المصدر: النهار
الثلاثاء 19 كانون الاول 2023 07:38:32
عادت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا إلى جدول زيارتها المقرر إلى بيروت بعد تريث واعادة نظر، ترافقاً مع الغاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارته اليها واستعاضته عنها بزيارة الأردن، حيث سيمضي عيد الميلاد مع الجنود الفرنسيين.
استهلت كولونا لقاءاتها من عين التينة حيث اجتمعت برئيس مجلس النواب نبيه بري، بعدما استعاضت عن زيارة الجنوب بلقاء قائد القوات الدولية العاملة هناك في العاصمة، قبل ان تنتقل الى اليرزة للقاء قائد الجيش العماد جوزف عون، ومن ثم إلى السرايا للقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، لتختم يومها بمؤتمر صحافي لشرح أهداف الزيارة ونتائجها.
لم يكن تأجيل الزيارة بسبب عطل في الطائرة، وانما بعدما ارتأت الوزيرة الفرنسية ان تزور تل أبيب حيث كان لها لقاء مع مستشار الامن القومي الاميركي جاك سوليفان الموجود في الضفة الغربية للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
في المواقف المعلنة، هدفُ الزيارة محدد ومحصور بالوضع في الجنوب وبضرورة سحب فتيل التفجير ووقف التصعيد على نحو يستدرج فريقا المواجهة، اي إسرائيل و"حزب الله"، الى الحرب. ولكن في الغرف المغلقة، يذهب الحديث ابعد، اذ تتولى كولونا مهمة التوسط بين اسرائيل والحزب من اجل التفاوض على آلية تطبيق القرار الدولي 1701، وتحديد الأرضية الصالحة لبدء المفاوضات التي لن تحلّ ساعتها الصفر إلا بعد التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار في غزة، وفق ما تكشف المعلومات المتوافرة. ذلك ان كولونا بدأت هذه المهمة بتكليف من الرئيس الفرنسي، وتتصرف برغبة مجموعة الدول الخمس، بحسب توصيف مصدر ديبلوماسي، وليس بتكليف رسمي منها، وهي تعمل على خط إسرائيل - بيروت وسط معلومات معلنة عن تنسيق بينها وبين الجانب الاميركي، في حين ترددت معلومات مناقضة تماماً تعكس استغراباً أميركياً للدور الفرنسي الذي يقفز على الدور الاميركي. فواشنطن التي عادت بقوة إلى الساحة الاقليمية، كلّفت الموفد الرئاسي آموس هوكشتاين القيام بالوساطة وفتح قنوات التفاوض مع لبنان، من اجل تحقيق امرين: اولهما تنفيذ القرار 1701، وانجاز الترسيم البري، من حيث توقفت المفاوضات قبل حرب غزة. وتدرك واشنطن ان اي تحرك اليوم في هذا السياق لن يؤتي نتيجته قبل وقف النار في غزة، لأن إسرائيل لن تلتزم وقف اعتداءاتها على الحدود الجنوبية، كما ان "حزب الله" لن يوقف ما يصفه بالأعمال المساندة للفلسطينيين في غزة. وبالتالي، لا يُنتظر ان تتبلور أي آلية اليوم قبل ان يتضح مسار الحرب على الجبهة الاسرائيلية - الفلسطينية. وهذا ما أخّر زيارة هوكشتاين إلى بيروت.
رسائل كولونا واضحة إلى السلطات اللبنانية، لجهة تجنب التصعيد وتأكيدها امام مَن التقتهم أن الضغط الذي تمارسه باريس على لبنان من اجل عدم الانزلاق في الحرب بسبب تقديرات او حسابات خاطئة يمكن ان تفتح المجال امام ذلك، هو عينه الذي أبلغته إلى الجانب الإسرائيلي من اجل حضّه على وقف الاعتداءات وتطبيق القرار الدولي. لكن باريس تدرك تماماً ان تحركها الديبلوماسي لن يكون كافياً ما لم يحظَ برعاية او مباركة أميركية، كما لن يكون كافياً لتثبيت الحضور الفرنسي في لبنان والمنطقة، انطلاقاً مما وصفه المصدرعينه بالأفضلية للتعاطي مع واشنطن. لكن باريس لا تيأس من المحاولة، خصوصاً انها تلاقي تجاوباً في تل ابيب، يأتي انطلاقاً من تمني إسرائيل بأن يتمكن الفرنسيون من استعادة حرارة التواصل مع الحزب، كما كانت قبل السابع من تشرين الاول الماضي، وان يؤمّنوا هذا الخط، وقد عبّر عن ذلك نظيرها الاسرائيلي إيلي كوهين عندما قال انه "يمكن لفرنسا اداء دور إيجابي وهام لمنع حرب في لبنان"، من دون ان يغفل الاشارة الى ان "بلاده لا ترغب في فتح جبهة جديدة على حدودها الشمالية لكنها ملزمة حماية مواطنيها، والطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك هي اجبار الحزب على الانسحاب الى شمال نهر الليطاني، وليس هناك إلا طريقتان للقيام بذلك، إما بالديبلوماسية وإما بالقوة". وهذا الكلام يؤشر إلى الرسالة التي نقلتها كولونا إلى المسؤولين اللبنانيين، في مسعى إلى تحقيق ذلك بالديبلوماسية، اي بتنفيذ القرار الدولي، وإلا، فإن إسرائيل لن تتراجع عن تهديداتها حتى تؤمّن ضمان حدودها الشمالية. ومعلوم ان هذه الرسالة لن تلقى استجابة من "حزب الله" الذي لا يزال يرفض حتى الآن اي تنازل، او تطبيق حرفي للـ 1701 الذي لا يقتصر على انسحابه من جنوب الليطاني، وانما تسليم سلاح عناصره.
في المقابل، تتحرك الدوحة بقوة في اتجاه غزة، وسط معلومات مفادها ان لبنان سيكون الوجهة المقبلة للتحرك القطري فور انجاز الوساطة في غزة والتوصل إلى وقف إطلاق النار.