المصدر: النهار
الكاتب: سلوى بعلبكي
الخميس 30 أيار 2024 07:40:29
منذ إعلان قصر النظر الحكومي رسمياً في آذار 2020 توقف لبنان عن تسديد متوجباته على سندات يوروبوندز تبلغ نحو 31.1 مليار دولار في حينه، بدأ مسار أسعار سندات اليوروبوندز اللبنانية بالهبوط المروّع، وتدنّى التسييل إلى مستوى 0.5 دولار في الأسواق العالمية.
التمادي في الانهيار الاقتصادي والنقدي، وغربة لبنان عن المعالجات الإصلاحية المطلوبة بشدة من المؤسسات والصناديق الدولية، وعدم مبادرة السلطات إلى مفاوضة حاملي السندات اللبنانية، إلى المستقبل المجهول الذي تشي به اللامبالاة التي تتحكم بعمل المسؤولين اللبنانيين، عوامل تضافرت جميعها للمحافظة على أسعار اليوروبوند عند الحدود الدنيا التي وصلت إليها.
بيد أن عاملين، دولياً ومحلياً، طرآ أخيراً دفعا أسعار اليوروبوندز اللبنانية صعوداً الى ما يزيد قليلاً 0.7 دولار للسهم الواحد، فماذا جرى، وما السبب؟
تشير مصادر مطلعة إلى أن السبب الدولي، هو ما حدث أخيراً من تآكل معقول لنسب التضخم وخصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية، ما أدى إلى لجم الفوائد نسبياً. أما السبب المحلي، وإن كانت مصادر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي نفته، فهو شيوع مداولات لبنانية تتعلق بنيّة الحكومة التحرّك باتجاه حملة الأسهم، خصوصاً في الخارج، والشروع بعملية تفاوض جدّية لشراء ما أمكن من السندات قبل آذار 2025، اتقاءً من أي دعاوى قضائية قد تُرفع في وجه لبنان أمام القضاء الأميركي.
وبناءً على ذلك لا يمكن نسب الارتفاع البسيط في أسعار اليوروبوندز، إلى تحسّن صحة #الاقتصاد اللبناني وأداء الحكومة، بل إلى الأقدار التي أوقعت سندات لبنان في بيئة مالية عكست تحسّن صحّتها على صحّة السندات اللبنانية قليلاً، وعلى قدر بقايا الثقة الباقية للبنان في الأسواق العالمية، وليس أدل على ذلك، من أن البيئة عينها منحت تحسناً أكبر على السندات الفنزويلية التي تعاني كمثيلاتها اللبنانية من الضعف والهوان.
وفي السياق يشير الخبير المصرفي والوزير السابق عادل أفيوني إلى أن أسواق السندات العالمية تحسنت في الفترة الأخيرة بسبب انخفاض الفوائد المتوسطة الأجل والبعيدة الأجل في معظم الدول الكبرى وذلك بعد انخفاض معدلات التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا وتحسن التوقعات العالمية بالعودة الى مستويات تضخم مقبولة.
هذا التحسن، وفق ما يقول أفيوني، انعكس بصورة عامة على سندات الدول الناشئة وشمل كذلك السندات المتعثر منها ومنها السندات اللبنانية. لذا فإن تحسّن أسعار السندات اللبنانية لم يعكس موقفاً إيجابياً خاصاً من سندات لبنان بالتحديد بل جاء نتيجة تحسن الأسواق عموماً. لكن العكس هو الصحيح، من وجهة نظر أفيوني، "إذ كان تحسن أداء السندات اللبنانية أضعف بكثير من تحسن غيرها من السندات المتعثرة في دول أخرى، حتى إن سندات فنزويلا مثلاً تحسنت أكثر بكثير من السندات اللبنانية".
ولكن، على ماذا يدل هذا الضعف في الأداء، مقارنة مع سندات مماثلة متعثرة في دول أخرى؟
يوضح أفيوني، "أن الضعف النسبي في الأداء يدل على أن الأسواق والمستثمرين لا يزالون يشككون في إمكان إعادة هيكلة الديون اللبنانية في المدى القريب وفي إمكان الوصول الى خطة حلّ قريب للأزمة أو الى التقدّم في المفاوضات مع صندوق النقد. ويعكس هذا الضعف النسبي في الأداء خصوصية الوضع اللبناني السلبية ومنها الفراغ السياسي المتفاقم منذ عامين في سدة الرئاسة من دون أي أفق أو مخرج قريب، ووجود حكومة تصريف أعمال لا صلاحيات واسعة لديها لإطلاق خطط للإنقاذ وتتعرض أي خطط تقدّمها للتعطيل والتسويف من الداخل والخارج وتعكس نهج التعطيل الذي يحول من أكثر من 4 سنوات دون إقرار أي إصلاحات جدّية. كما يدل الضعف النسبي في أداء السندات اللبنانية على القلق السائد في الاسواق من الوضع الاقليمي ومن خطر اندلاع حرب إقليمية، ومن التصعيد على الحدود الجنوبية مع إسرائيل والتهديدات الاسرائيلية تجاه لبنان بما يؤثر سلباً على توقعات الاسواق وتطلعات المستثمرين في موضوع السندات اللبنانية".
كل هذه العوامل برأي أفيوني "تنعكس نظرة سلبية على أسعار السندات اللبنانية التي لا تزال بالرغم من تحسن أسواق السندات بصورة عامة تتداول على مستويات ضعيفة جداً، وتالياً تعكس انعدام الثقة في بوادر أي حل قريب لهذه المعضلة".
أثبتت الأعوام الأخيرة أن النظام الحاكم عاجز عن أن يقوم بالإصلاحات الاقتصادية والمالية المطلوبة وهو كذلك عاجز عن أن يعالج الفراغ والعجز السياسي وحتى عاجز عن انتخاب رئيس وتشكيل حكومة فعالة، وأثبتت الخبرة مع هذا النظام أن الحلول للأسف لا تأتي من دون ضغوط وتدخلات خارجية، وهذا ما سنشهده كذلك عاجلاً أو آجلاً في موضوع الديون الخارجية، وفق أفيوني، إذ إن المؤسسات الدولية التي تحمل هذه السندات لن تبقى ساكتة ومتى أطلقت هذه المؤسسات المسار القضائي ورفعت دعاوى على الدولة ستجبر السلطات اللبنانية وكل المعنيين على الجلوس الى طاولة المفاوضات وتقديم حلول منطقية بدلاً من نهج التعطيل والمكابرة والنكران السائد منذ اندلاع الأزمة.