أزمة حقيقية في القطاع الزراعي على امتداد لبنان

في ظل النزوح الكبير الذي يشهده لبنان، حيث تجاوز عدد النازحين أكثر من مليون وأربعمائة ألف مواطن، يواجه المزارعون اللبنانيون، الذين يعتمدون بشكل أساسي على القطاع الزراعي كمصدر كسبهم الاساسي، نكسات فادحة. هذه الخسائر لم تقتصر على البلدات الحدودية أو تلك التي تُعتبر مناطق اشتباك، بل امتدت لتشمل أيضا المناطق التي كانت تُعد آمنة إلى حد ما. هؤلاء الفلاحون الذين يعتاشون من حقولهم ومحاصيلهم وجدوا أنفسهم عاجزين عن قطف زيتونهم أو مواصلة عملهم الزراعي، مما أدى إلى فقدانهم مواسمهم وسبل عيشهم الوحيدة.

ورغم أهمية هذا القطاع في دعم الاقتصاد المحلي، وتصنيع سلع لبنانية ذات جودة عالمية، مثل زيت الزيتون الذي يُعتبر من أفضل الصناعات في العالم، فإن الوزارات المعنية بالقطاعين الزراعي والصناعي، إضافة إلى الهيئات المسؤولة كنقابة الصناعات، لم تتدخل أو تُقدم الدعم اللازم لأصحاب هذه الحرف. لم يُبذل أي جهد للاستفسار عن أحوال المزارعين، او عن كيفية مواجهتهم هذه التحديات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية، التي أعاقت استمرار عملهم وأدت الى تدهور معيشتهم، وفقا للمزارعين الذين تحدثوا إلى «الديار».

المساحة المزروعة بالزيتون والأضرار

من جانبها، توضح مصادر في وزارة الزراعة لـ «الديار»:

- أن المساحة المزروعة بالزيتون في النبطية تُقدّر بـ 11,155 هكتارا (18%)، بإنتاج يصل إلى 14,438 طنا (12%).

- في الجنوب تبلغ المساحة 6,900 هكتار (11%) بإنتاج 8,545 طنا (7%).

-في البقاع تُقدّر المساحة بـ 2,500 هكتار (4%)، بإنتاج 5,900 طنا (5%).

في بعلبك - الهرمل تبلغ المساحة 4,811 هكتارا (8%)، بإنتاج 10,300 طنا (9%).

وتشير المصادر نفسها الى ان «المجموع الكلي لهذه المساحات المزروعة بالزيتون هو 25,366 هكتارا (41%)، مع إنتاج 39,183 طنا (33%)».

اما بالنسبة الى الخسائر، فتؤكد المصادر «أن الضرر الفوري الذي يُلحق بالزيتون بسبب الفوسفور يأتي نتيجة الحريق المباشر، بينما يُشكّل الضرر طويل الأمد استخدام مواد محظورة دوليا، قد تترك ترسبات في الزيتون والزيت. وتضيف أن الخوف الأكبر يكمن في احتمال لجوء العدو كما حدث في عام 2006، إلى استخدام القنابل العنقودية، مما يمنع السكان من الوصول إلى حقولهم والعمل فيها».

وتعتبر المصادر «أن جميع المزارعين متضررون، فلا يوجد أي مزارع لا يملك حقلًا من الزيتون. فضلا عن أن مصير الموسم مرتبط بوقف الاشتباكات المسلحة، وفي حال عدم توقف العدوان قريبا، فإن لبنان سيواجه مشكلة في توافر الزيتون والزيت، مؤكدة أن الوزارة ستعمل على إيجاد حل لهذه المعضلة».

وتختم المصادر «نواجه حربا تُعتبر الأشد تدميرا في تاريخ لبنان، حيث بلغ عدد النازحين أكثر من مليون وأربعمائة ألف شخص. بالإضافة الى ذلك، تتعرض أربع محافظات للقصف بشكل يومي، بينما تُضرب باقي المحافظات بشكل متقطع. إذا استمرت الحرب، سنعاني من أزمة في الأمن الغذائي وسلامة الغذاء. اذ لا يقتصر الضرر على الفلاحين في الجنوب فقط، بل يمتد ليشمل المزارعين في البقاع والجنوب والبقاع الغربي والنبطية وبعلبك - الهرمل، الذين توقفوا عن العمل بسبب الحرب. كما أن جميع الخطط الاستراتيجية التي وضعتها الوزارة، أصبحت متوقفة أيضا نتيجة لهذه الظروف. لذلك، يجب إنهاء هذه الملحمة لإنقاذ المواسم الزراعية».

التأثير المدمر للحرب في المزارعين

من جهتها، تقول روز بشارة باريني، الحائزة  الميدالية الذهبية لأفضل زيت زيتون لعام 2023 في مسابقة NYIOOC العالمية لجودة زيت الزيتون: «ما حدث كارثة بكل ما للكلمة من معنى، ويشعر الإنسان بألم شديد عندما يكون متعلّقًا بأرضه. صحيح أننا كنّا نعلم أن المنطقة خطرة جدا، لكن بالرغم من ذلك، كنا قادرين على القطاف والإنتاج. من هنا، قمت أنا والمزارعون بالتحضير لهذه المهمة، أي التحويش والتجميع. ويعلم الجميع أن المزارع الجنوبي إذا لم يقطف زيتونه، لا يمكنه إطعام أولاده في الشتاء».

وتوضح لـ «الديار» ان «دير ميماس الواقعة في جنوب لبنان، معروفة بإنتاجها لزيت الزيتون الفاخر، الذي يُعد من بين الأفضل في لبنان، بسبب طبيعة الأرض والمناخ المثاليين. تحتوي البلدة على حوالى 150 ألف شجرة زيتون يعود عمر بعضها إلى حوالى 600 عام، ويعيش معظم سكانها من غرس الزيتون، حيث يشكل هذا المحصول العصب الأساسي لحياتهم. وكونها تبعد حوالى كيلومترين فقط عن الحدود، قررت نقل معدّاتي وكل ما يحتاج اليه العمل من أدوات إلى منطقة خارج الليطاني، حيث وجدت معصرة، ونقلت كل الأغراض من آليات وخزانات وغيرها من المستلزمات. وكنت على وشك البدء بالقطاف في 25 أيلول، لكن تصاعدت حدّة الاشتباكات في 23 أيلول، وأصبح القصف عشوائيا، وامتدّ يمينا ويسارا حتى هدموا البناية التي وضعت فيها أغراض الزيتون، وبالتالي خسرت كل شيء».

ما هي حالة الزيتون حاليا في دير ميماس؟ تجيب: «لقد أُصبنا بصدمة كبيرة أنا والمزارعون، بعدما طُلب منا إخلاء المنطقة. ولأول مرة منذ بداية الحرب في 1975، لم يتمكن مزارعو هذه الضيعة من قطاف زيتونهم»، معتبرة «ان ما جرى هو دراما واقعية لا يمكن حتى تخيّلها».

وكشفت عن إجرائها فحص لأرض دير ميماس قبل البدء بالقطاف، وقد أظهر أن التربة خالية من الملوّثات والمعادن الثقيلة والفوسفور. لكن الخبر الأجمل في كل ما تقدّم هو أن الزيتون لم يُقصف ولا يزال موجودا، وبالتالي لم يتضرّر».

على الحكومة والوزارات المعنيّة التحرّك بسرعة

هل يصبح زيت الزيتون اللبناني منتجا مهددا؟ يجيب صاحب معصرة زيتون في منطقة الماري قائلا: «يُعتبر زيت الزيتون اللبناني من بين المنتجات الزراعية القليلة، التي تسجل فائضا في التبادل التجاري، حيث تعيش ما يقرب من 70% من أشجار الزيتون في لبنان لتُنتج الزيت». ويؤكد لـ «الديار» انه «في عام 2018 احتل لبنان المرتبة الخامسة عشرة في إنتاج زيت الزيتون عالميا، وفقًا لمنظمة الأغذية العالمية، حيث بلغت حصته 0.5% من الإنتاج العالمي. يتم تصدير زيت الزيتون اللبناني إلى أكثر من 70 دولة، من بينها السعودية والكويت وفنزويلا وكندا، بالإضافة الى الولايات المتحدة».

في الخلاصة، تتجلى مأساة المزارعين اللبنانيين الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة ظروف قاسية وغياب الدعم الرسمي. إن استمرار النزوح والاعتداءات على المناطق الزراعية يُهدد حياة الناس ولقمة عيشهم، ويجب على الحكومة والوزارات المعنية التحرك بسرعة لحماية هذا القطاع الحيوي وضمان استدامته، لأن فشلها في ذلك سيؤدي إلى آثار سلبية عميقة في الاقتصاد اللبناني وأمنه الغذائي.