أمين سر "الإسكوا": المنطقة بحاجة إلى إعادة النظر بالإنفاق ومعالجة الاختلالات وترتيب الأولويات لتحقيق التنمية المستدامة

قال أمين سر اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) كريم خليل، في حديث إلى «الأنباء»: «المنطقة العربية أمام تحديات كبيرة مالية واقتصادية متعددة تهدد التقدم نحو تحقيق التنمية المستدامة، ما يبرز الحاجة إلى اتخاذ اجراءات عاجلة والنظر في سبل تطوير الإنفاق والى إعادة تفكير جدية في نمط السياسات الإنفاقية المتبعة».

وأضاف: «المنتدى العربي للمالية العامة والموازنة 2025» الذي تنظمه «الإسكوا» و«اليونيسف» وتنطلق أعمالة في 12 من الجاري ويحضره وزراء المالية والشؤون الاجتماعية والتخطيط والاقتصاد من مختلف أنحاء المنطقة العربية، ويشارك فيه ممثلون عن وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الاقليمية، سيسلط الضوء على السياسات العامة والإنفاق المالي الحكومي والقدرة على خلق التنمية المستدامة مع الحفاظ على التوازن والانضباط المالي المطلوب.

نقطة الانطلاق ستكون في التشخيص المستند إلى التقرير الذي أعدته «الإسكوا» مع «اليونيسف» والمتعلق بالإنفاق العام في المنطقة العربية، وتحليله من منظور اجتماعي وتأثيرات ذلك على قطاعات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، ولاسيما الأشخاص الذين لا ينالون الاهتمام الكافي، أو من هم أكثر عرضة للصدمات التي تترك أثرها غير المتناسب عليهم لاسيما المرأة والشباب وذوي الإعاقة».

وأكد خليل على «أهمية عنصر الاستدامة وضمان عدم الاختلال في الموازنات. لذا من المفيد جدا الحوار الذي سيقام خلال المنتدى العربي، وهو حوار وطني يجتمع فيه وزراء المال والشؤون الاجتماعية والتخطيط على طاولة واحدة للنقاش بشكل شفاف وترتيب الأولويات، انطلاقا من عنوان المنتدى الذي هو جزء مهم من الصورة، لأننا نرى أن القضية ليست إنفاقا اكثر ودائما أو تقشف دائم، بل إنفاقا يصنع فرقا إلى إنفاق أذكى.

هذه هي رسالة المنتدى، أي ان تستطيع السياسات المالية العامة أن تلعب دورا مهما في تحقيق التنمية المستدامة والتوازن ما بين الاستدامة المالية، وفي الوقت عينه الكفاءة والفعالية في الإنفاق، وكل ذلك يمكن تحقيقه مع التطور التكنولوجي المتسارع الذي يساعد صانع القرار على معرفة الطرق المتعلقة بصرف الأموال، وما اذا كانت ذات فعالية اكثر أو أقل وكفؤة أم لا، مقارنة مع دول العالم».

وأشار إلى أن «الحيز المالي في بعض البلدان العربية يضيق مع ارتفاع أعباء خدمة الدين الذي وصل إلى 1.6 تريليون مع الصدمات السياسية التي تشهدها المنطقة منذ عامين، والتي تركت أثرها على بلدان كثيرة، ما يستدعي إعادة التفكير في الإنفاق الاجتماعي وتشخيص المشكلة المدعومة بالمعرفة والعلم لتحسين الفعالية والكفاءة نحو الإنفاق الذكي.

لذا من المهم جدا مشاركة السادة وزراء المالية والشؤون الاجتماعية والتخطيط والتعاون الدولي، من أجل اقامة حوار وتبادل الخبرات والنظر في التحديات لتعزيز الإنفاق الاجتماعي وتحديد الأولويات».

وقال خليل «يتفاوت الإنفاق الاجتماعي بين بلد وآخر. ولابد من خلق هذا التوازن من دون الإخلال بالاستدامة المالية من خلال ترتيب الأولويات الخاصة بالإنفاق الاجتماعي.

فعلى سبيل المثال هناك بند الإنفاق على الوقود وهو بند غير رشيد، لذا على الدول أن تحدد الأولويات وأن يكون لديها إطار متوسط المدى للإنفاق ولدية أهداف مرتبطة بالأولويات، وإعادة التوازن في الإنفاق الحكومي وإعادة الاعتبار إلى الصحة والتعليم والتدخل في التعليم المبكر».

وأشار خليل إلى «أننا من أقل المناطق في العالم من حيث متوسط الإنفاق على الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، حيث يشكل 10% من الناتج المحلي في حين أنه عالميا هو 17%، وأن 30% فقط من السكان يحصلون على شكل واحد من الحماية الاجتماعية، أي إعانة بطالة وشيخوخة وأنواع مختلفة، في حين أن المتوسط العالمي يبلغ 50%».

ورأى «أنه أمام ما سبق الإشارة اليه، لابد من إعادة التوازنات للمالية العامة ومعالجة الاختلالات، أي التدخل في التوقيت السليم. عندما تكون هناك أزمات لابد من التدخل لدعم الفئات الأكثر عرضة للمخاطر وإعادة التوازن إلى الترتيب الصحيح للإنفاق، وتحويل الموارد من بنود منخفضة الأثر وغير عادلة، باستثناء دعم الوقود على سبيل المثال، وتقديم الدعم النقدي المباشر والمشروط من أجل التعليم وتلقي العلاجات كالتلقيح، وهذا ما نسمية بترشيد الإنفاق».

ولفت خليل إلى «أن المشكلة في منطقتنا وبالاستناد إلى دراسة قمنا بها، بينت أن هناك هدر غير عادي لجهة الإنفاق الحكومي».

وشدد على «أهمية الرؤية التي وضعت مع جامعة الدول العربية تحت عنوان «رؤية المنطقة العربية 2045»، والتي اعتمدتها القمة العربية الأخيرة هذه السنة بعد ثلاثة أعوام من العمل، كان الهدف خلالها ان نقدم بارقة أمل لشباب المنطقة ونظرة طويلة الأمد مع الجامعة العربية كشريك رئيسي باعتبارها المنظمة الأم، وأن هذه المنطقة قادرة على تحقيق التنمية المستدامة، لكنها تحتاج لنظرة إلى الأمام وجزء من هذه الرؤية هو استنهاضي أي محاولة استنهاض الشباب.

وأن ننهض بالمنطقة وفق الرؤية التي تقوم على التعاون الاقليمي ليس بالمعنى السياسي، بل بالمشروعات كالربط الكهربائي والطاقة والغاز والموانئ والبنى التكنولوجية.. هناك امكانات هائلة وتناغم ويمكن التكامل في أمور عدة مع ما لدينا من قدرات وموارد بشرية غير عادية قبل أن تكون مالية. ولا يمكن الاستسلام للأوضاع القائمة، بل العمل على التخطيط وسط التحديات التي تواجهها المنطقة التي تضع خططا تنموية طموحة، وهذه الخطط تحتاج إلى التسريع في وتيرة التنفيذ لأننا نرى ان هناك مجال أفضل للاستفادة من البعد الاقليمي في التنمية، مع ما تحقق من انجازات كبيرة».