المصدر: النهار
الكاتب: لينا اسماعيل
الاثنين 28 تشرين الأول 2024 18:27:10
للحروب آثار مدمّرة على الأطفال تولّد تداعيات خطيرة، تبدأ بالقلق الشديد، الخوف من الموت أو الفقدان، مروراً بمشاكل النوم والأحلام المزعجة نتيجة المشاهد التي يخزّنها عقلهم الباطنيّ، إلى حالات الاكتئاب وتأخّر النموّ العقليّ والبدنيّ والعاطفيّ، وصولاً إلى صعوبة الاندماج في المجتمع.
هذه المخاوف تراود الأهل، من هنا، نطرح الموضوع من باب التوعية والإدراك لحجم المخاطر المحدقة بالأطفال.
في أحد مراكز الإيواء في بلدة دير الأحمر في بعلبك، تجلس الطفلة لمار، التي لا يتجاوز عمرها خمس سنوات، بجوار والدتها، حيث تنغمس في رسم أشكال هندسية عشوائية تتجلى في خيالها كأنّها طائرات حربية، بينما يقوم شقيقها مجد، الذي يبلغ من العمر سبع سنوات، بترتيب علب الوجبات كما لو كانت جيوشاً متأهّبة للقتال، يتصارع أفرادها في مشهد دراميّ.
تمثل لمار ومجد تجسيداً حيّاً للأطفال النازحين الذين يجدون أنفسهم محاصرين بين رحى النزوح واضطرابات الحرب المتصاعدة من حولهم.
السيدة سمر سلوم، والدة الطفلين، أعربت بمرارة عن حال أطفالها قائلة: "أطفالنا يعانون من دمار نفسي شديد وإرهاق عميق، فهم يعكسون آلام الحرب من خلال رسوماتهم، التي تحمل آثاراً نفسية مؤلمة تترك بصماتها العميقة على نفوس العديد منهم، حيث يتصارع خيالهم مع واقعهم المؤلم ".
في أحد مراكز عرسال، يعاني الطفل حسين عثمان (٤ أعوام) من مدينة بعلبك، من جراح نفسية عميقة. تبذل والدته زهراء قصارى جهدها لمساعدته على استعادة قدرته على الكلام، حيث فقد النطق بسبب الرعب الذي تثيره انفجارات الصواريخ الإسرائيلية، إضافة إلى التبوّل اللاإراديّ، بينما تشتعل في قلب والدته مخاوف الانتقال على الطرق نتيجة الغارات والمسيرات الإسرائيلية، ما يعقّد فرص علاج ولدها الذي يعيش في كابوس لا ينتهي.
يعاني الطفل الجريح علي عودة (10 سنوات)، من بلدة الخضر شرقي بعلبك، من اضطرابات في النوم وانطواء نفسي نتيجة لافتقاده للدعم النفسي والعائلي، بعد فقدانه أبناء عمه وعمته في غارة دموية استهدفت منزل جدّه في البلدة، بينما يحاول والداه أيضاً جاهدَين التكيّف مع هذه الظروف القاسية.
تشدّد المعالجة النفسية العيادية والمتخصّصة في العلاج النفسي التحليلي والسلوكي سحر جمعة لـ "النهار" على الضرورة القصوى لتطبيق تدخلات فاعلة، تعتمد على برامج دعم مُصمّمة بعناية لتلبية احتياجات الصحة العقلية للأطفال النازحين وأولئك الذين لا يزالون في منازلهم.
وتشير إلى "أنّ الطفل يعبّر عن مشاعره بطرق متعدّدة تختلف تماماً عن البالغ، الذي يمتلك القدرة على التعبير عن مشاعره بالكلمات. أمّا الطفل، وخاصة في مراحل عمره المبكرة، فإنّه يعبّر عن حالته النفسية من خلال حركات جسده، مستخدماً وسائل مختلفة كالتبوّل اللاإرادي أو الصمت الانتقائيّ أو حتّى مشكلات في النطق نتيجة للخوف الذي يعتريه".
وتضيف: "في بداية مرحلة الحرب والنزوح، تتجلى مشاعر القلق والتوتر، ولكن بعد مرور شهر، يمكننا أن نلاحظ أنه قد دخل في حالة من الصدمة النفسية، حيث تبدأ الأعراض بالظهور مثل الكوابيس المتكرّرة، ونوبات الهلع، والبكاء في أوقات الليل. تتجلّى أيضاً حالات الخوف الحادة، إذ يظلّ هذا الخوف مزروعاً في جسده ويظهر بطرق مختلفة تعكس حالته الداخلية".
وحول دور الأهل أكّدت على أهمية دعمهم في هذا السياق، حيث يمثلون مصدر الحماية والأمان للطفل. "فحين يتملك الخوف الطفل، يتجه بنظره نحو عيون والديه بحثاً عن الطمأنينة، فإن شعر بخوفهم يتفاقم الوضع وينشأ عن ذلك ضغوط نفسية عميقة. وإنّ بعض الأطفال يعتقدون أنّهم المسؤولون عن حماية أهاليهم، ما يعمّق من معاناتهم النفسية وقد يقودهم إلى أفكار وسواسية تؤرقهم، فتجدهم يتفوّهون بعبارات مثل: "أنا خائف، لا أريد الموت" حيث من الصعب على الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين العاشرة والخامسة عشرة تجاوز هذه الحرب، فهي ليست أحداثاً متكرّرة في حياتهم، ما يجعلهم غير قادرين على امتصاص الصدمة بسهولة. هذا الوضع قد ألقى بظلاله على صحتهم النفسية، وخصوصاً أولئك الذين فقدوا أحد أفراد العائلة".
يُعَدُّ الأطفال من الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع، وفي بعلبك، يواجه الآلاف منهم مخاطر الحرب وآلامها، حيث فُقِدَ 23 طفلاً، وجرح أكثر من 500.
عضو لجنة إدارة الكوارث في رأس بعلبك الزميل سيمون نصر أكّد لـ"النهار" أنّ العديد من الجمعيات والمنظمات، سواء أكانت محلية أم عالمية، تسعى جاهدة لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال، بالإضافة إلى الأنشطة التفريغيّة التي تهدف إلى مساعدتهم على التعبير عن مشاعرهم، "ولكن، تبقى هذه الجهود غير كافية، حيث أنّ بعض الصعوبات قد تتفاقم لدى الطفل، ما يتطلّب علاجاً متخصّصاً، وتكمن المشكلة في عدم توفّر الكهرباء والإنترنت أثناء إجراء الجلسات المباشرة، وهو ما يجعل هذه الخدمة غير متاحة، وعلاوة على ذلك، يفتقر الطفل إلى الخصوصية اللازمة أثناء تلك الجلسات، وهو أمر لا يتوفّر في مراكز الإيواء، ما يضيف تحدّيات جديدة إلى الوضع".