المصدر: النهار
الأحد 30 نيسان 2023 11:58:11
قصته تصلُح لأن تكون فيلماً سينمائياً بالحد الأدنى، بقدر ما تحتمل من أحداث أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع. قصة تجري أحداثها في بلجيكا، بطلها رائد أعمال لبناني في مجال التكنولوجيا، كان ذاهباً لقضاء إجازة في أوكرانيا مع رفيقته، لكنّه وجد نفسه فجأة موقوفاً هناك بتهمة الاحتيال في 12 آب 2021 من قِبل اليوروبول، حين أوقف 21 يوماً قبل ترحيله إلى بلجيكا لمحاكمته.
في الآتي، ننقل قصة اللبناني سيمون تادروس الممنوع من مغادرة بلجيكا بانتظار محاكمته بعد نيله إفراجاً موقتاً من السجن مقابل كفالة مالية كبيرة. ننقل روايته، من دون التمكن من الاطلاع على رواية الإدعاء البلجيكي في هذه القضية، بموجب تحفظه إعلامياً.
"قصتي قضية مواطن لبناني تحتجزه الحكومة البلجيكية، بسبب انتقام إحدى الجهات التي تُعنى بالعملات الرقمية منه، وغباء شخص بلجيكي احتيل عليه في هذا العالم المشفَّر"، وفق تعبير تادروس، رجل الأعمال اللبناني في مجال التشفير.
قضية سيمون، 36 عاماً، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعالم العملات المشفرة، بجانبيه الإيجابي والسلبي. فصحيح أنّه أوقف من جراء تلاعب مؤسسات قوية بالمعلومات لخدمة مصالحها الخاصة، إلّا أنه لولا خبرته بهذا المجال وتداوله بالعملات الرقمية وتحويلها إلى أموال حقيقية، لما استطاع العيش في "دولة جرّدتني من جميع حقوقي الإنسانية، واحتجزت جواز سفري ومنعتني من السفر بانتظار محاكمتي في جرم لا أعرف عنه أي شيء"، يقول سيمون.
بدأت القصة عندما نشر أحد المواقع التي تُعنى بالعملات الرقمية، مقالاً يتهم فيه سيمون بالاحتيال في عالم التشفير. حين وقع سيمون على هذا المقال، استهزأ وأرسله لأصحابه. أرسل للكاتب امتعاضه من محتوى المقال ودارت مشادة كلامية بينهما افتراضياً على منصة تويتر.
مرّ الوقت، واعتزم سيمون السفر مع رفيقته ورفيقه إلى أوكرانيا لقضاء إجازة. هناك، اعتُقل ورُحّل إلى بلجيكا على خلفية المقال المذكور الذي وصل إلى مواطن بلجيكي احتيل عليه، واعتقد أنّ سيمون هو المجرم بسبب الاسم المستعار الذي كان يعتمده سيمون في الألعاب الإلكترونية وورود هذا الاسم في المقال المذكور، إذ يزعم القضاء البلجيكي أنّ سيمون اخترق مواطناً بلجيكياً واختلس عملة بتكوين بقيمة 195 ألف دولار. وبحسب سيمون، أُعدّ هذا المقال للانتقام منه، كونه تطرّق في مجموعة محادثة للمعنيين في عالم التشفير إلى أنّ العملات التي يتداول بها هذا الموقع، مزيّفة.
لدى وصوله إلى بلجيكا، مثُل أمام المدعي العام، وسُجن بعدها في الحبس الاحتياطي في مدينة بروج لمدة ستة أشهر. حاول سيمون خلال التحقيق التعاون إلى أقصى الحدود لإظهار حسن النية، كما يروي، كونه "واثقاً من براءته".
زوّد الشرطة البلجيكية بكافة أجهزته الإلكترونية من هاتف وجهاز iPad وكمبيوتر محمول ومحفظة رقمية. أصيب بالضياع والدمار النفسي عندما احتُجز هاتفه في السجن، "فأنا من الأشخاص الذين يستخدمون الجوال 18 ساعة يومياً في بحث عن تطوير عملي والابتكار، كدت أُجنّ".
حاول الرجل اللجوء إلى عدد من الأحزاب السياسية في لبنان، وصولاً إلى رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، لكن لم تفلح مساعيهم. كذلك، حاول السفير اللبناني في بلجيكا مساعدته مع السلطات البلجيكية، لكنه عاد خائباً أيضاً.
بعد التحقيقات والطلب من السلطات اللبنانية تفتيش منزل سيمون، "لم يثبت أي دليل عليه"، وفق قوله، وتم إطلاق سراحه بكفالة قدرها 120.000 يورو، تم جمعها وتمويلها من قبل مجتمع Crypto في لبنان وعائلته وأصدقائه. على أنّ تسديد هذه الكفالة كان من المفترَض أن يُعيد له جواز سفره.
لكن القصة لم تنتهِ هنا. أُفرج عن سيمون دون إعادة أغراضه، وكانت شروط الإفراج "غير عادلة وصارمة للغاية، مثل منع التحدّث إلى وسائل الإعلام"، يقول سيمون.
"قالت لي رفيقتي إنّ بلجيكا دولة القوانين وأنت بريء إذاً لا تخف من المثول...ليتني لم أصدّق كلامها، إذ بلجيكا دمّرتني وظلمتني لا بل إنّ القضاة متحيّزون ورفضوا حتى نقل ملفي إلى المقاطعة الفرنسية، لا بل أصرّوا على المضي في الملف رغم عدم وجود أي دليل يثبت ما يتهمونني به، لكنّهم أصبحوا كمَن أخطأ ويغرق أكثر في أخطائه ظناً منه أنّه يصلحها"، يروي سيمون.
أوكل الرجل قضيته إلى محامين وأنفق حتى الآن 70 ألف يورو بدل أتعابهم، لكنّهم لم يفلحوا بكسب القضية. وبرأي سيمون أنّه إن ربح القضية، على الدولة البلجيكية تعويضه بمليون يورو. "لكن ماذا ينفع هذا التعويض؟ فأنا غير موجود في النظام البلجيكي، ولا أمتلك أي سجلات طبية أو تأمين، فالدولة رمتني في الشوارع دون سقف أو أوراق هوية أو جواز سفر، وليس لدي أي أوراق ثبوتية لأتمكن من الاستئجار في أوروبا ولا في بلجيكا ولا للعمل ولا لامتلاك خط تلفون أو فتح حساب مصرفي. أحتاج إلى فحوصات طبية كاملة، لأن التوتر والصدمة كبيران. أسناني تتدهور، وأصبحت مصاباً بالسكري من النوع الأول، بعد أن كنت سليماً وبتّ أحتاج إلى علاج مستمر"، يقول سيمون بوجع.
خلال فترة اعتقاله، مرض والده وكان على فراش الموت. طلب من السلطات البلجيكية السماح له بالعودة موقتاً الى لبنان لرؤية والده مقابل كفالة مالية باهظة، لكن القضاء لم يستجب. توفي والده ولم يره. بعدها، تعرضت والدته لحادث أصيبت بعده بالسرطان.
عانت من نزيف دماغي ما جعلها مشلولة وبحاجة إلى رعاية عميقة، وهو الوحيد الذي يعيلها كونه ابنها الوحيد. كذلك، لم يرَ سيمون ابنته التي تبلغ من العمر 8 سنوات منذ اعتقاله في أوكرانيا، أي منذ ما يفوق السنة ونصف السنة. شركته المكونة من حوالي 30 موظفاً في لبنان تدمرت، و"الدولة البلجيكية لم تنظر في جميع هذه الجوانب الإنسانية، من أجل ماذا؟ بسبب جريمة لم أرتكبها؟".
يصف سيمون نفسه بالـ nerd فـ"أنا من طلاب الجامعة المجتهدين، ولم يكن همّي سوى أن أبتكر شيئاً في التكنولوجيا لإيماني بأنها المستقبل، ونجحت في عملي وأسّست 3 شركات للبرمجة، وجميع مَن يعرفني يعرف كم ساعدت أشخاصاً وساندتهم، وسمعتي بين مجتمع العملات المشفرة في لبنان لا غبار عليها".
حالياً، يعيش سيمون دون هوية، وهو مقيَّد رغم أنّه حرّ طليق، شكّل التداول بالبتكوين ملاذه الآمن، رغم أنّه كان علّة اعتقاله. يحوّل البتكوين ويتقاضى الأموال نقداً مقابلها. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يؤمن حاجياته الأساسية من خلالها. كذلك، بعد خروجه من السجن، استلم مشروعين من زبونين في مجال البرمجة، "لكن عندما ينفد يدل أتعاب هذين المشروعين كيف سأعيش؟"، يسأل سيمون.
أمّا عن وضعه القانوني، فهو الآن بانتظار محاكمته، "ولم يمكنني التفكير بالهروب بشكل غير شرعي إلى دولة أخرى ومن ثم إلى لبنان، فأنا أفكر بوالدتي التي أحوّل لها المال لكي تعيش وتتعالج، وبابنتي التي أنفق على تربيتها وعلى تعليمها، فهما همّي الوحيد، رغم الانهيار الذي أعيشه والذي لا يُحتمَل".