أموال منشآت النفط يصرفها الوزير على سياراته وسفرياته

مدّت وزارة الطاقة والمديرية العامة للنفط يدها على أموال منشآت النفط خلافاً للأصول، مكرسة آلية صرف للأموال العمومية بلا رقابة. وتبين أن هذه المؤسسات تعمل من دون موازنة سنوية، كما لو أنها مؤسسات فردية لا تخضع للأجهزة الرقابية، وفق ما ظهر في تحقيق يجريه التفتيش المركزي بملفات تتعلق بوزارة الطاقة ومنشآت النفط.

تأخر بتسليم المستندات
وتبين أن التفتيش المركزي يحقق بتسديد وزارة الطاقة نفقات على حساب منشآت النفط، خلافاً للأصول من العام 2020 ولغاية 2023. هذا فضلاً عن فقدان كميات كبيرة من المحروقات من خزانات منشآت النفط في الزهراني، سجلت على أنها تبخرت بسبب عوامل الطقس وتداعي البنى التحتية، وكفضلات لمزيج من محروقات عدة وضعت في أحد الخزّانات.
وفي المعلومات، طلب التفتيش إيداع المستندات المطلوبة لإجراء التفتيش والتحقيق خلال مهلة أسبوع، بتاريخ 9 أيار الفائت. لكن منشآت النفط طلبت تمديد المهلة لشهرين بتاريخ 17 أيار 2023. ولم تودع المستندات الموقعة من وزير الطاقة وليد فياض إلا بتاريخ 7 آب المنصرم، وبتأخر لشهر إضافي عن المهلة الممدة.

دفع فواتير لمكتب الوزير
وتبين أن آلية إنفاق الأموال العمومية في منشآت النفط تتم من دون ضبط حسابات ولا ميزانية سنوية، وخلافاً للأصول المالية. فحساب المنشآت الخاص المفتوح لدى مصرف لبنان هو تحت تصرف وزير الطاقة والمياه ومدير عام النفط. والإجراءات التنفيذية من أجل صرف النفقات ترتبط بموافقة الوزير، على اعتبار أن المنشآت ليس لديها أي موازنة ملحقة أو مستقلة.
وتبين أيضاً أن وزارة الطاقة أقدمت على شراء محروقات لتشغيل مولدات مبنى وزارة الطاقة ونفقات صيانة، وصيانة آليات تابعة للوزير ومستشاريه، وأكلاف سفر الوزير والمرافقين، ومحروقات لصالح الوزير بمعدل 16 تنكة بنزين شهرياً، وسددت ثمنها من أموال المنشآت. وقد سددت منشآت طرابلس في العام 2022 مبلغ 162 مليون ليرة لبنانية ونحو 34 ألف دولار، ومنشآت الزهراني سددت 128 مليون ليرة و108 آلاف دولار. وفي مطلع العام 2023 سددت منشآت طرابلس 55 مليون ليرة و1897 دولاراً، فيما سددت منشآت الزهراني 38 ألف دولار.
ووفق التحقيقات، فإن مديري منشآت النفط ومكتب بيروت سددوا هذه الفواتير التي طلبها الوزير ومدير عام النفط (أورور فغالي قبل تقاعدها) من مالية المنشآت، وبتعليمات وتوقيع الوزير. وذلك من دون التقيد بأي آلية أو أصول قانونية تحدد كيفية اختيار الجهة المستفيدة. وهذا رغم أنه سبق لهيئة التشريع والاستشارات أن أصدرت رأيها بعدم جواز عقد نفقات لصالح الوزارة من مالية المنشآت.
وكشف التحقيق أن جزءاً من الاعتمادات الملحوظة في موازنة الدولة لتغطية النفقات لوزارة الطاقة بقيت من دون استعمال وصرف. وتم اللجوء إلى تحميل منشآت الزهراني وطرابلس كلفة فواتير كان ينبغي أن يتم صرفها من الاعتمادات المخصصة للوزارة. وقد "دفعت المنشآت التكاليف بغياب أي عملية تلزيم، الأمر الذي يدل على أن السيد الوزير قد عدل عن الإنفاق وفقاً لقوانين الموازنة، واختار سلوك طريق آخر خلافاً للأصول".

فقدان المحروقات بالزهراني
بما يتعلق بسؤال "التفتيش" حول فقدان كميات من المحروقات من منشآت الزهراني أرفق الوزير تقرير شركة LIIC وهي شركة تدقيق كلفها الوزير بتاريخ 30 كانون الثاني 2023 للقيام بمسح شامل عن المخزون النفطي. لكن تبين أن تقريرها صدر بناء على المستندات والتقارير المقدمة من منشأة النفط نفسها، ولم تقم هي بالكشف الميداني. لا بل تبنت الشركة ما يقوله الفنيون والإداريون في المنشأة، بأن قسماً من المواد يزعم أنها مفقودة فيما هي في الحقيقة مزيج أو فضلات لأنواع عدّة من المحروقات تم تجميعها في الخزان رقم 803 وهي مؤلفة من كميات من البنزين والديزل!
ووفق التحقيق، فإن حركة المحروقات الشهرية التي أعدتها الشركة أظهرت خسائر في معظم الأشهر خلال العام 2022 بشكل يتجاوز المسموح به جمركياً، بما يتعلق بالمازوت والبنزين. أما بما يتعلق بالفيول، فقد أظهرت البيانات عدم وجود أي حركة استيراد وتسليم، ورغم ذلك تبين وجود حركة زيادة ونقصان كبيرة وغير طبيعية في الكميات خلال هذا العام، بشكل لا ينسجم مع عدم وجود أي حركة. وهذا رغم أن حجم الخسارة التي قدرها التحقيق هي بنحو 969 ألف ليتر بنزين و443 ألف ليتر مازوت و24 ألف ليتر فيول، جرى قيدها "افتراضياً" أنها موجودة في الخزان رقم 803 كـ"فضلات"!

مسؤولية الوزير والمدير العام
بما يتعلق بمدير منشأة الزهراني زياد الزين، حول فقدان كميات النفط، أفاد بأن الكمية المفقودة تندرج في إطار الخسارة الفنية المسموح بها جمركياً. لكن تبين أنه عاجز عن تبرير نقص المخزون، عازياً السبب إلى التبخر والزربان وتقادم معدات المنشأة. وأكد أنه لم يجر أي تحليل مخبري لموجودات الخزان 803، المسجلة كفضلات، ولم يقدم أي مبرر لعدم القيام بقياس شهري وسنوي لموجودات الخزان، لوجود دعوى وشكوى قضائية أمام النيابة العامة المالية في هذا الشأن.
وخلص التحقيق إلى أن هناك مسؤولية على وزير الطاقة ومدير عام النفط السابق أورور فغالي بشكل مباشر في استعمال أموال عائدة للمنشآت خلافاً للأصول القانونية. وتستدعي التجاوزات الحاصلة إحالة القضية إلى ديوان المحاسبة والنيابة العامة لديه، والنيابة العامة المالية.
وأوصى التفتيش إيداع النيابة العامة المالية النتائج والمعطيات المتوفرة بما يتعلق فقدان كميات المحروقات، والطلب من وزارة الطاقة وضع ميزانية وفق الأصول لمنشآت النفط وإعادة تكليف شركة تدقيق مختصة للقيام بمسح المخزون النفطي.