أهالي كفركلا: زلزال مرّ من هنا... والعديسة لم يبق لها أثر

كتب روجيه نهرا في نداء الوطن:

تمكّن أهالي بلدة كفركلا وبعد غياب طويل، من العبور إلى منازلهم بعد انسحاب إسرائيل صباح أمس، من كامل القرى اللبنانية واحتفاظها بخمسة مواقع للمراقبة، ثلاثة منها في القطاع الشرقي، وهي تلّة العويضة المشرفة على كفركلا والعديسة والطيبة، تلّة العزيّة المطلّة على مجرى نهر الليطاني ودير ميماس وتلّة الحمامص المقابلة لبلدة الخيام ومحلة سردة والعمرة وبلدة الوزاني.

اختفت بلدة كفركلا عن الخريطة الجغرافية، وحلّ بها خراب ودمار هائل وكأنها أصيبت بزلزال غيّر معالمها. بالكاد، تمكّن الأهالي من التعرّف عليها. مركزها البلدي ومؤسساتها التربوية والاجتماعية والصحية لم تعد موجودة. تحوّلت فرحة الأهالي بالعودة إلى حزن عميق على ذكريات تطايرت مع دمار منازلهم بفعل الحقد الإسرائيلي الذي جعل البلدة مسرحاً لغاراته ولقصفه المدفعي العنيف.

رحلة العودة إلى كفركلا كانت شاقّة ومتعبة بسبب إجراءات الجيش اللبناني، الذي منع الأهالي من التوجّه بسياراتهم، ما دفعهم للإنتقال سيراً على الأقدام لمسافة تزيد عن 5 كيلومترات. ومع ساعات الصباح الأولى، بدأ أهالي كفركلا التجمّع أمام مركز مرقص عند مدخل بلدة دير ميماس. وعند الساعة العاشرة، طلب الأهالي من الجيش السماح لهم بالدخول، لكنه رفض. عندها دعا رئيس البلدية حسن شيت الأهالي للتوجه معه إلى كفركلا سيراً من دون أي مرافقة وعلى مسؤوليته. ولكن الصدمة كانت لحظة وصول الأهالي إلى بلدتهم، حيث صُدموا وذهلوا من فداحة الدمار الشامل الذي لحق بها، حيث دمّرت إسرائيل أكثر من 90 بالمئة من منازلها وطرقاتها وشوارعها ومحالها التجارية ومؤسساتها. حتّى أنّ بعض الأهالي لم يتعرّفوا على منازلهم. وبالفعل كانت مشاهد صادمة ومحزنة لا تصدّق، فتحوّلت كفركلا إلى كتلة من الركام والخراب.

وخلال انتقال سيارات الإسعاف إلى البلدة، تمكّنت الفرق الصحية من إخراج شخصين أحياء من تحت الأنقاض تمّ نقلهم إلى مستشفى مرجعيون الحكومي لتلقي العلاج . وأثناء تفقّد الأهالي بلدتهم، حلقت طائرة اسرائيلية للمراقبة فوق المنطقة.

في الغضون، شدّد رئيس بلدية كفركلا على أنّ "الإرادة قوية، ونحن مصممون على العودة مهما كانت كلفتها"، مشيراً إلى أنّ "البلدية ستضع خطة للنهوض وإعادة الإعمار في أسرع وقت، لكي نتمكّن من إعادة كفركلا إلى ما كانت عليه، وأنّ العدو لن يخيفنا مهما كان جبروته وقوّته، فنحن أقوياء وأصحاب حقّ وقضية ولدينا كلّ الثقة بأننا سنعيد بناء بلدتنا العزيزة".

أما حسين فقال خلال تأمله منزله المدمر: "سنعيد بناء ما دمّره العدو ونحن عدنا إلى بلدتنا بفضل دماء الشهداء وتضحيات المقاومين الأبطال".

من جهة أخرى، أعرب أهالي برج الملوك عن صدمتهم من حجم الخراب الذي حلّ بممتلكاتهم جراء احتلال إسرائيل منازلهم من الجهة الجنوبية للبلدة حيث حوّلتها إلى مراكز عسكرية ودمّرت محتوياتها.

وكتبت رمال جوني:

غيّرت الحرب معالم بلدة العديسة الحدودية، لم يبقَ منها أيّ أثر، دمّرتها الغارات ومدفعية الجيش الإسرائيلي ولم تشهد البلدة دماراً مماثلاً في السابق، حتى في خلال الحرب العالمية الثانية لم تصب بهذا الدمار، بحسب تعبير ابن البلدة عارف رمّال الذي حاول تفقّد منزله الواقع في أعالي البلدة والمشرف على مستوطنة مسكاف عام، غير أنه مُنع من الوصول إليه.

كانت العديسة آخر بلدة دخلها الأهالي سيراً على الأقدام، بعد كفركلا، ميس الجبل، مركبا، بليدا وحولا، مارون الراس ويارون، بسبب الكشف الهندسي الذي أجراه الجيش اللبناني المنتشر في البلدة.

كانت العديسة قبل الحرب "أميرة قرى الحدود" وفق ما يقول أبناؤها، حيث حوّلها الجيش الإسرائيلي إلى بلدة منكوبة. والدمار الذي أصاب البلدة تمّ بعد وقف إطلاق النار، حيث واصل الجيش الإسرائيلي عمليات التفجير والتفخيخ داخل منازلها كان آخرها مساء الإثنين الفائت.

تدخل العديسة ضمن نطاق التلال الخمس التي أبقى الإسرائيلي على تواجده فيها، ولا تزال بعض أراضيها محتلّة وتقع ضمن مستوطنة مسكاف عام. يقول عدنان يحيى "يملك أبناء البلدة صكوك ملكية بهذه الأراضي في السجلات العقارية وأرشيف البلدية ولدى كبار السنّ وأضيف إليها اليوم احتلال أراض جديدة".

هذا الواقع، يطرح إشكالية كيفية تحرير الدولة اللبنانية لتلك الأراضي المحتلّة. سؤال يطرحه أبناء بلدة العديسة المصدومون من واقع بلدتهم المدمّر.

على الرغم من فرحة الأهالي بالعودة، خيّم الحزن عليهم، ويقول عارف رمّال، "ما بقي شي، شو بدو يحكي الواحد". أما نمر رمّال فيقول "دفعنا ثمناً غالياً جداً".

أمام محلها المدمّر وقفت كوثر بعلبكي، خسرت منزلين ومحلّها، لم يبقَ في جعبتها سوى "المفتاح"، وتقول "كلّ هذا الدمار ستتمّ إعادة بنائه، ولن نرضى بأن يبقى شبر واحد محتلّاً".

كل مقوّمات الحياة مفقودة، لا مياه لا كهرباء ولا حتى اتصالات، الشبكة مقطوعة، وهذا يحتّم عدم عودة الأهالي قبل دخول أجهزة الدولة لإعادة عناصر الحياة تدريجيّاً للبلدة.

وفي وقت كان أبناء بلدة العديسة يتجوّلون بين الدمار، يشاهدون أشجار الزيتون المحروقة والبساتين المجروفة، كان الطيران التجسّسي والحربي يحلق فوق البلدة كما كل الجنوب، وأغار على أحد أحياء البلدة الشرقية.