أول ترجمة لإنجاح العهد إنهاء شغور الادارة والقضاء

مع انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية، انتهى زمن الشغور في موقع الرئاسة الأولى وطويت صفحة الفراغ على مستوى الموقع الدستوري الأول في البلاد بعد اكثر من عامين وشهرين، لتبدأ رحلة الألف ميل على طريق اعادة تكوين السلطة وملء الشواغر الفادحة في مؤسسات الدولة وإداراتها، وهو التحدي الذي قاربه الرئيس المنتخب في خطاب القسم، عندما أكد التزامه إعادة هيكلة الادارة العامة والمداورة في وظائف الفئة الاولى وتعيين الهيئات الناظمة وإجراء التشكيلات القضائية.

لن يكون سهلاً على الرئيس الجديد الوفاء بالتزاماته، ما لم تواكبه سلطة تنفيذية فاعلة يكمن التحدي  الأكبر في سرعة تشكيلها عبر فريق عمل حكومي متجانس ومتعاون معه،  لإطلاق ورشة العمل المتعلقة بالدولة، على نحو يتيح لمؤسساتها وإداراتها إطلاق عجلة الانتاج والخروج من حال الكسل والشلل والترهل والاهتراء التي مرت بها الدولة نتيجة تراجع إنتاجيتها إلى الحد الادنى، وربما أقل، وتحكّم منطق المحاصصة والزبائنية والفساد في مختلف زواياها. ورغم ان المواقع  الشاغرة في الدولة تقارب المئة على مستوى الوظائف والمواقع الاساسية أو القيادية، فإن الأولوية تقضي بملء المواقع الحيوية والحساسة التي من شأنها ان تطلق عجلة العمل الحكومي والقضائي، بعدما تعذر على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي إجراء تعيينات في ظل وضعها كحكومة تصريف أعمال، ملزمة في الحد الادنى هذا المفهوم وعدم تجاوزه إلا في الحالات الاستثنائية التي تُرك أمر بتها للمجلس النيابي السلطة الوحيدة الكاملة الصلاحية والشرعية، كما حصل بالنسبة إلى قانوني التمديد للقادة الأمنيين والعسكريين في  ٢٠٢٣ و ٢٠٢٤، علماً أن غالبية المواقع الاساسية تجري ادارتها بالانابة والوكالة.

ليس الشغور وقفاً على المراكز القيادية فحسب إنما يتعداه الى كل الفئات في الادارة العامة، بحيث يقدّر تقرير صادر عن مجلس الخدمة المدنية ان نسبة الشغور في الادارة تصل الى نحو 72 في المئة منها ما نسبته 80 في المئة لموظفي الفئة الثانية. والشغور مرشح لأن يتفاقم مع بلوغ موظفين سن التقاعد وعدم القدرة على تعيين بدائل منهم. لكن الأخطر يكمن في الشغور على مستوى المواقع القيادية الحساسة وأبرزها حاكمية المصرف المركزي الشاغر ة منذ إحالة الحاكم السابق رياض سلامة على التقاعد وتولي نائب الحاكم مهمات الحاكمية، إضافة الى المواقع الأمنية والعسكرية في قيادة الجيش التي عادت لتشغر مع انتخاب عون رئيساً، رغم تمديد ولايته سنة إضافية. ويشمل الشغور هنا أيضاً موقع المدير العام لقوى الامن الداخلي والمدير العام للأمن العام. وقد خضعا أخيراً لقانون التمديد للقادة الأمنيين في الجلسة النيابية في نهاية تشرين الثاني الماضي، والتي شملت أيضاً القضاء من خلال اقتراح قانون تعليق المهل القانونية والقضائية والعقدية وفق الصيغة المقدمة من النائب ابراهيم كنعان، مما منح النائب العام التمييزي بالتكليف القاضي جمال الحجار صفة نائب رئيس مجلس القضاء الأعلى، بعدما أقر المجلس بند تمديد ولاية أعضاء مجلس القضاء الأعلى الذين انتهت ولايتهم، علماً ان هذا القانون سقط بفعل الطعن فيه امام المجلس الدستوري الذي اصدر قبل اسبوع قراراً بإبطاله، أرفقه قبل أيام قليلة بقرار وقف تنفيذه ليعود الوضع إلى ما كان عليه.

لقد اعطى خطاب القسم أولوية للتشكيلات القضائية، إنطلاقاً من التزام الرئيس العمل على استقلالية القضاء، في ظل الشغور القاتل الممتد إلى كل المواقع الرئيسية كما إلى المحاكم (التمييز والاستئناف) في كل المحافظات. أبرز المواقع التي ستشغر في القضاء بسبب بلوغ مسؤوليها السن القانونية، يشمل رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر والنائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون والمدعي العام المالي القاضي علي ابرهيم. وتكمن اولى خطوات سد الشغور بعد تشكيل الحكومة العتيدة التي يفترض ان تبادر إلى تعيين مجلس القضاء الاعلى الذي يقوم بدوره باقتراح سلة التشكيلات القضائية ويرفعها إلى وزير العدل لرفعها  إلى مجلس الوزراء وإقرارها. وهو مسار سيستغرق وقتاً، خصوصاً إذا ما خضع للتجاذبات السياسية التي أعاقت في المرحلة الماضية هذا المسار.

الشغور المؤسساتي لا يقف عند هذا الحد، وإن كانت هذه المؤسسات تحظى بالأولوية، إذ يشمل مؤسسات مستقلة وعامة وكل الهيئات الناظمة لا سيما منها المتصلة بقطاعي الاتصالات والبترول، ومؤسسات مستقلة وإدارات مثل مؤسسة كهرباء لبنان وهيئة السير والاحصاءالمركزي ومجلس الجنوب وتعاونية الموظفين ومرفأي بيروت وطرابلس، وغيرها من المرافق العامة العاملة تحت أمر واقع الإنابة والوكالة وتصريف الأعمال الذي فرضته استحالة التعيين.