبر احتياطيات مؤكدة من الغاز الطبيعي، وثالث أكبر احتياطي للفحم في العالم.

تمتلك البلاد 6.4٪ من الاحتياطيات العالمية النفطية، وفقاً لـ"منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية".

 وتعد روسيا  أكبر مصدر للقمح في العالم بعد الاتحاد الأوروبي، وفقا لـ"رويترز".

لكن العزباوي يؤكد أن إطالة أمد الحرب سوف يستنزف تلك القدرات، وبالتالي لن تستطيع "موسكو" الصمود، خاصة إذ نجحت أوكرانيا والغرب في نقل المعركة إلى الأراضي الروسية.

وقد تنجح روسيا في الصمود "اقتصاديا" على المدى القريب، ويراهن بوتين "عسكريا" على "الظفر بالحرب بأي ثمن"، وقد يستخدم "سلاحا نوويا تكتيكيا" لتحقيق ذلك، لكنه سوف "يدفع ثمنا كبيرا"، وفقا لجاسم محمد.

وتشير "نيويورك تايمز"، إلى أن الاقتصاد الروسي يتكبد أضرارا متفاقمة مع طول أمد الحرب، خاصة وأن القيود المفروضة على صادرات التكنولوجيا إلى روسيا تعيق نمو صناعاتها تدريجياً.

ويري جاسم محمد أن اندفاع "بوتين" وسعيه لإعادة بناء أمجاد الاتحاد السوفيتي، هو الخطأ الاستراتيجي الأكبر لدى النظام الروسي.

ويؤكد أن بوتين لم يتعلم الدرس من سقوط الاتحاد السوفيتي، ومازال يتعامل "بفوقية" مع دول الاتحاد السوفيتي السابق، ولم توقفه الخسائر المتتالية عن "تحقيق طموحه الشخصي" المتمثل في أن يكون "القيصر الجديد".

وفي ظل الحلم الأمبراطوري للرئيس بوتين، وتطلعاته إلى "بناء مجد شخصي"، يصعب انسحاب روسيا من أوكرانيا في القريب العاجل، وفقا للعزباوي.

وأكد العزباوي أن الكثير من دوائر صنع القرار في روسيا تدرك أهمية إحداث نصر سريع "حتى ولو جزئي"، من أجل الدخول في مفاوضات لإقرار السلام مع الحفاظ على ما تحقق من مكاسب، "حتى لا يتكرر السيناريو السوفييتي". 

تشير "فورين أفيرز" إلى سيناريو جديد قد يعصف بروسيا نتيجة طول أمد الحرب، وهو احتمالية ظهور "دولة روسية ضعيفة" لكنها ستكون استبدادية.

ويتفق جاسم محمد، مع ذلك السيناريو، مؤكدا أن "الهشاشة قد بدأت تصيب الدولة الروسية" نتيجة تداعيات طول أمد الحرب.

ويؤكد العزباوي إمكانية حدوث ذلك السيناريو، في حال "استمرار الغرب في دعم أوكرانيا ماديا وعسكريا".

"وقد تنقسم روسيا هذه المرة إلى عدة دويلات ضعيفة، تتصارع فيما بينها"، وفقا للعزباوي.