أموال "ميّتة" لكهرباء لبنان: المؤسسة ستحجز ممتلكات وتلاحق وَرَثة

رفعت مؤسسة كهرباء لبنان تعرفة التغذية بالتيار الكهربائي تحت مظلّة خطة الطوارىء التي أعلنتها وزارة الطاقة، والتي بموجبها حصلت على سلفة خزينة بقيمة 62 مليون دولار، لشراء بواخر الفيول والغاز أويل، لزيادة ساعات التغذية إلى نحو 4 ساعات. ورغم تعهُّد الوزارة والمؤسسة بضمان زيادة الإيرادات وتفعيل الجباية وإزالة التعديات، لم تكن النتائج على قدر التوقّعات، بل ظهرت عوائق جديدة ستعرقل مسار الإصلاح في القطاع، وستحرم المؤسسة من مستحقات يصعب تحصيلها، مع أن المؤسسة متفائلة بالتحصيل.

تعدّدت الحالات والنتيجة واحدة
أقرَّ وزير الطاقة وليد فياض أنّ "هناك نجاحاً نسبيّاً ضئيلاً لخطة الكهرباء". وتمتدُّ إحدى جوانب النجاح الضئيل إلى الجباية التي يعرقلها غياب الآلية الصحيحة للتحصيل، سيّما وأن عملية الفوترة التي تقوم بها شركات مقدّمي الخدمات، متأخّرة بنحو سنتين.

والتأخّر يعني في بعض الأحيان، إصدار فواتير عن عدّادات لشقق أُجِّرَت لأكثر من مستأجِر، أو شقق توفّي مستأجرها أو حتّى مالكها الأصلي وما زالَ أبناؤه يؤجِّرونها. فمَن يدفع الفواتير، المالك أم المستأجِر، وكيف يمكن للمؤسسة ضمان مالها؟ وبذلك، تعدّدت حالات الشقق السكنية، لكن نتيجتها واحدة، وهي وجود قيمة فواتير غير مجباة، تقع على عاتق شخص استفاد من الخدمة.

مؤسسة كهرباء لبنان لديها آلية للتحصيل، تتمثّل بـ"ملاحقة المستأجِر المستفيد من الكهرباء، وصولاً إلى حدّ الحجز على أملاكه الخاصة وإصدار أمر تحصيل بقيمة المتوجّبات. أما في حال وفاته، فيتم ملاحقة الملف عبر ورثته"، وفق ما تؤكّده مصادر في المؤسسة في حديث لـ"المدن".

ولضمان حسن التطبيق، تقول المصادر أنه "على المالك إبرام عقد مع المستأجِر مثبت لدى جهة رسمية، وعندها لا يدفع المالك الفواتير عن المستأجِر حتى لو ترك الأخير المنزل".

حلول جزئية
يمكن لآلية مؤسسة الكهرباء أن تصحّ في حالات جزئية ومثالية وضمن مهلة زمنية قريبة، يكون فيها عقد الإيجار حديثاً والمستأجِر ما زال حيّاً ومعروف مكان الإقامة والعمل. ومع ذلك، تحتاج المؤسسة إلى أمر قضائي لملاحقته والحجز على أملاكه لإرغامه على دفع الفواتير.

لكن هناك حالات أكثر تعقيداً، فكيف ستعرف المؤسسة أن المستأجِر ترك المنزل. وقد يؤجِّر المالك أكثر من شخص قبل أن يكتشف عدم دفع أحد المستأجرين فواتير الكهرباء. وقد يتوفّى المستأجِر وقد يتوفّى المالك. كما أن الكثير من المنازل مؤجَّرة بلا عقد إيجار. وأبعد من ذلك، ما الذي يُلزِم المالك بالذهاب إلى مؤسسة الكهرباء ليتحرّى عن الفواتير غير المدفوعة، خصوصاً وأن نسبة التعديات على الشبكة والتهرّب من دفع الفواتير، مرتفعة جداً.

على مؤسسة الكهرباء أن تكون هي الأحرص على مالها. ويفترض ذلك عدم التأخُّر بإصدار الفواتير وجبايتها. وهذا لم يحصل. وبرأي مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة غسان بيضون "المسألة معقّدة ومن الصعب حلّها". ومع ذلك، يقترح بيضون في حديث لـ"المدن"، خطوات تحدّ من الاستنزاف وتؤسّس لنقطة انطلاق تضمن عبرها المؤسسة بعضاً من حقوقها.

يمكن للمؤسسة أن تلاحق الفواتير غير المدفوعة وتبدأ بـ"وقف العدّادات وقطع الخدمة عن المنزل. وحين يُراد إشغاله، سواء مِن المالك الفعلي أو المستأجر الجديد، يصار إلى تركيب عدّاد جديد باسمٍ يمكن تتبُّعه. لكن هذه الحالة مرهونة بالعدادات الذكية الجديدة التي لا يتم تركيبها في كل المناطق حالياً". وهنا، تضمن المؤسسة حقّها في المستقبل ضمن عقد إيجار جديد لكنها لا تضمن حقّها من المستأجر القديم.

ومنعاً لتكرار المشكلة يمكن للمؤسسة "رفع بدل التأمين الذي يُدفَع لتركيب العدّاد، فتستوفي المؤسسة جزءاً من حقوقها في حال عدم الدفع". ويلفت بيضون النظر إلى أنه طَرَحَ رفع قيمة البدل "في العام 2014 تماشياً مع طلب وزارة المالية ضبط الهدر ونفقات المؤسسة، لكن المؤسسة لجأت إلى تخفيض بدلات الاشتراك بحجّة تشجيع الناس على تركيب العدادات وخفض التعديات على الشبكة، بلا جدوى".

فوات الأوان
من غير المعروف قيمة الأموال غير المجباة عن منازل تعدَّدَ شاغلوها وأخرى كانت محتلّة منذ الحرب الأهلية واستُهلِكَت فيها كهرباء من قِبَل مهجَّرين، واليوم هي منازل غير مأهولة. ويلفت بيضون النظر إلى أن فواتير منازل المهجَّرين "أحيلت إلى القضاء. وبذلك، بات ملزماً مَن يريد إعادة إشغالها، إبراز مستند يؤكّد تاريخ ترك المهجَّرين للمنزل، وهذا أمر صعب".

هي "أموال ميّتة لا يمكن جبايتها" يُسأل عن جزء كبير منها مَن يتأخَّر في إصدار وتحصيل الفواتير ومَن لم يسائل في هذا المجال، من مجلس الوزراء إلى وزارة الطاقة ولجنة الأشغال النيابية إلى اللجان والهيئات والمجالس الرقابية. ووسط ذلك، يصبح بديهياً أن ما يحصل على مستوى الكهرباء هو "محاولة لإنتاج مسرحية توحي للبنك الدولي بأن لبنان بدأ بإقرار إصلاحات في القطاع". لكن البنك الدولي يعلم كلّ شيء.