المصدر: النهار
الاثنين 16 أيلول 2024 17:15:21
على غرار نظام الطرق السريعة، يتفرع العصب الحائر من الدماغ ليصل إلى أعضاء الجسم المختلفة ويسهم في تنظيم وظائفها، بما في ذلك بعض جوانب العقل مثل المزاج، المتعة والخوف.
الوقت متأخر، وأنت وحيد تتجول في شوارع فارغة بحثًا عن سيارتك المتوقفة، وفجأة تسمع خطوات خلفك. ينبض قلبك بسرعة، ويرتفع ضغط دمك بشكل كبير. تشعر بقشعريرة في ذراعيك، وعرق يتصبب من راحة يدك، معدتك تتقلص، وعضلاتك تنقبض، جاهزة للركض أو المواجهة.
الآن عليك أن تتخيل نفس المشهد، ولكن بدون أي من استجابات الجسم الطبيعية تجاه تهديد خارجي. هل ستشعر بالخوف حينها؟
العقل والدماغ وعلاقة متشابكة
تكشف هذه التجارب التكامل الوثيق بين الدماغ والجسم في تكوين العقل، ذلك المزيج من الأفكار، الإدراكات، المشاعر والشخصية التي تميز كل واحد منا. ويجب أن نعترف أن قدرات الدماغ وحدها مذهلة حقًا.
يمنح أسمى أعضاء الجسم، أي الدماغ، معظم الناس إدراكًا حسيًا واضحًا للعالم. يستطيع الحفاظ على الذكريات، يمكننا من التعلّم والتحدث، ويولّد المشاعر والوعي. لكن من يحاولون الحفاظ على عقولهم عن طريق تحميل بياناتها إلى جهاز كمبيوتر يفوتون نقطة مهمة تتمثل في أن الجسم ضروري للعقل.
لكن، كيف يتم تنظيم هذا الاتصال الحاسم بين الدماغ والجسم؟ الإجابة تكمن في العصب الحائر المتفرد في صفاته المتنوعة. إنه أطول عصب في الجسم، ويشق طريقه من الدماغ عبر الرأس والجذع، حيث يصدر أوامر لأعضائنا ويتلقى الأحاسيس منها.
تشمل قائمة الوظائف التي يتدخل فيها العصب الحائر، المزاج، التعلم، الإثارة الجنسية والخوف وغيرها. وتعمل معظمها بشكل تلقائي من دون تحكم واعٍ. وتتشارك هذه الاستجابات المعقدة في مجموعة من الدوائر الدماغية التي تربط بين الدماغ والجسم. يمكن اعتبار العصب الحائر، من منظور معين، قناة رئيسية تربط الدماغ والجسم بالعقل.
سر التسمية يثبته التحفيز الكهربائي
عادةً ما تُسمى الأعصاب بناءً على الوظائف المحددة التي تؤديها. إذ تنقل الأعصاب البصرية تنقل الإشارات من العينين إلى الدماغ للرؤية، والأعصاب السمعية توصل المعلومات الصوتية للسمع. أما أفضل ما استطاع علماء التشريح الأوائل فعله مع هذا العصب، فكان تسميته "الحائر"، وهو مشتق من الكلمة اللاتينية Vagus التي تعني "التجوال" أو الشيء غير المحدد أو غير المدرك بوضوح.
في المقابل، برز العصب الحائر بوضوح أمام أعين علماء التشريح الأوائل، وأبرزهم جالينوس، العالم اليوناني الذي عاش حتى عام 216. لكن استغرق الأمر قرونًا من الدراسة لفهم تشريحه المعقد ووظائفه. ولا يزال هذا الجهد مستمرًا حتى اليوم، حيث إن الأبحاث حول العصب الحائر تتصدر مجال علوم الأعصاب الحديثة.
وقد نُشِرَتْ قراءة حديثة عن ذلك العصب غاصت كثيراً في تفاصيله وأهميته، وفق ما نشرت مجلة "سيمثونيان" Smithsonian العلميّة.
تشمل أحدث الأبحاث المكثفة تحفيز هذا العصب بالكهرباء بغية تعزيز الإدراك والذاكرة، وعلاج مجموعة متنوعة من الاضطرابات العصبية والنفسية، مثل الصداع النصفي، الطنين، السمنة، الألم، الإدمان على المخدرات وغيرها.
لكن، كيف يمكن لتحفيز عصب واحد أن يكون له فوائد نفسية وإدراكية واسعة النطاق؟ لفهم ذلك، علينا أولاً أن نتعرف على العصب الحائر نفسه.