أمن قصر العدل مهدّد: اختفاء تدريجي للحرّاس

هل يفقد قصر عدل بيروت أمنه؟ يُطرح هذا السؤال بين أهل القضاء اللبناني منذ حين، وخصوصًا مع التضاؤل المتواصل في أعداد العناصر الأمنية العاملة في "العدلية"؛ أكبر قصور العدل اللبنانية وأكثرها ازدحامًا بالقضاة والقضايا والأزمات. وبعد أن كان عددهم يتراوح ما بين 50 و55 عنصراً أمنياً، موزعين على نقاط الحراسة والمحاكم، بات العدد يتناقص تدريجيًا، تمامًا كما هو الحال في كل مخافر وثكنات لبنان؛ ومع النزيف البشري المستمر الذي تعاني منه مديرية قوى الأمن الداخلي، بات أمن قصر العدل، مُهدّدًا أيضًا، بعد التخلي عن الحاجز الأمني الذي كان بموازاة المدخل الرئيسي لقصر العدلية ووزارة العدل، لعدم توفر العنصر المُراقب للداخلين، فأُقفلت العارضة الحديدية أمام الوافدين، لتصبح جزءًا من "موقف مؤقت للسيارات" استحدث مؤخرًا في ظل صعوبة تعيين حارس أمني جديد.

خطر أمني؟
لم يتوقف هذا الأمر على الحراسة خارج مبنى العدلية وأمام وزارة العدل، بل وبات يشمل الداخل. وبهذا السياق أشار مصدر أمني رفيع المستوى لـ"المدن" أن المبنيين (قصر العدلية ووزارة العدل)، باتا معرضين لخطر أمني داهم في أي لحظة، خصوصًا أن العين المراقبة قد اختفت خارجًا، ويُشرف عنصرٍ واحد (يقف على البوابة الرئيسية على مدار الساعة) على حركة الوافدين، يليها قسم التفتيش يتولى أمره 3 عناصر فقط. أما في الداخل، فهناك تدنٍ ملحوظ للعديد الأمني في القاعات والأروقة والمراكز الأساسية التي قد تكون عرضةً للاقتحام أو لهجوم جماعة أيًّا كانت أهدافها. أما موقف السيارات الذي استحدث قد يكون عاملًا للتوتر الأمني في محيط قصر العدل. إذ تحول لنقطة تُعرقل السير في الأوتوستراد الرئيسي، الأمر الذي من شأنه خلق نوع من الزحمة اليومية المضافة لزحمة هذه المنطقة أساسًا.

يرى المراقبون بأن أسباب النزيف المستمر في العناصر الأمنية يعود لأمرين: الأول، هو إحالة أعداد ضخمة إلى التقاعد من دون فتح باب لدورات تطوع جديدة، إلى جانب أعداد الوفيات، وثانيًا لتفشي ظاهرة الفرار  من المراكز بسبب تدهور الأوضاع المعيشية وانخفاض قيمة الرواتب من دون أن تتمكن مديرية قوى الأمن الداخلي من تجاوز أزمتها المالية.

تعزيزات أمنية
منذ أسبوعين، داهم "الذعر" مجموعة من القضاة، بعدما طُلب من المجلس العدلي إرجاء المحاكمة المتعلقة بالتفجير الإرهابي الذي وقع في منطقة حارة حريك العام 2014، إلى موعد آخر، بسبب معلومات أمنية تؤكد بأن إحدى المجموعات الإرهابية تسعى إلى تنفيذ عملية لتهريب الموقوف نعيم اسماعيل محمود، خلال سوقه إلى قصر عدل بيروت، لافتين إلى أن المجموعة الإرهابية ستقتحم قصر عدل بيروت في حال عجزت عن تنفيذ المهمة في الخارج.

أظهرت هذه المعطيات بأن قصر عدل بيروت بات عرضةً لأي عملية مسلحة مع تدني عدد العناصر الأمنية داخله. وعليه، أوضح مصدر أمني في حديثه لـ"المدن" بأن عدد العناصر الأمنية داخل قصر عدل بيروت انخفض تدريجيًا، ويتراوح العدد الحالي بين 33 و35. أما النظارة (تضم 115 موقوفًا)، لا يتجاوز عدد العناصر فيها 15؛ لافتًا إلى أن هذا العدد يوزّع على مدار الساعة، ما يعني أن حماية الموقوفين تقع على عاتق 4 عناصر فقط، وبالتالي لا قدرة لهم على صد أي هجوم على النظارة.

وتجنبًا لأي تطورات أمنية من شأنها "خض" العدلية، أكد الرئيس الأول لمجلس القضاء الأعلى، القاضي سهيل عبود في حديث خاص لـ"المدن" بأنه تواصل مع وزير الداخلية، بسام المولوي طالبًا منه اتخاذ الإجراءات اللازمة، فأصدر المولوي مذكرةً تقضي بتأمين التعزيزات الأمنية اللازمة واتخاذ التدابير المطلوبة خلال جلسات المجلس العدلي وستنفذ ابتداءً من اليوم الجمعة 8 كانون الأول".

تتفاوت أسباب الأزمة الحاصلة داخل مديرية قوى الأمن الداخلي، ولكن من الممكن حصرها بمجموعة من الأسباب الرئيسية وهي "ارتفاع أعداد المتقاعدين (أكثر من 700 عنصر سنويًا)، إقفال باب التطوع منذ أكثر من 5 سنوات، وفقًا لكلام أحد المصادر الأمنية.  لذلك فإن عدد العناصر ينخفض تدريجيًا في كل عام من دون أن يعوض، سيما أن مديرية قوى الأمن الداخلي تسعى إلى تعويض هذا الخلل عن طريق توزيع العناصر وفقًا للحاجة الضرورية لهم.

الحاجة إلى الأمن
هذه الأزمة طرحت بعض السيناريوهات التي من الممكن حدوثها في ظل التفلت الأمني الحاصل، وأعادت القضاة إلى الجريمة التي حصلت في العام 1999، حين قتل 4 قضاة خلال إحدى المحاكمات في صيدا. لذلك، اعتبر مصدر قضائي بارز في حديثه لـ"المدن" أن هذه المسؤوليات تقع على عاتق مديرية قوى الأمن الداخلي، ومن المفترض تعزيز الإجراءات الأمنية داخل قصر عدل بيروت بشكل يوميّ لتجنب أي حادثة قد تعرض حياة القضاة والمحامين والمواطنين للخطر".

في السياق نفسه، لفتت المصادر القضائية إلى ضرورة استخدام قاعة الجنايات التي جهزت سابقًا داخل مبنى رومية، من أجل متابعة جلسات المجلس العدلي من دون الحاجة إلى سوق الموقوفين من رومية إلى قصر عدل بيروت عبر الآليات العسكرية. وهنا يجب أن نلفت إلى أهمية اتخاذ إجراءات أمنية مماثلة لتلك المعتمدة داخل المحكمة العسكرية التي تحظى بتشدد أمني على مدار الساعة.

في واقع الأمر، التراخي الأمني قد يكون شبيهًا بالقنابل الموقوتة التي ستنفجر في أي لحظة، فإن عدم توفر العدد الكافي من العناصر لتأمين الحماية اللازمة، وعدم توزيعهم أمام غرف القضاة وداخل مبنى وزارة العدل، سيضاعف هذا التفلت، فيصبح متاحًا أمام أي شخص التسلل ليلًا إلى مبنى وزارة العدل أو إلى داخل قصر عدل بيروت، أو أن تقتحم مجموعة مسلحة الباب الرئيسي من أجل تهريب أحد الموقوفين.

بدوره، اعتبر مصدر أمني آخر لـ"المدن" بأن التراخي الأمني ناتج عن سوء توزيع جهاز أمن السفارات على الإدارات الرسمية وفي الأماكن الأكثر حاجة، حيث يوزع عدد لا يستهان به من العناصر الأمنية لتسيير بعض الشؤون الإدارية، بينما يتقلص هذا العدد داخل قصور العدل.

وفيما بات معروفًا بأن الأزمة الاقتصادية رمت بأثقالها على مديرية قوى الأمن الداخلي، يبقى السؤال اليوم: هل أصبح قصر عدل بيروت بحاجة إلى حماية أمنية خاصة في ظل استمرار عجز مديرية قوى الأمن الداخلي عن تأمين الأعداد اللازمة من العناصر؟