المصدر: المدن
الكاتب: وليد حسين
الثلاثاء 8 تشرين الأول 2024 16:43:15
حيال أزمة النزوح الحالية وتشرد آلاف اللبنانيين وغير اللبنانيين في الطرقات من دون مأوى أو غذاء، لا يبدو الأمر مستغرباً عندما تعرف الأسباب التي أدت إلى هذه الكارثة الإنسانية، عملاً بالمثل الشعبي "إذا عرف السبب يبطل العجب". فلبنان في أزمة وافلاس مالي واقتصادي، والمانحون الدوليون يساعدون بـ"القطارة"، ويمولون قطاعات معينة على حساب أخرى.
تأمين 12 بالمئة من الحاجة
قدّرت الأمم المتحدة في النداء العاجل الذي أطلقته بعد توسع العدوان الإسرائيلي، وموجة النزوح التي طالت أكثر من مليون و200 ألف نازح، حاجة لبنان بـ425 مليون دولار. وحدد المبلغ لتلبية حاجات النازحين حتى آخر السنة الحالية. وقد تم تأمين 51 مليون دولار بنسبة 12 بالمئة منها إلى حد اليوم فقط لا غير. طبعاً هذا المبلغ الذي تأمن لا يشمل المساعدات العينية التي تلقتها الدولة اللبنانية من دول قطر والامارات العربية وروسيا وغيرها.
على مستوى الدول التي رصدت الأموال لتلبية حاجات النزوح، تصدرت إيطاليا باقي الدول بتقديم 14 مليون دولار تليها الولايات المتحدة الأميركية بـ11.5 مليون، بحسب نظام التتبع المالي الخاص بالنداء. وبعيداً من أن كل مانح يحدد وجهة إنفاق أمواله أو تخصيصها للمنظمات الدولية أو المحلية وليس للدولة اللبنانية، الملفت في بيانات تمويل قطاعات النزوح عدم الاهتمام بمراكز الإيواء وبالغذاء والصحة، بقدر اهتمام مانحين بشؤون أخرى. وهذا انعكس على أرض الواقع في مشاهد النزوح بلا مأوى ولا مأكل أو مشرب.
أولويات المانحين
بحسب بيانات النداء العاجل، حددت حاجة قطاع الغذاء والزراعة إلى 131 مليون دولار، لكن تأمن منها تسعة ملايين فقط وبنسبة 6.8 بالمئة. أما قطاع مراكز الإيواء فالحاجة حددت بـ 42 مليون دولار ولم يتأمن منها إلا مئة ألف دولار وبنسبة 0.2 بالمئة، هذا فيما حاجة قطاع الصحة حددت بأربعين مليون دولار تأمن منها نحو 11 بالمئة. في المقابل حددت حاجة قطاع الحماية (الحماية من العنف الجنسي أو حماية الفئات الضعيفة من الانتهاكات والاستغلال وغيرها) بـ41 مليون دولار وتأمن منها نحو 12 مليوناً وبنسبة 28 بالمئة. بينما قطاع التربية الذي يحتاج إلى نحو 15 مليون دولار فلم يتأمن له أي قرش (صفر بالمئة). وصحيح أن موضوع "الحماية" يعتبر أساسي في حالات النزوح وهو حق من حقوق الإنسان، إلا أن أولويات لبنان في ظل التشرد هي إيواء النازحين، كي يتم حمايتهم من أي انتهاك قد يتعرضون له خلال النزوح.
أما بموضوع قطاع التنسيق وعمل فرق العمل على الأرض فقد تصدر كل القطاعات في تأمين التمويل إذ جرى تأمين 56 بالمئة من الحاجة المطلوبة، بمعزل عن أن كلفة الحاجة منخفضة وتقدر بنحو مليون 200 ألف دولار. وقد تكون الفوضى الحالية في مراكز الإيواء وتأمين التنسيق الجيد بين العاملين على الأرض استدعى هذه الهمّة الدولية لتأمين هذه النسبة المرتفعة من تمويل كلفة هذا القطاع.
وتشرح مصادر مطلعة على التمويل الدولي لأزمة النزوح أن المساعدات تنقسم إلى قسمين. هناك مساعدات تصل إلى الدولة بشكل مباشر وتوزع من خلال لجنة الطوارئ الوطنية، ومساعدات تذهب لتمويل النداء الإنساني وتوزع من خلال المنظمات الدولية وشركائها. وعلى سبيل المثال قدمت الإمارات وقطر وروسيا مساعدات للدولة، فيما الجانب الأميركي رصد أموالاً لصرفها عبر المنظمات الأممية والمنظمات المحلية والشركاء. والممول هو الذي يحدد أي قطاع يشكل أولوية بالنسبة له. لكن لم يعرف بعد إذا كان المانحون سيدخلون المساعدات التي تعطى للدولة مباشرة في نظام تتبع التمويل للنداء الإنساني. حينها تحسم قيمة هذه المساعدات من المبلغ المحدد في الحاجة المعلنة للبنان لغاية نهاية العام الحالي. وقد تكون مفيدة للحاجات المعلنة في النداء، أو أقل أهمية من المطلوب تلبيته.
التمييز بين النازحين
بما يتعلق بإيواء النازحين أعطت الدولة اللبنانية الأولوية للبنانيين، كون دورها حماية رعاياها. فهي من يمتلك مراكز الإيواء وهي من يعد اللوائح لتنظيم دخول النازحين إليها. وصحيح أنه لا يوجد إعلان رسمي من الدولة في هذا الشأن، لكن كل الممارسات على الأرض تدل على ذلك. بمعنى أن الدولة رفضت إسكان أي نازح سواء كان سورياً أو فلسطينياً أو حتى عاملاً أجنبياً، طالما هناك لبانيون ليس لديهم أي مأوى. فاللبنانيون يعتبرون أن مسؤولية الفلسطينيين على عاتق الأونروا، فيما السوريين من مسؤولية المفوضية السامية للاجئين. وهذا أحد أسباب "تكدس" النازحين في الملاعب والساحات والطرقات، الذي يعيشه لبنان اليوم.
ووفق المصادر فإن الإشكالية هي في كيفية تنظيم إيواء النازحين مع الأخذ بالاعتبار المخاوف اللبنانية. فالأمم المتحدة لا تميز بين نازح وآخر، فيما الدولة اللبنانية تريد إعطاء الأولوية لرعاياها. وتريد توزيع الأدوار لتسليم شؤون النازحين السوريين والعمال الأجانب للمفوضية السامية. مع العلم أن ليس للمفوضية صلاحية تحديد مناطق ومراكز الإيواء. بل يفترض بوزارة المالية ارسال لائحة بالمباني أو المناطق المناسبة وترسل إلى الوزارة المعنية والمحافظين لأخذ الإذن بإنشاء مخيمات أو تسليم مبانٍ. ولا يمكن للمفوضية التحرك قبل موافقة الدولة. والمفاوضات الحالية تتعلق بهذه الأمور.
ثمة مخاوف لبنانية من أن تصبح المخيمات دائمة وتوزع المساعدات عليها، فيما لا يصل إلى اللبنانيين إلا القليل منها. أما تقنياً فبعد تحديد الأماكن تقوم المفوضية بمعاينتها لمعرفة إذا كانت مناسبة. لكن لم تعرف الأولوية بعد: هل يتم وضعهم في مبانٍ أو مخيمات. بما يتعلق بالمباني، الأولوية هي النازحين اللبنانيين. وقد تفاقم الوضع مع استخدام جزء كبير من المدارس الرسمية للإيواء. وتصاعدت صرخة وزارة التربية التي تفكر بكيفية استئناف العام الدراسي.
ووفق المصادر سيزور المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي لبنان يومي السبت والأحد المقبلين. وتقصّد الحضور كي يعجل آلية إيجاد الحلول لإيواء النازحين السوريين، لأنه سيعلن عن حزمة مساعدات كي يدفع اللبنانيين إلى التحرك.