أول غيث الفراغ: اضطرابات سياسية سبّاقة... فهل تنفجر في جلسة البرلمان اليوم؟

لم تتأخر الاضطراباتُ السياسيةُ في الإطباقِ على الواقع اللبناني بعدما حلّ الشغورُ الرئاسي الذي تملأه حكومةُ تصريفِ الأعمال برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي بقوّةِ أمرٍ واقعٍ دستوري جرى ترسيمُ حدوده «على المسطرة» بما لا يتركُ البلادَ العالقة في فوهة البركان المالي تقع في محظورِ الفراغ المميت، ولا يجعلها فريسةَ استقطابٍ طائفي يُراد النفخُ فيه بإطار تعبئةٍ ولو بالأسلحة «غير التقليدية» تواكب مرحلةَ الاستيلاد القيصري لرئيسٍ جديدٍ للجمهورية.

 

واليوم يُنتظر أن تتظهّر تحت قبة البرلمان، الذي فشل في 4 جلساتٍ عقدها حتى الآن بانتخاب رئيسٍ للبلاد، مشهديةٌ ساخنةٌ تتحدّد معها السقوفُ التي سيخوضُ عبرها «التيار الوطني الحر» خصوصاً المرحلةَ الانتقاليةَ التي دخلتْها البلادُ ابتداءً من 1 الجاري، والتي أعطى أولى إشاراتِها رئيسُه النائب جبران باسيل بـ «قصفٍ» سياسي متعدّد الجبهة يُخشى معه أن يكون فريقُ عون يتجه لاستراتيجيةِ «الأرض المحروقة» في سياق اندفاعته لحجْز موقع متقدّم في السِباق الرئاسي بحيث إما يُفْضي إلى «تمديد» شبه مستحيل للعهد الراحل عبر باسيل - الرئيس أو إلى وصول شخصية تؤمّن امتداداً له وتحمي دوره ومصالحه لست سنوات جديدة.

وما زاد الخشيةَ من أن تكون الجلسةُ التي يعقدها مجلسُ النواب اليوم لتلاوةِ ومناقشةِ الرسالة التي وجّهها عون إلى البرلمان (الأحد) طالباً سَحْبَ التكليفِ من ميقاتي لتأليفِ الحكومة الجديدة ومعتبراً أن وراثةَ حكومةِ تصريف الأعمال صلاحيات الرئاسة الشاغرة غير دستوريّ، قيامُ الرئيس نبيه بري بالتراجع عن دعوته لحوارٍ كان دعا إليه ليكون «الناظم الداخلي» للشغور الرئاسي و«جسرَ عبور» إلى توافُق حول اسمٍ يكسر التوازن السلبي الذي يحكم البرلمان ويمنع أياً من الموالاة والمعارضة من التحكّم العدَدي ولا السياسي بالمآل النهائي للاستحقاق.

وإذ أعلن بري في بيان صدر عن مكتبه الإعلامي أنه «بعد استمزاج الآراء حول الدعوة للحوار بين الكتل النيابية للوصول لرئيس توافقي يعتذر رئيس البرلمان عن السير قدماً بهذا التوجه نتيجة الاعتراض والتحفظ ولا سيما من كتلتي القوات والتيار»، فإن أوساطاً سياسية اعتبرتْ أن حيثياتِ هذه الخطوة هي مزيجٌ من رغبةٍ برمي تطيير الحوارِ بوجه الكتلتين المسيحيتيْن الأكبر، ونفْض اليد مما سيترتّب على ترْك الانتخابات الرئاسية تدور في حلقةٍ مفرغةٍ من«لا جلسات انتخاب» فيما البلاد تعوم فوق أكثر من برميل بارود مالي واجتماعي.

وكانت «القوات» والتيار الحر، كلٌّ لاعتباراتهما تحفّظا عن الحوار: الأولى رفْضاً لتحويله «منصةً بديلة» لعملية انتخابٍ يفترض أن تجرى في البرلمان بعيداً من لعبة تعطيل النصاب المتمادية في الدورات الثانية من كل جلسة ومن الاختباء خلف الورقة البيضاء من «حزب الله» والتيار وحلفائهما للتعمية على عدم القدرة على توافقهم على مرشح واحد.

 

أما التيار فلعدم منْح بري دوراً قيادياً في مرحلة شغور الرئاسة الأولى وكأنه بدَيل عن «الرئيس ضائع»، وأيضاً لإبقاء «منصة» التصويب «الثقيل» عليه مفتوحةً من ضمن عملية الاستنهاض السياسية – الشعبية وحتى الطائفية التي سبقت انتهاء ولاية عون وجرى التعبير عنها في «الوداع الجماهيري» لرئيس الجمهورية يوم غادر قصر بعبدا (الأحد).

ورغم أن تكليف ميقاتي صار بحكُم الساقط مع انتهاء عهد عون ما يجعل مضمون رسالته بهذا المعنى غير ذي جدوى وأن نطاق تصريف الأعمال لحكومة ميقاتي بالقبّعة الرئاسية جرى التفاهم عليه بين الأخير ومكوّنات أخرى في الحكومة، أبرزها «حزب الله» بما يجعلها تمْضي في تسيير شؤون البلاد والوزارات خارج اجتماعات لمجلس الوزراء إلا إذا اقتضت ضروراتٌ ما فوق استثنائية، فإنّ ثمة مناخات تتحدّث عن أن باسيل يعدّ لجعل «جلسة الرسالة» اليوم صندوقة بريد لمَن يعنيهم الأمر تحدّد معالم «المعركة» التي أطلقها فريق الرئيس السابق منذ أن وقّع مرسوم اعتبار الحكومة المستقيلة أصلاً مستقيلةً والذي اعتُبر «لا يقدّم ولا يؤّخر»، مروراً بعرض القوة الشعبي الأحد، وليس انتهاءً بهجوم رئيس «التيار» في إطلالته التلفزيونية على بري وميقاتي خصوصاً.

وإذ اتهم باسيل رئيس البرلمان والرئيس المكلف بأنهما «لا يريدان حكومة» من الأساس معتبراً أن بري «لم يهزم العهد بل هزم اللبنانيين جميعاً بتعطيله العهد» وموضحاً أنه حين وصفه بـ «البلطجي» لم يعتذر عن الكلمة بل عن خروجها إلى الإعلام، وواضعاً فيتو على اسم قائد الجيش العماد جوزف عون للرئاسة «فهو كان متفرجا على «انقلاب 17 تشرين الاول 2019» كما على زعيم «المردة» سليمان فرنجية «ولنتفق معاً على اسم ثالث»، فإن ردّ كل من ميقاتي والمعاون السياسي لبري النائب علي حسن خليل على رئيس «التيار الحر» عَكَس القلوب المليانة على هذا «المثلث المشتعل».

وجاء وصف خليل لباسيل بأنه «وحده بلطجي سياسي ومالي فاسد لعهدٍ أسقطه الحقد الأعمى والغباء السياسي» ليؤشّر لِما سيكون عليه مشهد اليوم في مجلس النواب علماً أن تقارير كشفت أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرلله استقبل المعاون السياسي لبري قبل 3 أيام حيث جرى خلال اللقاء نقاش مطول في استحقاق انتخابات رئيس الجمهورية وموقف رئيس البرلمان منه والتصور للمرحلة المقبلة، وسط إعلان قناة «الجديد» أنه جرى «خلال اللقاء تأكيد أن التفاهم كامل بين حركة امل وحزب الله في مقاربة الاستحقاق الرئاسي والتحديات المقبلة حكومياً وبرلمانياً».