أسعار الدواء تحاكي ارتفاع سعر صرف الدولار... هل البطاقة الدوائية هي الحلّ؟

يحصل في لبنان أن يتألّم الكثيرون صحّياً لكنّهم يهملون أنفسهم وأوجاعهم بسبب كلفة الأدوية التي باتت باهظة وترتفع يوماً بعد يوم. لمياء واحدة من هؤلاء الأشخاص، إذ أهملت آلام كتفها المبرّحة كيلا تذهب إلى الطبيب وتصبح مجبَرة على دفع "فحصيّة" ومن بعدها الدواء الذي سينصحها بتناوله، إذ "ليس باستطاعتي شراء الدواء فهو باهظ جداً عليّ، وإذا ما استمرّ الألم كذلك، فسأذهب إلى الصيدلية للسؤال عن بديلٍ إن كان متوفراً"، هذا ما ترويه لمياء. وفي حديثها مع صديقتها، أرسلت إليها هذه الأخيرة الدواء لتتعافى.

 

قد تُلام لمياء لإهمالها صحّتها. وقد تُلام صديقتها لإرسالها دواءً بدون تشخيص طبيب لحالها. لكن الواقع المرير يدفع بالأشخاص إلى الاستهتار بصحّتهم بسبب قلة الإمكانيات وتآكل رواتبهم، بالتزامن مع ارتفاع أسعار الأدوية.

إلى أين سيصل سعر الدواء؟

تنقسم الأدوية إلى 3 فئات من حيث الدعم. أدوية الأمراض المستعصية المدعومة 100%. أدوية العلاجات التي تؤخذ لأقلّ من 60 يوماً وأدوية الـOTC مثل المسكّنات وأدوية السعال وما شابه التي رُفع عنها الدعم كلياً، وهي مسعَّرة على سعر الدولار في السوق الموازية. لكن بما أنّ الأدوية لا تُعامل كباقي السلع، لا يحدِّد مستوردو الأدوية ولا الصيادلة سعر الصرف الذي يسعّرون على أساسه الأدوية ولا يغيّرون الأسعار متى أرادوا، هذا ما يؤكّده نقيب مستوردي الأدوية في لبنان، كريم جبارة، لـ"النهار".

 

وتعود مسؤولية تسعير الأدوية حالياً إلى وزارة الصحّة، بحسب قول جبارة، "فالوزارة تغيّر هذه الأسعار كل فترة، وتنشر الأسعار الجديدة على موقعها، لذلك فإنّ أسعار الأدوية هذه لا تتغيّر بطريقة عشوائية".

أمّا الفئة الثالثة من الأدوية، فهي أدوية الأمراض المزمِنة المدعومة جزئياً، وتختلف نسب الدعم ما بينها من 25% و45% و65% و85%. هذه الفئة تتأثّر بسعر الصرف بالجزء غير المدعوم منها ويرتفع هذا الجزء من سعرها.


لكن بما أنّ الدولار يتقلّب بنحو سريعٍ ومفاجِئ، كيف للوزارة تسعير الأدوية؟ وفق جبارة، تتّبع الوزارة آليّة معيّنة لتحديد هذا السعر، ومن المفترض أن تحدّد أسعار الأدوية بالحدّ الأدنى كل أسبوع. ولدى تسعيرها في اليوم المفترض تغيير الأسعار فيه، تُسعّر هذه الأدوية وفق سعر الصرف في ذلك اليوم، ويُعتمد سعر الصرف هذا إلى أن تغيّر الوزارة الأسعار بعد نحو أسبوع، بغضّ النظر عن تقلّبات الدولار خلال هذا الأسبوع. فمثلاً أسعار الأدوية حالياً مُسعَّرة على سعر 27000 ليرة، وما زالت الوزارة لم تغيّر الأسعار.

 

ضرورة إقرار البطاقة الدوائية

إزاء هذا الواقع، يدور الكلام عن البطاقة الدوائية لمساعدة المواطنين في تقليص أعباء فاتورتهم الدوائية مع استفحال الأزمة. ويقول نقيب الصيادلة في لبنان، جو سلوم لـ"النهار"، إنّ "هذا المشروع يهدف إلى أمرين، أوّلهما تمكين المواطن من شراء الدواء من الصيدليات خصوصاً مع ارتفاع سعره الذي سيرتفع أكثر".

فأدوية الأمراض المزمِنة المدعومة جزئياً، سيُرفع عنها الدعم عاجلاً أو آجلاً، وبالتالي ستشهد ارتفاعاً في أسعارها. وأدوية أخرى رُفع الدعم عنها وباتت تواكب سعر الصرف.

أمّا الهدف الآخر من هذه البطاقة، فهو "الحفاظ على نوعية الدواء، لأنّ الدواء الذي يُعطى أو يباع خارج الصيدليات اليوم مشكوك في نوعيّته وفي كيفية استيراده، لذلك، فإنّ هذه البطاقة تحافظ على جودة الدواء وتمنع الاحتكار والسوق السوداء وتجّار الشنطة، فترشيد الدعم يذهب إلى السوق السوداء وإلى خارج الصيدليات".


وعن آلية العمل بهذه البطاقة، يورد سلّوم أنّ "آلية هذه البطاقة موجودة في وزارة الصحّة ومتوفّرة لتتبّع الدواء، لكن نقابة الصيادلة أضافت إلى هذه الآلية بطاقةً أشبه ببطاقة الائتمان المسبوقة الدفع، لكن تُستخدم فقط لشراء الأدوية عبرها من الصيدلية، وهي هويّة دوائية، والصيادلة مُجهَّزون لاستقبال هذه البطاقة".

وفي ما يتعلّق بالمستفيدين من هذه البطاقة ومدى التوفير عبرها، يؤكّد سلوم أنّ "جميع اللبنانيّين الذين سيسجّلون للحصول على هذه البطاقة يمكنهم الاستفادة منها، ويوفّرون من خلال استخدامها نحو 70-75% من قيمة الدواء، وكلّما زاد حجم تمويلها خفّت الكلفة على المواطن".

في الوقت الراهن، البطاقة الدوائية تحتاج إلى تمويل لتفعيلها وإقرارها، والعمل جارٍ حالياً على تأمين تمويل لهذا المشروع من قِبل جهات وصناديق دولية.

كذلك يفيد جبارة أنّه "إذا ما طُبّقت البطاقة الدوائية ضمن نظامٍ متكاملٍ من جميع النواحي تكون فعّالة، ويمكن تطبيقها تقنياً، لكن يبقى العائق الأساسي والمعضلة الكبرى هي تمويلها".

وستحتوي البطاقة على وصفة الطبيب ومعلومات عن المريض، وتكون أشبه بهوية يقدّمها المريض إلى أي صيدلي، ويحسم هذا الأخير سعر الدواء المطلوب، ويقوم مموّلو البطاقة بإعادة تعبئتها للشهر المقبل.