أراضي المسيحيين والمشاعات تتبخر والتغيير الديمغرافي يحسمها...

نفهم أن يبيع رب عائلة قطعة أرض ورثها عن أبنائه وأجداده أو منزل الآباء في مسقط رأسه لتسديد أقساط أولاده في المدرسة أو الجامعة. لكن أن تتحول الأرض المفترض أن تكون "مرقد عنزة" كل لبناني إلى سلعة تجارية ومقايضة ومن قبل أهلها والمؤتمنين عليها، تارة بسبب "الحاجة المادية" وطورًا بهدف السرقة على يد سماسرة يبيعونها إلى رجال أعمال من جنسيات غير لبنانية، وإذا كانوا لبنانيين فمن طائفة الأمر الواقع مما يؤشر إلى تغيير ديمغرافي!. إلى هنا الأمر بات يستحق دق النفير وتحديداً من قبل الكنيسة خصوصا أن غالبية صفقات البيع تتم على أراضٍ تابعة لرهبانيات وآخرها بيع عقارات تابعة لأملاك الوقف تملكها الرهبنة الأنطونية في بلدة الحدث إلى اشخاص من الطائفة الشيعية الغرباء عن المنطقة.

رئيس دير مار أنطونيوس الأب المدبر نادر نادر برر أسباب الصفقة بالحاجة المادية وبأنه نال الموافقة من الفاتيكان. لكن يعلم القاصي والداني أن السفير البابوي السابق جوزيف سبيتيري أكد في أكثر من مناسبة أن "الفاتيكان حريص على عدم بيع أراضي المسيحيين في لبنان". وموقف السفير الحالي باولو بورجيا لا يختلف عن السلف طالما أن القرار صادر عن الفاتيكان.

هذا الكلام يستعيده رئيس حركة الأرض اللبنانية طلال الدويهي في حديثه لـ"المركزية" عن صفقات بيع أراض وعقارات تابعة للأوقاف المسيحية من خلال القيمين عليها. ويقول: "لطالما حذرت من الشركات العقارية التي تحبك صفقاتها على حساب النسيج الوطني وتخفي ممارساتها نوايا بإحداث تغيير ديموغرافي. واللافت أن غالبية الصفقات المشبوهة التي تم بيعها في المدة الأخيرة متاخمة للأوتوستراد الممتد على طول طريق الشام في حين أن عمليات البيع تتم في العادة على عقارات تبعد حوالى 200 متر عن الأوتوستراد تجنباً للضجيج... وهذا مؤشر الى أن هذه الصفقات لها بعد سياسي واستراتيجي لدى فئة معينة. في النهاية أنا أصف المشهد وأقول إنه يدعو إلى الريبة".

ويضيف "اللافت والمستغرب أن عمليات البيع لا يتم تسجيلها في الدوائر العقارية إنما لدى كتاب عدل يقبضون بدل أتعابهم المشبوهة مع حبات مسك وهي تتم تحت مسمى "سند بيع ممسوح". في المقابل هناك عمليات بيع إبتزازي تحصل في مناطق عديدة لا سيما في جزين حيث يعمد سمسار إلى شراء عقار يُقفل من خلاله الطريق على باقي العقارات غير المفروزة مما يضع أصحابها أمام خيارين لا ثالث لهما، إما بيع عقاراتهم بسعر متدن بسبب عدم القدرة على الدخول إلى الأراضي الزراعية والإستفادة من المحاصيل بسبب عدم امتلاكهم أوراقا ثبوتية، أو خوفا من الإستيلاء عليها، أو البقاء تحت رحمة السمسار ومزاجيته".

الأكيد ان هذا الكلام هنا ليس مؤشراً للريبة وحسب إنما دليل موثق الى وجود بعد سياسي وخطة ممنهجة لإحداث تغيير ديموغرافي. ولعل ما حصل في المشروع السكني الذي باعت الرهبنة الأنطونية شققه بطريقة ملتبسة سواء على المستوى القانوني أو الكنسي يكشف الستارة عن عمليات مشابهة مما يفترض إخراج هذه العمليات من نفق المحرمات.

المشروع السكني بحسب الدويهي التابع للرهبنة الأنطونية موزع على سبعة مباني ويضم 123 شقة كانت مؤجرة لعائلات من الطائفة الشيعية باستثناء ثلاث منها كانت تستأجرها عائلات مسيحية. وبطريقة سرية جدا عمد رئيس دير مار أنطونيوس إلى بيعها لشخص من آل عسيران. ونقلا عن الأب نادر فإن عملية البيع تمت بمقايضة المشروع بقطعة أرض مقابل أسهم لا تتعدى مساحتها ال 700 متر. وفي السياق يسأل الدويهي "هل يعقل أن يكون سعر 123 شقة بسعر قطعة أرض بهذه المساحة؟". ويؤكد أن انكشاف عملية البيع حصلت على إثر خلاف بين رهبان الدير الذين تبلغوا الأمر بعد حصولها وذلك خلال الإجتماع الشهري الذي يحصل وكانت حجة رئيس الدير بأنه نال الموافقة و"البركة" من الفاتيكان"فإذا صح الأمر ونحن نشك بذلك، لأن قرار الفاتيكان واضح في مسألة بيع أراضي تابعة للأوقاف المسيحية  في لبنان، وإذا لا فالمصيبة أكبر".

على خط مواز ينفي الدويهي تدخل الفاتيكان من خلال السفارة البابوية في لبنان بأي اتصالات تجري لاسترداد العقارات من مالكها الجديد من آل عسيران ويؤكد أن هذا الكلام لوقف الحملة الإعلامية الحاصلة. فما تم قد تم والعقار صار بإيد المالك من الطائفة الشيعية".

في سجلات ودفاتر الدويهي الكثير الكثير من عمليات بيع مماثلة و"المشكلة ليست في عمليات بيع الأراضي أو بالمالكين الجدد إنما بمن يبيع. ففي رميش مثلا استولى فريق الأمر الواقع على المشاعات المملوكة لكنها غير مفروزة. وعلى رغم اعتراض الأهالي وتوقيف القوى الأمنية المعتدين عليها الذين عمدوا إلى قطع الأشجار إلا أنه تم إخلاء سبيلهم بقرار من المدعي العام وحتى اللحظة لم يتدخل الجيش أو القوى الأمنية لإخراج الأشخاص التابعين لجمعية بيئية وهمية من الأرض التي نصبوا عليها الخيم وأقاموا فيها. أكثر من ذلك كيف يمكن تفسير بيع مستشفى سان لويس لرجل أعمال مسيحي قيل بأنه يدعى الياس قربان ومعه نائب مسيحي سابق وكذلك بيع مرجعية رهبانية قطعة أرض بمساحة 17 ألف متر مربع في كفرذبيان و13 ألف متر مربع في ضهر الوحش لنفس الشخص، وكذلك مدرسة سانت تيريز في عين الرمانة لشخص يدعى حسين مرتضى؟....

قد يصح أن الضائقة المادية وراء كل هذه التنازلات التي يقدمها القيمون على الأوقاف والعقارات لكن ماذا ينفع إذا خسر الإنسان أرضه وربح ما يسد به حاجاته المادية؟ ويختم الدويهي" على الجميع بدءا من الكنيسة التي لا ننكر أن صوتها يصدح منددا بعمليات البيع والزعماء المسيحيين أن يتحركوا، وإلا لن ينفع الندم لأن العقل الإستراتيجي لدى الطرف الذي يستولي على الأرض يعمل بطريقة ممنهجة واللهم إني بلغت"!.