أزمة المياه تتفاقم... ماذا عن أسعار الخضار؟

يشهد لبنان في السنوات الأخيرة أزمة مائيّة غير مسبوقة، تتفاقم مع تغيّر المناخ وسوء إدارة الموارد المائية. فقد أصبحت ندرة المياه تهديدًا مباشرًا للقطاع الزراعي، الذي يُعدّ أحد أعمدة الأمن الغذائي، بما ينعكس سلبًا على مائدة اللبناني اليوم، حيث ارتفعت أسعار بعض الخضار والفاكهة بشكل ملحوظ، في ظلّ غياب خُطط وطنية فعّالة لمعالجة هذا الخطر المتصاعد.

نترتب عن عدم سقوط الأمطار آثار سلبيّة لا سيّما على المزروعات، وتختلف حدّتها بين المناطق والأنواع الزراعية. على سبيل المثال، يتراجع نمو المحاصيل البعلية: مثل القمح، الشعير، العدس، والحمص، لأنها تعتمد أساسًا على مياه الأمطار، إضافةً إلى انخفاض إنتاجيّة النباتات التي لا تحصل على حاجتها من الماء حيثُ تتعرّض للإجهاد، فيتقلصّ حجم الحبوب وتضعف الثمار، كما يحصل تأخر في بعض المواسم الزراعيّة، إذْ إن غياب المطر في فترات محدّدة من السنة (في الخريف والشتاء) يؤخر الزراعة أو يدفع المزارعين لاستخدام الريّ المُكلف.

إضافةً إلى ذلك، فإن تراجع أو عدم سقوط الأمطار قد يتسبّب أيضًا في ارتفاع كلفة الإنتاج، وذلك بسبب الحاجة إلى ضخ المياه من الآبار أو شراء مياه الريّ، وكذلك يتراجع الدخل الزراعي حيث أن انخفاض الإنتاجيّة يؤدّي إلى خسائر ماليّة للمزارعين.

"من يظن أن هذا العام سيكون أفضل من العام الماضي من حيث تساقط الأمطار، يبدو أنه مخطئ. فنحن اليوم في أواخر شهر تشرين الأول، ومنذ بدايته لم نشهد تساقطًا يُذكر للأمطار. في منطقتي، على سبيل المثال – منطقة البقاع – لم تتجاوز كمية المتساقطات حتى الآن 2 ملم فقط، من أصل المعدل السنوي الذي يبلغ نحو 120 ملم"، وفق ما يُشير رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع ابراهيم ترشيشي.

"كارثة حقيقيّة"

ترشيشي يُوضح لـ "نداء الوطن"، أننا "نحن أمام كارثة حقيقية، إذ يبدو أن هذا العام سيكون امتدادًا للجفاف الذي عشناه في السنة الماضية. لا مياه، ولا أمطار، ولا بوادر خير تُنذر بتحسّن الوضع. في العادة، كانت الأمطار تبدأ الهطول في منتصف تشرين الأول، تحديدًا في الأيام بين 15 و17 من الشهر، لتلبي المعدل الموسمي المعتاد، لكن للأسف لم نشهد شيئًا هذا العام".

ويلفت إلى أنه "مرّ أكثر من شهريْن ولم نحصل سوى على بضع قطرات لا تُذكر. رأينا الغيوم والبرق والرعد، لكن المطر لم ينزل. ما نشهده اليوم هو استمرار لحالة القحط وندرة الأمطار التي عانينا منها العام الماضي".

ماذا عن الأسعار؟

وبالحديث حول ما يُحكى عن ارتفاع ملحوظ في أسعار بعض الخضار، يُشير ترشيشي إلى أنه يتابع بشكل دائم حركة السوق وأسعار المنتجات الزراعية. "ويمكن القول إن معظم المنتوجات الزراعية لا تزال متوفرة في الأسواق، والمزارعون ما زالوا يعملون وينتجون ويزوّدون السوق بحاجاته من المحاصيل، ما يجعل الوضع مستقرًا من حيث توافر السلع الزراعية".

"أزمة البندورة"

لكن بالنسبة إلى البندورة تحديدًا، فهنا يلفت إلى أن "الوضع مختلف قليلًا. هذا القطاع له خصوصيته، إذ إن مزارعي البندورة منذ بداية شهر حزيران حتى اليوم – أي منذ نحو 150 يومًا – يبيعون إنتاجهم بأقل من كلفة الإنتاج. لذلك، يتجه عدد من المزارعين إلى التخلص من قسم من زراعاتهم، في محاولة لتجديد المحصول وإعادة التوازن إلى السوق".

يُضيف: "ما يُشاع عن وصول سعر كيلو البندورة إلى 200 ألف ليرة هو تهويل غير دقيق. صحيح أن الأسعار قد ترتفع في فترات معينة، لكن ذلك لا يعني أن السوق في أزمة. إذا استفاد المزارع في فترة قصيرة فهذا أمر طبيعي، لأنه يمرّ بفترات خسارة طويلة، ولا يجوز أن تبقى حياته "رمادية" طوال الوقت. يجب أن تتاح له الفرصة ليستعيد نشاطه الزراعي وينهض مجددًا".

أما باقي الأصناف الزراعية، فيؤكّد ترشيشي أنّ "أسعارها اليوم منخفضة جدًا، بل يمكن القول إنها أقل من كلفة الإنتاج في بعض الحالات. على سبيل المثال: البطاطا، البصل، الملفوف، الذرة، والحمضيّات — جميعها تُباع بأسعار زهيدة. حتى المحاصيل التي كانت تُستورد في السابق، أصبحت متوفرة محليًا بأسعار معقولة جدًا".

ويُوضح أنّ "الحمضيات مثل الليمون والكلمنتين متوافرة بكثرة وتتراوح أسعارها بين 60 و70 ألف ليرة للكيلوغرام. العنب أيضًا متوفر بأسعار تتراوح بين 50 ألفًا و250 ألفًا بحسب النوع والجودة. والخضار الورقية مثل الخس، النعناع، البقدونس، والبقلة تُباع بأسعار شبه رمزية — لا تتعدى دولارًا أو دولارًا وعشرة سنتات للحزمة الواحدة — أي أنها في متناول الجميع".

لا حاجة للاستيراد من الخارج

أخيرً، يؤكّد ترشيشي "أننا لسنا بحاجة إلى الاستيراد من الخارج الذي يكلّفنا كثيرًا ويضعف إنتاجنا الوطني. لبنان كان ولا يزال بلد الإنتاج والعطاء، ومزارعونا قادرون على تلبية حاجات السوق المحلية بجودة عالية. لذلك، علينا أن نمنح المزارعين فرصة للاستمرار، وخصوصًا مزارعي البندورة، كي يعيدوا تجهيز بيوتهم الزراعية ويواصلوا الزراعة بثقة. السوق لا يخسر دائمًا، بل هناك أوقات للربح وأوقات للخسارة، وهذه هي طبيعة العمل الزراعي".