أكان الحلبي يعلم بقرار إلغاء البروفيه.. وما مصير الطلاب؟

تتفاوت الآراء حول ما إذا كان وزير التربية عباس الحلبي قرر قبول طلب بعض الجهات السياسية، التي أصرت عليه لإلغاء امتحان البروفيه، وأنه حضر الجلسة وكان على علم مسبق بقرار الإلغاء.. وبين من يؤكد أن الوزير لم يكن يعلم وتفاجأ بطلب الوزراء منه القبول بإلغاء الامتحان، وتضامن معهم وزارياً وقبل بصدور القرار.

لكن ما هو مؤكد، وفق مصادر "المدن"، أن وزير الداخلية بسام المولوي لم يطلب إلغاء الامتحان لعدم توفر الإمكانات للقوى الأمنية لضبط مركز الامتحانات. بل إن المولوي أراد معرفة إذا كانت ستجرى الامتحانات كي تقوم وزارة الداخلية بما هو مطلوب منها من استعدادات. بيد أن رأي كل الوزراء، باستثناء الحلبي، كان بضرورة إلغاء الامتحان سواء لناحية عدم الجدوى التربوية منه أو لناحية عدم صرف الأموال عليه، من بعد إلغاء الانتخابات البلدية لعدم توفر نحو ثمانية ملايين دولار لها. حتى رأي الحلبي نفسه كان ملتبساً. فالمسؤولون في وزارته أكدوا له ضرورة إجراء الامتحان لتقييم الطلاب، وعدم فتح الباب لمنح آلاف الإفادات لأشخاص تقدموا بطلبات حرة أو من خلال مدارس خاصة، فيما زملاؤه الوزراء، وكلهم من حملة شهادات الدكتوراه أو يدّرسون بالجامعات، كان رأيهم أن لا معنى تربوياً لهذا الامتحان، طالما أن نسبة النجاح في الدورة الأولى تتخطى الـ97 بالمئة من المتقدمين له.

احتجاجات في وزارة التربية
المرجح هو أن الحلبي ذهب وهو على علم مسبق بإلغاء الامتحان، ولم يخبر المسؤولين في الوزارة بهذا الأمر، لعلمه سلفاً أن الاعتراضات التي ستحصل ستؤدي إلى إفشال إلغاء الامتحان. فقد سبق وطرح البعض في وزارة التربية أمام المدارس الخاصة وأمام نواب في لجنة التربية النيابية فكرة إلغاء امتحان البروفيه، كما طالبت المؤسسات التربوية الخاصة في الاجتماعات المغلقة (وليس في العلن)، لكن خطوة الإلغاء فشلت. وتشير مصادر متابعة أن المسؤولين في الوزارة احتجوا على القرار وعلا صراخهم يوم أمس، خصوصاً أن الوزير لم يبلغ أي أحد منهم، بمن فيهم المدير العام عماد الأشقر. فيما تشير مصادر أخرى إلى أن مخطط إلغاء الامتحان "طُبخ" منذ مدة، حتى أن مدارس خاصة أبلغت طلابها عن إلغاء الامتحانات منذ نحو أسبوع.

منذ ما قبل صدور قرار إجراء الامتحانات قبل نحو شهر ونصف الشهر، جرى الحديث عن إمكانية إلغاء امتحان البروفيه. حينها كانت غالبية المدارس الرسمية مقفلة أمام الطلاب، فيما المدارس الخاصة لم تكن قد أنهت برامجها بعد. وكانت المداولات حينها أنه يجب عدم إشاعة أي أخبار تفيد بإلغاء هذا الامتحان، كي لا يؤثر على مخطط إعادة فتح المدارس الرسمية أبوابها من ناحية، وعدم تأثر طلاب المدارس الخاصة في إكمال دروسهم، طالما أنهم سيحصلون على إفادات. وكان الرأي السائد حينها أن إلغاء الامتحان البروفيه يؤدي إلى ضرب امتحان الثانوي أيضاً، نظراً للاحتجاجات التي ستتصاعد في التعليم الرسمي، وأفضل وقت هو بعد انتهاء العام الدراسي وبعد استعداد الطلاب له، لضمان تعلمهم في بيوتهم المهارات المطلوبة، بسبب عدم تعلمهم خلال العام الدراسي.

الغاء الامتحان وليس الشهادة
بما يتعلق بالطلاب سيمنحون إفادات تثبت اجتيازهم هذه المرحلة التعليمية، لأن ما حصل هو إلغاء الامتحان وليس الشهادة. أي لا يمكن الاكتفاء بالعلامات المدرسية. وسيصدر تعميم عن الوزارة بهذا الخصوص. وبما يتعلق بالأعمال الإدارية (الموظفون الذين عملوا طوال المدة الفائتة على تسجيل وتوزيع الطلاب والمراكز والمراقبين) فيفترض أن يصار إلى التوصل إلى حل بشأنها. غير ذلك ستتصاعد صرخة الموظفين الذين تكبدوا تعباً وأكلاف انتقال.

تربوياً ما حصل في مجلس الوزراء هو الغاء الامتحان وليس الشهادة المتوسطة وبقرار متسرع. فقد ألغي هذا الامتحان بعد أيام على إجراء الامتحانات الرسمية للبروفيه المهنية والامتحانات التأهيلية في التعليم المهني. وقد كانت شكلية لأن طلاب المهني في المعاهد الرسمية لم يتعلموا طوال العام الدراسي. فيما كان المطلوب الغاء الشهادة الرسمية وليس الامتحان. فهذا الأخير باب للتنفيعات والزبائنية وإجراء إقصائي للطلاب غير معتمد عالمياً. وإلغاؤه نهائياً يتطلب إلغاء الشهادة الرسمية ليصبح الانتقال من الصف التاسع (البروفيه) إلى مرحلة الثانوي مثله مثل الانتقال من الصف الثامن إلى التاسع. أما التذرع بأن بعض الوظائف يتطلب الدخول إليها الحصول على شهادة البروفيه، فبالإمكان استبدالها بإفادة مدرسية تتضمن العلامات المدرسية. هذا فضلاً عن أن الغاء الشهادة يؤدي حكماً إلى إلغاء مبدأ الطلبات الحرّة والموافقات الاستثنائية في تسجيل طلاب كيفما اتفق في بعض المدارس الخاصة. وعلى سبيل المثال، تلفت مصادر إلى أن تسجيل الطلاب لم يتوقف هذا العام حتى نهاية شهر نيسان، هذا رغم أن مهلة التسجيل مددت خصيصاً هذا العام فقط لغاية نهاية شهر آذار، نظراً لإقفال المدارس الرسمية أبوابها بسبب الإضرابات.

بازار الامتحان
إلغاء شهادة البروفيه واجب وطني. لكن يجب أن يأتي ضمن خطة إصلاحية لقطاع التربية، تقوم على دعم التعليم الرسمي واقفال العديد من مدارس الدكاكين بالقطاع الخاص. أي المدارس التي حصلت على رخص وتدرّس وتخرج الطلاب من دون إذن مباشرة عمل (الحصول على الرخص سهل جداً ويتطلب شرط أن يكون صاحب الرخصة لبناني منذ أكثر من عشر سنوات وحائز على شهادة الثانوية العامة...). غير ذلك سيعود بازار إلغاء الامتحان أو الحفاظ عليه مفتوحاً، ويستمر بيع الإفادات. وفي ظل الظروف القاهرة التي يعاني منها التعليم الرسمي ستستمر نسبة انخفاض الطلاب فيه من دون معرفة إلى أي وجهة ينزحون. ففي مطلع العام الدراسي الحالي تحدث وزير التربية عن أن نسبة الطلاب في المدارس الرسمية انخفضت بنحو 25 بالمئة. وهذا الانخفاض لم يترجم كارتفاع في نسبة الطلاب في القطاع الخاص، وأقله في المدارس الكاثوليكية التي تضم أضخم شبكة مدرسية بنحو 320 مدرسة. ما يعني أن انخفاض النسب بالتعليم الرسمي إما تسرب إلى الشارع أو إلى مدارس الدكاكين. وهذه الصفة استخدمها الوزير الحلبي منذ مدة في معرض تحذيراته من بقاء وضع التعليم الرسمي على حاله.