"أرنب" الحزب لالغاء الانتخابات؟

لم يفُت المتابعون أن يلحظوا الإطلالة المفاجئة لأرفع مسؤوليْن في "حزب الله"، نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم ورئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد، خلال الأيام الماضية، لمقاربة استحقاق الانتخابات النيابية السنة المقبلة. وبدا كلا المسؤوليْن وكأنّهما مهتمّان بإجراء الانتخابات. لكنّهما كالا في الوقت نفسه سيلاً من الاتّهامات لكلّ المعارضين للحزب، وأبرز هذه التهم: "تبعيّة" هؤلاء للغرب. وشدّد الرجلان في الوقت نفسه على ثقتهما بقدرة حزبهما على إلحاق "الهزيمة" بالخصوم.

إذاً ماذا وراء "قسم" نعيم قاسم و"رعد" محمد رعد بتحقيق "الانتصار" المقبل في الانتخابات النيابية المقبلة؟

 

يروي وزير بقاعيّ سابق لـ"أساس" أنّ توقيت وصول بواخر الوقود الإيرانية إلى لبنان منح "حزب الله" نفوذاً ملائماً للذهاب إلى الحملات الانتخابية. هذا التوقيت، كما قال المصدر نفسه، جاء لوقف الانحدار في شعبيّة الحزب، كما ظهر في العاميْن الماضيَيْن بعد 17 تشرين الأول 2019. وأشار إلى أنّ أبرز هذه الدلالات على هذا الانحدار أنّ الحزب ما كان يسمح على الإطلاق بالتطاول على الأمين العام حسن نصرالله. لكنّ هذا الأمر تبدّل في الآونة الأخيرة، حيث لم يعُد مستهجناً أن تتمّ الإشارة إلى زعيم الحزب باسمه الأوّل مقترناً بالتدليع.

وأوضح أنّه بعد وصول البواخر الإيرانية أصبح شائعاً أن يقول المتذمّرون من الحزب إنّهم تلقّوا وعداً مؤكّداً أنّ كلّ عائلة بقاعية ستحصل من "حزب الله" على برميليْ مازوت يتّسع كلّ منهما لعشر صفائح، وذلك لتلبية حاجات الشتاء.

 

فارس سعيد: لا انتخابات؟

غير أنّ الأمين العام السابق لقوى الرابع عشر من آذار الدكتور فارس سعيْد قال إنّه إذا كانت لدى "حزب الله" مصلحة في إجراء الانتخابات فهو سيعمل على إجرائها. أمّا إذا لم يكن لديه مثل هذه المصلحة فلن يسمح بإجراء الانتخابات المقبلة.

وأضاف سعيد في مناقشات جرت على هامش الاجتماع الأخير لـ"سيّدة الجبل": "لقد صارت لدى حزب الله خبرة كافية في خربطة القرارات الدولية. أمّا الكلام على أنّ هناك قراراً دولياً (قرار مجلس الأمن الدولي الأخير)، وأنّ الفرنسيّين قالوا لنا ذلك، وأنّ الأميركيين تعهّدوا بدعم المجتمع المدني، فهو يوهم بأنّ الموضوع صار في الجيبة، وأنّه ستُجرى الانتخابات في حينها".

وتابع كلامه: "إذا دخل قانون الانتخابات الحالي إلى مجلس النواب للتشريح كي تُلغى المقاعد الـ6 في القارّات الـ6، ومعها إلغاء حقّ المغتربين في الاقتراع، فسيكون معنى ذلك تهديد العملية الانتخابية برمّتها، وهذا ما يريح حزب الله جدّاً".

وخلص سعيْد إلى القول إنّ "ما يفضّله الحزب هو أن يبقى مجلس النواب الحالي المنتخب عام 2018 لكي يقترع لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بدلاً من الذهاب إلى انتخابات نيابية ترسم جغرافيا جديدة للمجلس القادم. فهناك احتمال، ولو واحداً في المئة، أن تكون النتائج في غير مصلحة الحزب. لذلك يعتبر حزب الله، انطلاقاً من كونه تنظيماً أمنيّاً، أنّ خطر هذا الواحد في المئة يعني مئة في المئة. والحال نفسه بالنسبة إلى الحزب في السياسة".

 

أحمد فتفت و"مولانا"

بدوره، قال وزير الداخلية الأسبق الدكتور أحمد فتفت كلاماً مشابهاً لِما قاله الدكتور سعيْد، على هامش محاضرة ألقاها بداية هذا الأسبوع ضمن ندوة تناولت قانون الانتخاب واتفاق الطائف، ونظّمها المركز اللبناني للبحوث والدراسات Politica، وذلك ردّاً على سؤال لـ"أساس": "لا يريد حزب الله أن يشارك المغتربون في الانتخابات بسبب وجود مئة ألف مقترع جديد غير موالين للأحزاب. أمّا ذريعته المرتبطة بتصنيف الغرب له تنظيماً إرهابيّاً، وبما قاله من وجود ضغوط على مناصريه في بلاد الاغتراب، فهي حجّة ساقطة. والسبب أنّه في الانتخابات الأخيرة عام 2018 اقترع المغتربون، ونال الحزب نحو 4 آلاف صوت". وأبدى فتفت خشيةً من أن يكون الحزب عازماً على "تطيير الانتخابات".

وفي مقابلة تلفزيونية أخيراً، قال المفكّر الدكتور رضوان السيّد إنّ من المهمّ إجراء الانتخابات النيابية في موعدها لأنّها ستمنح أملاً للأجيال الشابّة كي لا تهاجر، وإنّ من المحتمل أن يفوز 12 مرشّحاً من المجتمع المدني أو أكثر في هذه الانتخابات، وهو ما سيُدخِل قوّة جديدة إلى البرلمان.

بالعودة إلى ما أعلنه نائب الأمين العام لـ"حزب الله" ورئيس كتلة الحزب البرلمانية، فإنّه يُظهِر توتّراً لا بدّ من أخذه في الحسبان. ونبدأ بنعيم قاسم الذي قال في مقابلة على قناة "المنار" التابعة لـ"حزب الله": "إذا كنّا سنتكلّم عن أغلبيّة، فهي موجودة مع تيّار المقاومة ومع هذا الحزب". وسئل: ألم تتغيّر المعادلة منذ عام 2018؟ فأجاب: "هؤلاء الذين في المواجهة يتفرّقون شمالاً ويميناً. وإذا لم نحصل على الأكثرية، فلا أحد سيحصل عليها. في الأوّل، كان هناك 8 و14 آذار. أمّا الآن فأين أصبحت 14 آذار؟ فيما لا تزال 8 آذار كلّها موجودة والحمد لله... نحن ليست لدينا القدرة على أن نتحرّك للقيام بحملات انتخابية خارجياً. لقد وُضِعنا على لوائح الإرهاب في أميركا وألمانيا وفي بعض الدول. سنذهب إلى المجلس النيابي لإلغاء المقاعد الـ6 الإضافية".

بدوره، سأل النائب رعد: "كيف يحصلون على الأكثرية النيابية؟ يعدّون كلّ العتاد وكلّ العُدّة، وسنشهد ضغوطاً كبيرة على المرشّحين من الذين يؤيّدون نهج المقاومة، وسيمنعون إذا استطاعوا أن تكون هناك تحالفات، وسيضغطون من أجل سحب عدد من المرشّحين الذين يمكن أن ينجحوا ويكونوا في صفّ المقاومة، وسيضغطون عليهم، إمّا بتهديد مصالحهم خارج البلاد أو بتهديدهم بعقوبات سوف تُفرَض عليهم. وسيحاولون أيضاً شراء الذمم ودفع أموال طائلة من أجل أن يعدّلوا موازين القوى، ويسيطروا على الأكثرية المقبلة في المجلس النيابي... سنواجه هذا الاستحقاق بكلّ ما يتاح لنا قانوناً، وسنخوض هذه المعارك الانتخابية وثقتنا كبيرة بشعبنا وبوعي أبناء البيئة المقاومة".

هل من شكٍّ بعد ما قاله قاسم ورعد في أنّ "أرنباً" ما سيخرج من "قبّعة" الحزب ليكون ذريعة لإلغاء الانتخابات. الأمر سيكون جليّاً في المرحلة المقبلة.