أول قافلة عودة "طوعية" إلى سوريا: ماذا عن التحديات؟

إنطلقت من بلدة عرسال صباح اليوم الأربعاء، أول قافلة عودة "طوعية" مئة بالمئة، وهي لنازحين سوريين من منطقة راس العين في يبرود القلمونية. بإنتظار أن تكر سبحة هذه العودة "الجماعية" في الأيام المقبلة، وإنما بعد تذليل بعض العقبات الأمنية والقانونية والمادية، وخصوصاً بالنسبة لأهالي بلدة القصير الحدودية.
هم ثمانون عائلة، مهّدوا الطريق بمغادرتهم لبنان في اليوم الرابع لسقوط النظام السوري، أمام قوافل لاحقة باتجاه القلمون. تجمع الجزء الأكبر منهم بعيد التاسعة صباحاً على مقربة من حاجز الجيش المتمركز في منطقة وادي حميد منذ أحداث فجر الجرود، بعد أن سبقهم عدد ممن لم يتحملوا الصبر للعودة، وتخلف عنهم عدد آخر لم ينجحوا في حزم أمتعتهم وأثاث خيمهم بالوقت المحدد.

رايات الثورة
من دون أي تواجد أمني إستثنائي، ولا حضور لكاميرات وسائل الإعلام، ولا حتى لمستثمري الحدث من سياسيين، أو مشرفين عليه من ممثلي الهيئات المانحة، تناغم هؤلاء مع عهدهم الذي قطعوه بأن لا يبقوا خارج سوريا لحظة واحدة بعد سقوط نظامها، فرفعوا رايات ثورتهم فوق أربعين شاحنة نقلتهم، وطووا برحيلهم صفحة 14 سنة من تشردهم.

قرارهم محض فردي وفقاً لما أكده هؤلاء. وحددت ظروفه المناسبة قدرتهم على توفير أجرة الإنتقال، ومكان السكن في سوريا، وهو كما قال الناشط ظافر البرتاوي الذي نسق للحملة مع ناشطين آخرين لبنانيين وسوريين، يثبت بأن "لا مصلحة لأحد ان يبقى خارج بلده، وحتى لو دمرت منازلنا، فكما أقمنا خيمنا هنا يمكننا أن نقيمها أيضا على تراب وطننا."

ما فعلته المبادرة الأهلية وفقاً لبرتاوي، أنها شجعت الراغبين في العودة، وخصوصاً ممن لا يزالون يخشون العودة لأسباب نفسية، بأن يقدموا على الخطوة بشكل جماعي. وهي أمنت التنسيق لعودتهم مع القوى الأمنية والعسكرية التي بدت متعاونة جداً، وسهلت الإجراءات الحدودية الى أقسى الحدود، مسقطة حتى الشروط الحدودية المفروضة على من تخطوا المهلة المعطاة لهم للإقامة داخل الأراضي اللبنانية. مع وضوح تام من قبلها بعدم السماح لمن خرج من عائلات أو أفراد بالعبور مجدداً للأراضي اللبنانية إلا وفقا للإجراءات الحدودية المتخذة.
مواكبة العودة

"المدن" واكبت العائدين الذين عبّروا عن فرحتهم لكون عائلاتهم ستجمع شملها بعد أكثر من عشر سنوات من الفراق. وبين العائدين أطفال لم يبلغوا بعد عمر نزوحهم، معظمهم لا يعرف عن بلده شيئاً، ولكنهم عبّروا عن فرحتهم بلقاء أجداد لهم وجدات سيتعرفون إليهم للمرة الأولى في هذا اليوم. وبينهم أيضاً شبان حضروا الى لبنان أطفالاً، وصار لكل منهم عائلة مشتقّة عن العائلة النازحة من سوريا.

وعليه لم يكن قرارهم المتخذ بالعودة سهلاً. وصعوبته كما روى هؤلاء ليست فقط في إنسلاخهم عن بلدة عرسال التي لم يلقوا فيها سوى كل ترحيب وحسن جوار، وعاشوا مع أهلها أفراحهم وأحزانهم، وإنما في القلق المرافق لهم حيال مصيرهم داخل بلدهم، خصوصاً أن جزءا كبيراً منهم سيعيد تأسيس حياته هناك "من الصفر" كما قالوا. وإذا كانت المبادرة التي حملتهم على العودة قد ساهمت بنفقات الشاحنات التي أقلتهم مع شوادر خيمهم وأثاثها، فإن بعضهم طلب منا إيصال رسالة الى الهيئات الداعمة أيضاً، بضرورة مواكبة احتياجات النازحين في بلدهم، أقله في المرحلة الأولى ريثما تنطلق ورشة الإعمار التي تمنوا ألّا تعكرها أية أحداث أمنية. علماً أنه وفقا لريما كرنبي، ناشطة شاركت في حملة دعم القافلة الأولى وإنطلاقها من منطقة عرسال، يعاني الناس، وخصوصاً من يرغبون بالعودة الى سوريا، من صعوبات مالية ويحتاجون الى مقومات الصمود حتى في بلدهم. وعليه تمنت "أن يجد هؤلاء من يساعدهم على الاستقرار وأن يكون الوضع أكثر راحة وأمنا بالنسبة لهم في سوريا، خصوصاً أن الإستقرار في سوريا ينعكس إيجابا علينا أيضاً كلبنانيين".

عملياً ينقسم النزوح في بلدة عرسال التي استقبلت العدد الأكبر من السوريين الهاربين من غرب سوريا ومن محافظة حمص، الى شقين. فهناك أهالي القلمون وهناك أهالي القصير. وبحسب البرتاوي" فإن انطلاق مواكب العودة الطوعية الجماعية باتجاه القلمون، ترجم توفر مقومات العودة بشكل أوفر الى هذه المنطقة، خصوصاً أن جزءا كبيراً من منازل القصير دمرت بشكل كامل."

ولكن حتى لو أبدى أهالي القصير حماساً للسكن في خيمة ببلدتهم كما يفعلون في عرسال، فإن حماسهم هذا فرمله الواقع الحدودي الناتج عن تعطيل معبر جوسيه الأقرب الى القصير، الأمر الذي سيزيد من كلفة إنتقالهم ومن مشقته إذا ما سلكوا معابر مختلفة.

غير أن هذه العوامل ليست وحدها ما يكبح من حماس عودة النازحين حتى الآن عموماً. وإذا كان واقع سوريا المالي والإقتصادي يشكل أحد الأسباب الموضوعية التي تدفعهم للتريث حتى انتهاء موسم الشتاء، فثمة سبباً جوهرياَ مشتركاً بين ما لا يقل عن عشرة بالمئة من النازحين السوريين في عرسال وفقاً لبرتاوي، وهو أن لدى هؤلاء أبناء معتقلين داخل سجون ونظارات قوى الأمن في لبنان أو فروع مخابرات الجيش، وسببها تهم وجهت إليهم بالإرهاب لتعاطفهم مع الثورة السورية. ومن هنا إعتبر البرتاوي "أنه طالما أن الثورة انتصرت وصارت هي السلطة الشرعية، فإننا نعول على الحكومة اللبنانية والأجهزة الأمنية والقضائية، كي تعيد النظر بملفات هؤلاء أو على الأقل تسرع محاكماتهم وعمليات إقتيادهم الى المحاكم." وهذه مسألة لا تحتاج لا لقوانين ولا لصدور عفو برأيه، خصوصاً أن المعني بها تحديدا هم من كانت خلفيات توقيفهم مرتبطة بالحراك الثوري. وقال البرتاوي "كما أنتم تعبتم منا في لبنان نحن أيضاً تعبنا، وليس علينا وعليكم سوى الصبر قليلاً، وكل الأمور ستحل لمصلحة الشعب أولاً".

يذكر أخيراً أن القافلة الأولى التي انطلقت بعد سقوط النظام السوري، لا تختزل مجمل أعداد من غادروا عرسال بإتجاه قراهم طوعيا حتى الآن. وتتقاطع المصادر العسكرية مع اللجان الأهلية في الإشارة الى إستمرار تدفق المغادرين عبر معبر الزمراني بشكل متواصل منذ اليوم الأول لسقوط النظام، مع تقيّد بمواعيد حظر التجول المحددة في الجانب السوري من الحدود. وعليه تقدر المصادر أعداد المغادرين من البلدة بنحو 300 عائلة، علماً أنه في جولة ميدانية لـ "المدن" داخل البلدة، رصدت أيضاً تفكيك خيم في تجمعات عديدة، وأبدى هؤلاء حماساً كبيراً للذهاب الى بلدهم بعد طول إنتظار.