أعراض واحدة وروائح كريهة... ماذا يحدث بمدارس الفتيات في إيران؟

وقعت حوادث تسمم جديدة مجهولة السبب في مدارس إيرانية، الأحد، في استمرار للأزمة التي تشهدها البلاد منذ نوفمبر الماضي، فيما يكتنف الغموض القضية، وسط تكهنات لم تثبت بالدليل بعد.

وخرجت في إيران تقارير جديدة عن تعرض تلميذات لاستنشاق روائح "كريهة" أو "غير معروفة" وظهور أعراض مثل الغثيان وضيق التنفس والدوخة.

ورغم نقل بعضهن إلى المستشفى لفترة وجيزة، إلا أن أي منهن لم تتأثر بشكل خطير إلى الآن.

وتم، الأحد، الإبلاغ عن تسمم عدد من الطالبات في مدرستين ثانويتين للبنات، في أبهار (غرب) والأحواز (جنوب غرب)، وفي مدرسة ابتدائية في زنجان (غرب)، حسبما أفادت وكالة الأنباء "إسنا"، نقلا عن مسؤولين صحيين محليين.

وطالت حالات التسمم تلميذات في مدارس مدينة مشهد المقدسة (شمال شرق) وشيراز (جنوب) وأصفهان (وسط)، بحسب وكالتي الأنباء مهر وإيلنا.
وقالت تلميذة للتلفزيون: "انتشرت رائحة كريهة للغاية فجأة وشعرت بإعياء وسقطت على الأرض". كذلك، قالت باراستو، وهي طالبة في مدرسة بروجرد (غرب)، لصحيفة "هام ميهان" إنها نُقلت إلى المستشفى بعدما "شعرت بغثيان وألم شديد" في صدرها.

وأوضح طبيب طوارئ في مستشفى هذه المدينة أن "غالبية الطالبات" يُظهرن "أعراض صداع، ومشاكل تنفسية، وخمول، وغثيان وانخفاض ضغط الدم".
مشكلة مستمرة
وفيما أقرت السلطات الإيرانية بانتشار الإصابات في أكثر من 50 مدرسة، تشير تقارير إلى أن مدارس، في 21 من محافظات إيران الثلاثين، شهدت حالات تسمم مشتبه بها، ووقعت جميع الحوادث تقريبا في مدارس للإناث فقط، وفق أسوشيتد برس.

وأثارت الأزمة مخاوف من تعرض فتيات أخريات للتسمم لمجرد ذهابهن إلى المدرسة على ما يبدو.

ووسط تزايد حالة عدم اليقين والغضب بشأن ما يحدث، اتهم المسؤولون المتشددين الدينيين المعارضين لتعليم الفتيات بالهجمات المشتبه بها، بينما اتهمت بعض الجماعات المعارضة في الخارج الحكومة.

ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجمات المزعومة حتى الآن.

ونقلت وكالة أنباء (إيرنا) الرسمية عن وزير الداخلية، أحمد وحيدي، السبت، قوله إن المحققين عثروا على "عينات مشبوهة" أثناء عملهم لكشف ملابسات حوادث التسمم، دون أن يخوض في تفاصيل.

ودعا وحيدي المواطنين إلى التحلي بالهدوء واتهم "الإرهاب الإعلامي للعدو" بإثارة المزيد من الذعر بسبب الحوادث.

وفي هذه الأثناء، حثّت والدة إحدى الطالبات مدفوعة بشعور بالخوف، السلطات على وضع كاميرات أمام المؤسسات وحراسة الباب لـ"معرفة من يدخل ومن يغادر" من أجل حماية الأطفال. وكذلك الأمر في عدة مدن، حيث تحرك أهالي الطلاب مطالبين السلطات بالتصرف من دون تأخير.

وخلال لقاء مع وزير التربية في قم، دعا رجل الدين، عبد الله جوادي آملي، المسؤولين إلى "حل المشكلة في أسرع وقت ممكن" من أجل "طمأنة الأمة". وقال "إنه لأمر مخيف أن نرى أن مصدر تسمم الطلاب لم يتحدد بعد".

وأشار بعض السياسيين إلى أن جماعات إسلامية متشددة تعارض تعليم الفتيات ربما استهدفت التلميذات.

لكن، وفق وول ستريت جورنال، ليس لدى إيران تاريخ لجماعات متشددة تستهدف تعليم الفتيات.

ووصفت نقابة المعلمين الرئيسية في إيران الهجمات بـ"الإرهاب البيولوجي" الذي يهدف إلى خلق حالة من الذعر الاجتماعي بين الشابات اللواتي شاركن في الاحتجاجات الأخيرة ضد القيادة الدينية في البلاد.

واتهمت النقابة الحكومة بإنكار الهجمات وتضليل الجمهور لمدة ثلاثة أشهر.

واحتج آباء ينتابهم القلق في العاصمة الإيرانية، طهران، ومدن أخرى. وخرجت تظاهرة، الأربعاء الماضي، ردد فيها المحتجون هتافات "الموت لخامنئي"، في إشارة إلى المرشد الأعلى لإيران، و"الموت للنظام القاتل للأطفال".

ونقل موقع "إيران إنترناشونال" عن المعارض الإيراني، أبو الفضل قدياني، أن ما يحدث "انتقام" حكومي من احتجاجات المرأة الأخيرة ضد النظام. وقال: "في اعتقاده الباطل بقمعه لتجمعات الشارع، وجد خامنئي فرصة للانتقام لتهدئة روحه الشريرة، فاستهدف الصحة الجسدية والعقلية وسلامة الرواد الشجعان من الحركة .

وينتمي قدياني إلى جماعة ثورية يسارية كانت تدعم خامنئي قبل إجراء الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها، عام 2009، وبعد معارضته للنتائج، سجن وأصبح معارضا.

وقال: "خامنئي هو نفس المجرم الذي انتقم من الأميركيين بقذف بعض الصواريخ على (قاعدة) عين الأسد، ولكن في ذلك اليوم المشؤوم... قتل عمدا ركاب الطائرة الأوكرانية الأبرياء".

ويشير المعارض إلى إسقاط طائرة أوكرانية أقلعت من طهران في يناير 2020، بعد ساعات من إطلاق إيران صواريخ على قواعد أميركية في العراق. وأسقط الحرس الثوري الإيراني الطائرة بصاروخين ومات جميع من كانوا على متنها وعددهم 176.

وأشار تحقيق حكومي إلى أن السم يحتوي على ثاني أكسيد النيتروجين، بحسب علي رضا مونادي، رئيس لجنة التعليم والبحث والتكنولوجيا بالبرلمان. وأضاف أن السم اختفى بسرعة في الأجساد وكان من الصعب رصده.

وقال رئيس بعثة منظمة الصحة العالمية في إيران، سيد جعفر حسين، إن المنظمة على اتصال بالسلطات الصحية الإيرانية، وأطباء، لفهم ما يحدث، وفق وول ستريت جورنال.

هل تكرر المشهد؟
ويرى بعض الإيرانيين أن هذه الحوادث تشبه الهجمات بالآسيد التي وقعت في مدينة أصفهان الإيرانية، أواخر عام 2014، بسبب عدم ارتداء النساء الحجاب بشكل صحيح.

ووقعت حوادث تسمم مماثلة قبل سنوات في أفغانستان، عندما عارضت طالبان تعليم الفتيات لكن لم يثبت أنها كانت هجمات متعمدة.

وحققت الأمم المتحدة في سلسلة من حالات التسمم المزعومة لطالبات المدارس في أفغانستان، بين عامي 2012 و 2016، ولم تعثر على أي أثر لغاز كيماوي أو سموم، وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال نقلا عن مسؤول سابق بالأمم المتحدة مطلع على التحقيق.

مشكلة نفسية؟
وخلصت الأمم المتحدة إلى أن الأعراض التي عانت منها الفتيات كانت على الأرجح نتيجة لمرض نفسي جماعي حدث نتيجة الذعر الاجتماعي الذي يقول خبراء الصحة العقلية إنه يحدث بسبب القلق ويظهر في صورة أعراض جسدية حقيقية. 

وقال مسؤول الأمم المتحدة السابق في أفغانستان: "هذا لا يقلل من حقيقة أن الفتيات كن يعانين... هذا يسلط الضوء على الضغوط العقلية لكونك فتاة مراهقة في هذه الأماكن القمعية".

ومعظم المتضررين في إيران في المدارس الابتدائية والثانوية والثانوية. وقال البعض إنهم عانوا من أعراض التسمم بعد شم رائحة تشبه الفاكهة الفاسدة.

ويمكن أن يكون لبعض غازات الأعصاب رائحة فواكه، وفق الصحيفة، لكن الحكومة الإيرانية قالت إن المركبات المستخدمة في الهجمات المزعومة لم تكن بأسلحة كيماوية، ويمكن علاجها.

وفي مقاطع من حوادث وقعت في إيران، شوهد العاملون في مجال الرعاية الصحية يقدمون الأكسجين فقط للفتيات اللواتي تعرضن للإعياء قبل نقلهن في سيارات الإسعاف.