المصدر: المدن
الكاتب: بلقيس عبد الرضا
الأربعاء 24 كانون الاول 2025 16:59:25
منذ أكثر من أسبوع وحتى ليلة عيد الميلاد تحوّلت الأسواق اللبنانية إلى مشهد مزدحم يعكس روح الاحتفالات، لكن خلف هذه الأجواء الفرحة تكمن تحديات مالية حقيقية تواجه الأسر. أسعار المواد الغذائية والهدايا في ارتفاع مستمر، ما يجبر العائلات على إعادة ترتيب أولوياتها وتقنين الإنفاق، لتظل أجواء العيد مناسبة للفرح والاحتفال رغم القيود الاقتصادية. وفي هذا السياق، تتنوع التجارب بين من يكتفون بالأساسيات على المائدة وبين من يسعى لتحقيق توازن بين التقاليد والقدرة الشرائية.
ترتيب الأولويات
بدأت ساندرا روفايل تحضيراتها لسهرة الميلاد، بعدما رتبت أولويات مشترياتها من الأطعمة والحلويات ولائحة الهدايا لعائلتها وبعض الأصدقاء المقربين. وعلى النقيض من السنوات الماضية، عمدت روفايل، إلى التدقيق في كافة المصاريف الخاصة بالميلاد، بعدما لاحظت ارتفاعاً هائلاً في الأسعار.
تقول لـ"المدن": حاولت تقدير ما يمكنني شراؤه ضمن ميزانية محددة، لا تتعدى 100 دولار، رغم أن ذلك يشكل معضلة حقيقية بسبب جنوب الأسعار. بالنسبة إلى روفايل، ستقتصر المائدة في العيد على الأساسيات فقط، من حبشة العيد، وبعض المقبلات والحلويات، ولن تتمكن من توسيع خياراتها كما جرت العادة.
حال روفايل يسري على عائلات كثيرة، ففي ظل ارتفاع الأسعار تجد العائلات صعوبة حقيقة في موازنة الإنفاق بين الاحتفال بالعيد والقدرة الشرائية، لذا تتحول بعض الضروريات التي تشكل جزءاً من تقاليد العيد، إلى نوع من الكماليات، وتعتمد أسر عديدة على صنف واحد على مائدة العيد.
تكاليف العيد
يختلف حجم الإنفاق في العيد بين عائلة وأخرى، فالبعض يفضل التركيز على معنى العيد، والبعض الأخر، يسعى إلى الجمع بين التقاليد والعادات وكيفية موازنة الإنفاق على السلع الغذائية. وبحسب جولة لـ"المدن" في الأسواق والمحال التجارية، يتبين ارتفاع الأسعار عن العام الماضي، وبمتوسط عام. تتراوح أسعار المائدة الكاملة ما بين 150 إلى 200 دولار أميركي، بعدما يجاوز سعر الديك الرومي على سبيل المثال حاجز 50 دولاراً، فيما أسعار الحلويات المخصصة لعيد الميلاد، تبدأ من 35 دولاراً، ويبلغ متوسط سعر الكيلوغرام من الشوكولا نحو 50 إلى 60 دولاراً.
فيما تبدأ أسعار الهدايا للأطفال من 30 دولاراً وتصل إلى أكثر من 100 دولار، وهي فعلاً تشكل تحدياً للعائلات التي تضم أكثر من طفلين أو ثلاثة أطفال.
هذا الواقع يجعل من عيد الميلاد مناسبة، تتطلب تخطيطاً دقيقاً للميزانية الأسرية، حيث تضطر العائلات إلى الموازنة بين الرغبة في الاحتفال والحفاظ على الإنفاق ضمن حدود مقبولة.
حركة نشطة ولكن..
على الرغم من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها العديد من الأسر اللبنانية، إلا أن حركة الأسواق تعكس أجواء احتفالية عشية عيد الميلاد. إذ تشهد الأسواق التجارية نشاطاً لافتاً، من الشمال إلى العاصمة بيروت، وحتى في مناطق الجبل، تنتشر الزينة وأسواق الميلاد.
غير أن هذه الحركة لا تعكس بالضرورة مؤشرات إيجابية على مستوى البيع والشراء، وهو ما تظهره سلوكيات الكثير من العائلات. بحسب نادين جبارة، وهي أم لثلاثة أطفال، فقد عمدت إلى البحث عن مساحات للترفيه لأبنائها بعيدا عن الأعباء المالية المتزايدة. وتؤكد لـ"المدن"، بأنها تسعى إلى الانتقال بين الساحات العامة وأسواق الميلاد التي تقيمها البلديات، حيث تجد فعاليات مجانية تشمل عروضا موسيقية، أنشطة للأطفال، تتيح للعائلة الاستمتاع بأجواء العيد.
عمدت البلديات في العديد من المناطق اللبنانية، إلى استقطاب اللبنانيين والمغتربين، من خلال الاحتفالات والمهرجانات الشتوية، كما ساعدت أيضاً التجار وأصحاب المؤسسات الصغيرة للانخراط في أسواق الميلاد، بهدف مساعدتهم اقتصادياً.
يعمل بول الأحمر على عربة صغيرة في أسواق الميلاد في بيروت، إذ أتيحت له الفرصة للمشاركة في بيع المأكولات والحلويات واصفاً التجربة بالرائعة، ويعتبر أن الإقبال على زيارة الأسواق جيد، فالناس بحسب رأيه، تسعى إلى البحث عن مساحات للفرح، وفي الوقت عينه يسعى بعض التجار أو أصحاب المؤسسات الصغيرة إلى تحقيق هامش مقبول من الأرباح والإيرادات المالية.
ماذا عن حجوزات الفنادق والمطاعم
يعول أصحاب الفنادق والمؤسسات السياحية على عطلة نهاية العام لينطلق بعدها موسم السياحة الشتوي في لبنان، لاستقطاب السياح ومحبي التزلج لزيارة المناطق الجبلية. يقول نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر "الآمال كبيرة، لكنها مرهونة بالوضع السياسي والاقتصادي، ويأمل أن تعزز حركة الطيران النشطة يومياً فرص استقطاب الزوار وتشغيل المؤسسات السياحية".
تشكو بعض المؤسسات السياحية في المناطق الجبلية من ضعف الإقبال، يقول داني المصري يعمل في مؤسسة فندقية في منطقة عالية أنه على الرغم من أن بلدية عالية عمدت إلى تزيين الشوارع وإقامة الاحتفالات الخاصة بالميلاد، إلا أن هذه التحركات، لم تستقطب حتى الأن المغتربين أو السياح لتشغيل الفنادق، وبيوت الضيافة. ويعزو السبب في ذلك، إلى أن عدد كبير من اللبنانيين يفضلون قضاء عطلة الميلاد في منازلهم، ومع عائلاتهم.
ويعلق المصري، كغيره من العاملين في القطاع السياحي، أمالاً كبيرة في تحريك القطاع السياحي في الأسبوع الأخير من العام، أملين أن يساهم ذلك في تغيير المعادلة وتحريك حركة الحجوزات الفندقية، والمطاعم، وغيرها من المؤسسات السياحية.
بين الزينة والأنشطة الاحتفالية، وبين ارتفاع الأسعار والميزانيات المحدودة، يظل عيد الميلاد مناسبة يحرص اللبنانيون على الاحتفاء بها مهما كثُرت التحديات. فالأسر تبحث عن الفرح ضمن حدود إمكانياتها، والأسواق تنشط رغم الصعوبات، بينما يسعى القطاع السياحي والتجاري لاستقطاب المهتمين بالاحتفالات. وهكذا، يظل العيد مناسبة تجمع بين البهجة والتحدي، رمزاً لصمود اللبنانيين وإصرارهم على التمسك بالتقاليد والاحتفاء بالحياة رغم كل الصعوبات.