"أطباء بلا حدود" تدعم النظام الصحي في طرابلس

عطاء (23 عامًا) هي مريضة في مركز الرعاية الصحية الأساسية، الذي تدعمه منظمة "أطباء بلا حدود" في المستشفى الحكومي في طرابلس. تقصد عطاء المركز الصحي مع زوجها عدنان (26 عامًا) لإجراء المعاينات الروتينية قبل الولادة. وفي ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلد، يعاني الزوجان لتوفير ضرورياتهما اليومية. يعمل عدنان حيثما سنحت له الفرصة، لكن دخله لا يكفي دائمًا لتغطية احتياجات أسرته. ويشرح: "الأزمة تؤثر على الجميع. دخْلنا بالليرة اللبنانية لكن كل السلع مسَعَّرة  بالدولار الأميركي. يتعين علينا قطع مسافات طويلة، إلى خارج المدينة أحيانًا، لمجرّد شراء احتياجاتنا بأسعار أقل".

البنية المتهالكة
ريما (25 عامًا) هي مريضة أخرى تقصد المركز الصحي. وتصف العراقيل التي تصعّب حصولها على رعاية صحية ذات جودة، "إن لم تحمل ما يكفي من المال أو لم تستطع الدفع مباشرة، لن تتمكن من الحصول على الخدمات الصحية. بات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لا يغطي إلا نسبةّ ضئيلة جدًا من التكاليف مع انخفاض قيمة العملة. فيُطلَب من المرضى دفع أثمان باهظة مقابل العلاج في المستشفى".

تكافح عطاء وريما وكثيرون مثلهما للحصول على الرعاية الصحية في مدينة طرابلس . وقد تدهورت الظروف المعيشية فيها خلال السنوات الأخيرة بفعل قلة المساكن، والبنية التحتية المنهكة، ونقص المياه النظيفة وسوء خدمات الصرف الصحي، وصعوبة الوصول إلى الخدمات الاجتماعية. ومع تجاوز معدل البطالة 35 في المئة، يعيش نصف سكان المدينة تحت خط الفقر. وتصعّب كل هذه التحديات المالية المتفاقمة وصول السكان إلى احتياجاتهم الأساسية كالغذاء والماء و الخدمات الطبية.

تلقي جميع هذه العوامل بظلالها على السلامة النفسية للسكان، وتتسبب في مستويات عالية من الإجهاد والصدمات والاكتئاب. يكافح العديد من المراكز الصحية في طرابلس لتزويد السكان بالرعاية الطبية والأدوية اللازمة نتيجة نقص الكوادر والإمدادات. وأمست مراكز الرعاية الصحية بعيدة المنال عن الكثيرين، إثر ارتفاع تكاليف الخدمات فيها. أما في العيادات الخاصة، فارتفعت تكلفة الخدمات أيضًا بسبب الأزمة الاقتصادية ونقص أدوية أساسية كثيرة.

نظام الرعاية
في هذا السياق، وإدراكًا للحاجة الملحة إلى رعاية صحية منصفة يمكن الوصول إليها في طرابلس، أطلقت أطباء بلا حدود مشروعًا لدعم نظام الرعاية الصحية الأساسية في المدينة في حزيران 2022. يدعم المشروع أربعة مراكز للرعاية الصحية الأولية في مناطق مختلفة في طرابلس، مع التركيز على الأمراض المزمنة، كمرض السكري وأمراض القلب، وخدمات الصحة النفسية. يشمل هذا الدعم توفير الإرشاد الفني والطبي للكوادر الصحية في المدينة ودعم بعض المرضى في تكاليف استشارات الأمراض المزمنة في المراكز المدعومة، فضلًا عن العمل على بناء القدرات، وتعزيز العمل الاجتماعي، والتبرع بالأدوية.

من خلال هذه الأنشطة، تساعد أطباء بلا حدود في توفير رعاية صحية شاملة تتمحور حول المريض. ويوضح منسق مشروع أطباء بلا حدود، إيفان سيناغا، "نحن نركّز على المريض باعتباره في صلب الرعاية الصحية. تركّز فرقنا على احتياجات كل مريض وتفضيلاته ورفاهه، وتكيّف الرعاية الطبية بما يناسب ظروفه الخاصة، فالعلاج يجب أن يكون شاملًا وليس طبيًا فقط".

وباتباع نهج يتمحور حول المريض، يتوجّه كل التركيز على تعزيز علاقة تعاونية ملؤها الاحترام بين مقدمي الرعاية الصحية والمرضى، ما يضمن اتخاذ قرارات طبية تتناسب مع قيم المريض والمعطيات التي يقدّمها.

ويضيف سيناغا، "إننا نصب جلّ تركيزنا على التعاطف مع المرضى وتعزيز التنوع والاستجابة لاحتياجات السكان الفردية".

التعاون مع الشركاء
بين حزيران 2022 وكانون الأول 2023، دعمت كوادر أطباء بلا حدود في طرابلس توفير 1,554 استشارة في مجال الأمراض المزمنة، و1,843 استشارة صحة نفسية، و3,175 جلسة للإرشاد الصحي شارك فيها 28,717 شخصًا، كما تبرعت بثلاثة أطنان من الأدوية، وأجرت 116 جلسة تدريبية للعاملين في مجال الصحة، وساعدت في دفع رواتب 28 من الكوادر الصحية المحلية.

يردف سيناغا قائلًا، "نحن نتعاون مع شركائنا في وزارة الصحة العامة ومرافق الرعاية الصحية الأولية في طرابلس لاعتماد نهج يركز على المريض وتعزيز قدرات وصول السكان إلى الرعاية الصحية الأساسية. نظرًا للوضع الحالي والتحديات الكثيرة، ازداد لجوء السكان إلى مراكز الرعاية الصحية الأولية. ولا بد من بذل جهود جماعية لتسهيل الوصول إلى هذه المراكز".

حول أطباء بلا حدود
يذكر أن منظمة أطباء بلا حدود هي منظمة طبية إنسانية دولية مستقلة تقدم رعاية صحية مجانية لمن هم بحاجة إليها من دون أي تمييز. بدأت منظمة أطباء بلا حدود عملها لأول مرة في لبنان عام 1976. وتعمل في البلاد من دون انقطاع منذ عام 2008.

كما تعمل فرق أطباء بلا حدود حاليًا في سبعة مواقع في لبنان، وتوفر الرعاية الطبية المجانية للمجتمعات الأكثر حاجة، بما في ذلك المواطنون اللبنانيون واللاجئون والعمال المهاجرون. تشمل خدمات أطباء بلا حدود الرعاية النفسية والرعاية المرتبطة بالصحة الجنسية والإنجابية ورعاية الأطفال والتطعيم وعلاج الأمراض المزمنة. تضم طواقم أطباء بلا حدود في لبنان أكثر من 700 موظفًا، وتوفر حوالى 150,000 استشارة طبية كل عام.